"خطوات رمزية" فرنسية تجاه الجزائر لا ترتقي إلى الاعتذار عن حقبة الاستعمار

باريس - أعلنت فرنسا أنها لن تقدم "اعتذارات" عن حرب الجزائر، لكنها تنوي القيام بخطوات رمزية لمعالجة ملف الحقبة الاستعمارية للبلاد ومصالحة الذاكرة بين باريس والجزائر.
وأضاف الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيشارك في ثلاثة احتفالات تذكارية في إطار الذكرى الستين لنهاية حرب الجزائر عام 1962، هي اليوم الوطني للحركيين في 25 سبتمبر، وذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 أكتوبر 1961، وتوقيع اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962.
ويرى مراقبون أن الرئيس الفرنسي يريد اتخاذ إجراءات رمزية لتفادي تقديم اعتذار عن الجرائم الاستعمارية.
وكان ماكرون صرح في حوار مع مجلة "جون أفريك" في نوفمبر "نحن سجناء ما يشبه رقاص الساعة المتأرجح بين موقفين: الاعتذار والتوبة من جهة، والإنكار والكبرياء من جهة ثانية. أنا أريد الحقيقة والمصالحة".
ويفترض أن يسلم المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا ماكرون تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر الذي يحوي مقترحات ترمي إلى إخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.
وكان ماكرون كلف ستورا أحد أبرز الخبراء المتخصصين في تاريخ الجزائر الحديث بـ"إعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر"، التي وضعت أوزارها عام 1962 وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات الملايين من الفرنسيين والجزائريين.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن رئيس الدولة "سيتحدث في الوقت المناسب" بشأن توصيات هذا التقرير واللجنة التي ستكون مسؤولة عن دراستها.
وذكرت مصادر في الإليزيه أن الخطوة تندرج في إطار "عملية اعتراف"، ولكن "الندم وتقديم اعتذارات غير واردين"، وذلك استنادا إلى رأي أدلى به ستورا الذي ذكر أمثلة اعتذارات قدمتها اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين عن الحرب العالمية الثانية ولم تسمح بـ"مصالحة" هذه الدول.
ومن بين "الخطوات" التي سيتم القيام بها، نقل رفات المحامية المناهضة للاستعمار جيزيل حليمي التي توفيت في 28 يوليو 2020 إلى البانثيون، الذي يضم بقايا أبطال التاريخ الفرنسي. وقبل ذلك ستقام مراسم تكريم لها في الإنفاليد في الربيع "عندما تسمح الظروف الصحية بذلك".
وشدد الإليزيه أيضا على أن إيمانويل ماكرون "ليس نادما" على تصريحاته التي أدلى بها في العاصمة الجزائرية في 2017، وندد فيها بالاستعمار باعتباره "جريمة ضد الإنسانية".
وتساءل الإليزيه "ماذا كان يمكنه أن يقول أكثر من ذلك؟ لا يوجد شيء آخر يمكن قوله، لكن في المقابل هناك الكثير الذي يجب القيام به".
وعكس ماكرون بحسب الكثير من المراقبين، كل من سبقه في سدة الحكم بالإليزيه، حيث لم يجد أي صعوبة في التحدث منذ وصوله إلى السلطة عن الاعتراف بفصول من تاريخ استعماري أسود، كانت الجزائر من أكبر ضحاياه.
ويبدي الرئيس الفرنسي عزمه على حلحلة هذا الملف شديد التعقيد، ومحاولة تهدئة العلاقات المتقلبة منذ عقود بين البلدين، والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالتاريخ، منذ غزو الجزائر واحتلالها عام 1830 إلى حرب الاستقلال.
وزار ماكرون الجزائر في خضم حملته للانتخابات الرئاسية في فبراير 2017، وصرح للتلفزيون الجزائري بأنه "من غير المقبول تمجيد الاستعمار" الذي "يمثل جزءا من التاريخ الفرنسي"، وهو "جريمة ضد الإنسانية". وقد لقيت تلك التصريحات انتقادا واسعا من خصومه اليمينيين في فرنسا.
وقبل ذلك ببضعة أشهر، تحدث ماكرون في كتابه "ثورة"، عن وجود "جوانب حضارية" في استعمار الجزائر، وقال "حصل تعذيب، لكن نشأت أيضا دولة وثروة وطبقات وسطى، وكانت هناك جوانب حضارية وجوانب همجية".
وأثناء حديثه حول الاستعمار مع شاب عشريني اعترضه أثناء تجوله في شوارع الجزائر العاصمة، طلب منه ماكرون ألا يكون "سجينا للماضي" وأن "ينظر إلى المستقبل".
وأعادت فرنسا رفات 24 مقاتلا جزائريا سقطوا في مواجهة الجيش الفرنسي خلال القرن التاسع عشر، في يوليو 2020، واعتبرته الجزائر "خطوة كبيرة".
وفي 14 سبتمبر، أحدث ماكرون مفاجأة بزيارته أرملة موريس أودان بعد 61 عاما على مقتل هذا المناضل الشيوعي تحت التعذيب في سن الخامسة والعشرين.
وطلب حينها الرئيس الفرنسي "الصفح" من جوزيت أودان (87 عاما)، وقدم لها إقرارا "باسم الجمهورية الفرنسية بأن موريس أودان عُذّب ثم قُتل"، وبأن وفاته حصلت بسبب "نظام أنشأته فرنسا في الجزائر".
ولقي ذلك ترحيبا من اليسار الفرنسي، لكن اعتبرت زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني مارين لوبان أن "ماكرون أقدم على فعل تقسيمي".
وأعلن الرئيس الفرنسي في اليوم ذاته فتح الأرشيف حول المفقودين المدنيين والعسكريين، الفرنسيين والجزائريين، خلال النزاع. وطلبت الجزائر من فرنسا تسليمها "كامل" الأرشيف (1830 - 1962) الذي تعتبره باريس "غير قابل للتصرف ولا يخضع لأحكام سقوط السرية بعد مرور الزمن".
وبعد أيام على ذلك، منح ماكرون عشرين فردا من الحركيين (المقاتلين الجزائريين الذين خدموا فرنسا ثم تخلت عنهم باريس في ظروف مروعة) وسام جوقة الشرف والاستحقاق، وكان وعد عام 2017 بتكريم هؤلاء المقاتلين الجزائريين الذين خدموا فرنسا قبل أن تتخلى عنهم.