خطوات أردنية مرتبكة لتطويق الاحتجاجات

لا يزال الأردنيون يحتجون على ارتفاع أسعار المحروقات وسط استجابة حكومية غير مرضية يقول منتقدوها إنها ليست كافية لتخفيف الأعباء. ويحذر مراقبون من تعويل السلطات الأردنية على القبضة الأمنية إذ أن ذلك قد لا يحقق النتائج المرجوة بل سيزيد الأوضاع سوءا.
عمان - وصفت دوائر سياسية خطوات الحكومة الأردنية لتطويق الاحتجاجات بالمرتبكة إذ أنها اتخذت إجراءات اجتماعية عاجلة في محاولة لتبريد الأجواء، إلا أن تعويلها على القبضة الأمنية لتطويق الاحتجاجات قد يأتي بنتائج عكسية.
وقالت الدوائر إن اعتقال السلطات الأردنية لعدد من الشباب المؤثر في الاحتجاجات يدلل على تعويل السلطات على القبضة الأمنية لتطويق الاحتجاجات وهو ما يتعارض مع القول علنا إن الاحتجاج السلمي مسموح به.
وأضافت الدوائر أن السلطات تتعقب المحتجين حتى على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أغلقت السلطات بعضها على غرار موقع تيك توك، وهو ما يؤشر على عجز الحكومة الأردنية عن الاستجابة لمطالب المحتجين واجتراح حلول توقف الاحتجاجات الآخذة في الاتساع.
ولم يستجب المحتجون لدعوات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ولا حتى بعض زعماء العشائر الذين تعول عليهم السلطات أيضا للعب دور أكبر في كبح جماح المحتجين. وواصل الأردنيون احتجاجهم الاثنين وأغلقت محال تجارية.
ويقول مراقبون إن مناخ عدم الثقة يسود بين الأردنيين وحكوماتهم المتعاقبة والتي تتخذ من الدعوة للحوار سبيلا للتهدئة قبل أن تتنصل من وعودها عندما يستتب الأمن، بل وتذهب في الكثير من الأحيان إلى إطلاق حملة اعتقالات “انتقامية” في صفوف المحتجين.
زيادة أجور الشحن وتوزيع مبالغ مالية دعما للأسر الأكثر تضررا اقتصاديا لم تكن مرضية بشكل كاف للمحتجين
ولم يلعب زعماء العشائر الأردنية الغاضبون أيضا من ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية دورا كبيرا كما كان متوقعا في تهدئة الأجواء وعبروا عن مساندتهم للمحتجين، كما رفضوا أيضا أن تخرج الاحتجاجات عن طابعها السلمي.
ويحمل الأردنيون مسؤولية تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لحكومة بشر الخصاونة مطالبين برحيلها وهو ما قد يقدم عليه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في قادم الأيام ضمن سلسلة من التدابير لتطويق الاحتجاجات. ويتوقع محللون أن تتطور الأمور إلى حال عصيان مدني على مستوى المملكة في غياب القدرة على اجتراح الحلول.
ويؤكد محللون أن حكومة الخصاونة تفتقر إلى خبرة التعامل مع الشارع، معتبرين أن حججها للدفاع عن سياستها القائمة على رفع أسعار الوقود تهاوت أمام الأزمات المتراكمة التي تلاحقت على الأردنيين منذ جائحة كورونا.
وقدمت الحكومة الأردنية بعض الحلول بينها زيادة أجور الشحن، وتوزيع مبالغ مالية دعما للأسر الأكثر تضررا، لكن يبدو أنها لم تكن مرضية بشكل كاف للمحتجين.
ويعاني الأردن أوضاعا اقتصادية صعبة عمّقتها ديون فاقت 50 مليار دولار، وجائحة كوفيد، فارتفعت معدلات البطالة عام 2021 إلى نحو 25 في المئة وفقا للأرقام الرسمية، بينما ارتفعت بين الشباب إلى 50 في المئة.
ويستضيف الأردن نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجّلين لدى الأمم المتحدة، بينما تقدر عمّان عدد الذين لجأوا إلى المملكة منذ اندلاع النزاع في سوريا بنحو 1.3 مليون شخص.
ويقول الأردن إن كلفة استضافة هؤلاء اللاجئين السوريين على أرضه تتجاوز 12 مليار دولار.
ويعتمد اقتصاد المملكة بشكل كبير على المساعدات خصوصا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج والتي تراجعت مؤخرا بشكل ملحوظ.
والاثنين قتل ثلاثة من عناصر الأمن وجرح خمسة آخرون خلال مداهمة استهدفت خلية إرهابية تضم مشتبها به في مقتل نائب مدير شرطة محافظة معان (جنوب المملكة) خلال التعامل مع احتجاجات، حسبما أعلنت مديرية الأمن العام.
وقالت في بيان إن “مديرية الأمن العام تنعى استشهاد ثلاثة من مرتباتها، وإصابة خمسة آخرين قبل قليل خلال مداهمة خلية إرهابية بينهم المشتبه به بمقتل الشهيد العقيد عبدالرزاق الدلابيح”.
وأضافت أن المداهمة في معان (218 كلم جنوب عمان) أدت إلى “مقتل المشتبه به، وهو من حملة الفكر التكفيري، وضبط تسعة أشخاص آخرين وضُبطت بحوزتهم مجموعة من الأسلحة النارية”، مشيرة إلى أن “التحقيقات لازالت جارية”.
وفي وقت لاحق، قالت مديرية الأمن في بيان ثان حول تفاصيل المداهمة إن “قوة أمنية خاصة قامت صباح الإثنين بتنفيذ مداهمة لخلية إرهابية في منطقة الحسينية في محافظة معان، بعد أن قادت التحقيقات التي قام بها الفريق التحقيقي المكلف بحادثة استشهاد العميد الدلابيح بحصر الاشتباه بمجموعة من الأشقاء من حملة الفكر التكفيري”.
وأضاف أن “القوة الأمنية حاصرت مكان وجود المشتبه بهم، إذ قام أحدهم وفور بدء المداهمة بإطلاق عيارات نارية كثيفة من سلاح أوتوماتيكي باتجاه القوة وتم تطبيق قواعد الاشتباك معه مما أسفر عن استشهاد ثلاثة من ضباط وأفراد القوة وإصابة خمسة آخرين ومقتل الإرهابي مطلق النار”.
وأكد البيان أن “المداهمة أفضت لإلقاء القبض على تسعة أشخاص مشتبه بتورطهم في القضية، منهم أربعة أشقاء للإرهابي المقتول الذي أطلق النار باتجاه القوة وثلاثة آخرين من أبناء أحدهم ومعهم شخصان آخران كانا برفقتهم وضُبطت بحوزتهم مجموعة من الأسلحة النارية الأتوماتيكية وكمية كبيرة من الذخيرة”.
وقُتل الدلابيح وهو نائب مدير شرطة محافظة معان خلال التعامل مع “أعمال شغب” شهدتها احتجاجات على ارتفاع أسعار المحروقات، كما أصيب رجلا أمن، وفق ما أعلن الأمن العام الجمعة.
مناخ عدم الثقة يسود بين الأردنيين وحكوماتهم المتعاقبة والتي تتخذ من الدعوة للحوار سبيلا للتهدئة قبل أن تتنصل من وعودها عندما يستتب الأمن
ودان الملك عبدالله الثاني الجمعة مقتل العقيد متعهدا بأن “ينال المجرم عقابه أمام العدالة على جريمته النكراء”.
وكان وجهاء وأبناء معان أصدروا الجمعة بيانا نعوا فيه العقيد الدلابيح مؤكدين “رفضهم واستنكارهم أي فعل خارج عن القانون”.
ولاحقا أعلن الأمن العام إصابة 49 من عناصر الأمن العام خلال أعمال الشغب، وأنه تم الاعتداء على 70 آلية للأمن العام وأكثر من 90 آلية لمواطنين. وتعهد الأمن العام بالضرب “بيد من حديد”.
وشهدت محافظات في جنوب الأردن مؤخرا إضرابات سلمية في الغالب، احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات، بدأت بسائقي الشاحنات وانضمّ إليهم سائقو سيارات أجرة وحافلات عمومية أحيانا.
وأغلقت الأسواق والمحلات التجارية الأربعاء الماضي في معان والكرك (نحو 114 كلم جنوب عمان) ومحافظة مادبا (35 كلم جنوب عمان) تضامنا مع هذه الحركة.
وتقارب أسعار المحروقات ضعف ما كانت عليه العام الماضي خصوصا السولار الذي يشكل الوقود الأساسي للشاحنات والحافلات، والكاز الذي يعد وقود التدفئة الرئيسي للفقراء.
ويباع ليتر البنزين 90 أوكتان بـ920 فلسا (نحو دولار ونصف دولار) و95 أوكتان بـ1170 فلسا (1.6 دولار)، أما ليتر الديزل أو السولار فثمنه 895 فلسا (1.3 دولار) والكاز 860 فلسا (1.2 دولار).