خطف المدنيين سلاح المتشددين لعزل سيناء

القاهرة – أطلق مسلحون في سيناء، السبت، سراح ثلاثة مدنيين من بين 14 شخصا اختطفوا من مناطق متفرقة الخميس الماضي، بينهم محاميان بارزان، ما دفع وزارة العدل لتأجيل النظر في الدعاوى القضائية المتعلقة بشمال سيناء حتى إشعار آخر حفاظا على حياة المحامين والمتقاضين. وتنظر محاكم الإسماعيلية في هذه القضايا، منذ اغتيال 4 قضاة بالعريش منذ أربعة أعوام.
وخضع المختطفون إلى استجواب على يد تكفيريين حول علاقتهم وعائلاتهم في سيناء بقوات الأمن، ومدى تعاون المواطنين معها في رصد تحركات العناصر المسلحة.
ويرى البعض من المراقبين أن حوادث الاختطاف ترمي إلى استمرار عزلة سيناء ومحاولة هز صورة المؤسستين الشرطية والعسكرية، اللتان تخوضان حربا شرسة في سيناء منذ سبعة أعوام ونجحتا في تكبيد الإرهابيين خسائر فادحة.
واعتاد تنظيم داعش في سيناء الإعلان عن مسؤوليته عن خطف وقتل مدنيين وتصويرهم أثناء تنفيذ عمليات الانتقام بالذبح والرمي بالرصاص بذريعة تعاونهم مع الأمن.
ويخشى خبراء عسكريون أن تتحول حوادث خطف المدنيين في سيناء من مجرد وقائع فردية ذات أهداف مؤقتة إلى استراتيجية تتسع رقعتها لتشمل المزيد من السكان، بالإضافة إلى رجال الجيش والشرطة.
ورأى خالد عكاشة، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، أن داعش بدأ ينقل سياساته التي طبقها في سوريا والعراق إلى سيناء باختطاف المدنيين وتحقيق مكاسب من وراء ذلك، مثل المساومات مع الأهالي وطلب فدية التي يستفيد منها في ما بعد للإنفاق على التسليح ودفع المرتبات والضغط على قوات الأمن للإفراج عن بعض عناصره.
وقال عكاشة، لـ”العرب”، إن الخطورة تكمن في انتقال معركة التنظيم مع المواطنين أنفسهم وأن تتحول وقائع الخطف والقتل إلى خطة مستقبلية، لأن ذلك سينعكس سلبا على مزاج الرأي العام. وتابع “أسوأ ما في استهداف وخطف مدنيين على يد إرهابيين هو زيادة الشعور بالإحباط واليأس والنيل من عزائم الناس”.
واعتاد تنظيم داعش خطف مدنيين في سيناء مع تصعيد الضربات الأمنية ضد عناصره وتشديد الحصار المفروض على تحركاته، حيث تشهد المنطقة حالة استنفار عسكري مضاعف منذ الهجوم الذي استهدف أحد المرتكزات الأمنية صباح يوم عيد الفطر وقتل خلاله ثمانية من عناصر الشرطة. وردت القوات المصرية على الهجوم بقتل 32 إرهابيا.
اختطاف المدنيين يستغل في مساومة الأهالي وطلب فدية التي يستفيد منها داعش للإنفاق على التسليح ودفع المرتبات والضغط للإفراج عن عناصره
ولا يخضع الطريق الدولي بشمال سيناء، والذي شهد أكثر من حالة اختطاف، لقرار حظر التجوال المفروض على المنطقة ليلا، كما أن رقابته الأمنية أقل من باقي مناطق المحافظة ما جعله هدفا سهلا أمام العناصر التكفيرية التي يستوطن بعضها أطرافه لتشتيت تحركات الأمن وإبعادها عن بؤر التوتر الرئيسية في العريش ورفح والشيخ زويد.
وفسر مصدر أمني، لـ”العرب”، دوافع حوادث خطف وترهيب المدنيين، برغبة المتطرفين في عدم تعمير سيناء لتظل موصومة بالإرهاب لأن الضربات الأمنية المتلاحقة وحديث الحكومة عن تسريع وتيرة التنمية والتوطين يشيران إلى انهيار نفوذهم. وأوضح نفس المصدر أنه لهذه الأسباب تعمل العناصر الإرهابية على إحداث ضجة إعلامية مثل الخطف بغرض الإيحاء باستمرار قوتهم على الأرض.
وأطلقت الحكومة قبل أيام حزمة من الحوافز لتشجيع الكثير من الأسر على الانتقال من المحافظات المصرية للعيش والاستقرار في سيناء، كأحد الحلول التي تستهدف ردع خطط التنظيمات الإرهابية التي تستفيد من الفراغ السكاني.
ويعتقد متابعون أن استهداف المدنيين يؤكد عجز الإرهابيين عن مواجهة قوات الأمن وإلحاق الأذى بها والبحث عن أي وسيلة توحي باستمرار وجودهم، كما يشير الأمر أيضا إلى أنه لم يعد أمام هذه العناصر سوى نشر شعور عام بغياب الأمن أملا في فك الروابط المتينة بين الحكومة والأهالي.
ويقول هؤلاء إن الإرهابيين في سيناء يتعمدون انتقاء المدنيين الذين يحدثون الصدى المجتمعي والسياسي والإعلامي المطلوب، مثل الأقباط والمحامين والبعض من عقلاء القبائل، لأن مثل هذه الفئات لها ثقل اجتماعي لافت.
وأكد أحمد كامل بحيري، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، أن الإرهابيين لا يدركون خطورة تبعات وقائع الخطف على مستقبلهم في سيناء، فأكثر المختطفين من قبائل كبيرة في المنطقة وهؤلاء لن يقفوا عاجزين عن الثأر لأبنائهم حتى لو تم تحريرهم دون أذى. وأوضح، لـ”العرب”، أن هذه النوعية من العلميات تسبب مشكلات كبيرة للتنظيمات الإرهابية وما حدث يسرع المواجهة بينها وبين قبائل سيناء وليس العكس، ويساهم في “تقارب لا محدود” بين الأهالي وقوات الأمن عبر الإبلاغ عن تحركات ومخابئ الإرهابيين.