خطط للحظر وأخرى للتقنين.. عمالة الأطفال صداع يؤرق الحكومة المصرية

قانون العمل الجديد يلتف على الدستور بإتاحة عملية التدريب قبل سن الخامسة عشرة.
الأربعاء 2023/01/11
تقنين عمالة الأطفال تحت مسمى التدريب يرفضه الحقوقيون

تذهب الحكومة المصرية باتجاه تقنين عمالة الأطفال ممّن هم أقل من 14 عاماً تحت مسمّى التدريب، بعد أن كانت تسعى للقضاء على هذه الظاهرة. ويرى حقوقيون أن قانون العمل الجديد سيشجع أصحاب العمل على استقطاب الأطفال واستغلالهم، ما يعد مخالفة للدستور الذي يحظر عمل الأطفال قبل إنهاء مرحلة التعليم الأساسي، والتي تنتهي عند سن الخامسة عشرة. كما أنه لا توجد آليات تضمن الالتزام بساعات العمل.

القاهرة - تمضي الحكومة المصرية في مسارات متعارضة للتعامل مع ملف عمالة الأطفال الذي يشكل صداعاً مزمنًا لها، وبعد أن دشنت خطة للقضاء على هذه الظاهرة منذ أربع سنوات ذهبت حاليًا باتجاه تقنين عمالة الأطفال الذين أقل من 14 عاماً تحت مسمى التدريب، ما يفتح أبواباً خلفية لتشجيع أصحاب العمل على استقطاب الأطفال مع غياب أوجه الرقابة بما يمنع استغلالهم.

وقد وافقت لجنة القوى العاملة في مجلس النواب مؤخرا على المواد المنظمة لتشغيل الأطفال بمشروع قانون العمل المقدم من الحكومة ويسمح “بتدريب الأطفال متى بلغ سنهم 14 عاماً بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم”، ما يعد مخالفة للدستور الذي يحظر عمل الأطفال قبل إنهاء مرحلة التعليم الأساسي، والتي تنتهي عند سن الخامسة عشرة.

وشهدت الجلسات التي نظمها البرلمان بغرفتيه الشيوخ والنواب، لإقرار نصوص عمل الطفل ضمن قانون العمل، نقاشات عديدة. واعتبر بعض الأعضاء أن القانون يحقق استفادة لأصحاب العمل مع إهدار حقوق الأطفال، لأنه يمكن التلاعب بمسألة التدريب بطرق عدة، ولن تتمكن الحكومة أو الجهات الرقابية من التفرقة بين التدريب والعمل.

الدوائر الحكومية تدرك أن حظر عمالة الأطفال والتضييق عليها في مجتمع يوجد به 41 مليون طفل يكاد يكون مستحيلاً

ويناقض هذا التوجه خططا وضعتها الحكومة، حيث تسعى لمكافحة الانقطاع عن الدراسة، ومضت في اتجاه استخدام أسلوب الثواب والعقاب إزاء أولياء الأمور بعد أن وصلت معدلات الانقطاع عن الدراسة في مرحلة التعليم الأساسي إلى 40 في المئة من إجمالي أعداد الطلاب في بعض محافظات الصعيد (جنوب مصر) مثل محافظة المنيا صاحبة النسبة الأكبر.

وتدرك دوائر حكومية أن حظر عمالة الأطفال في مجتمع يوجد به 41 مليون طفل حتى سن الثامنة عشرة يكاد يكون مستحيلاً، ويصعب تجاهل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تفرز واقع إلحاق الأطفال بسوق العمل في مرحلة مبكرة والتعامل من قبل الآباء وأصحاب العمل مع الأمر كضرورة أو حق مكتسب.

وترى أن دفعها نحو تقنين العمل بما يساعدها على التدخل، مع وضع قيود أو بنود تتماشى مع الدستور والمواثيق الدولية الموقعة التي تتعلق بالحفاظ على سلامة الأطفال وعدم تعريضهم للخطر، هو السبيل الأمثل لها.

وتنص المادة (80) من الدستور المصري على أن “الدولة تتولى رعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، كما يحظر تشغيله قبل تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي، ويحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر”.

وقالت مديرة المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفل داليا صلاح إن قانون العمل الجديد يلتف على الدستور بإتاحة عملية التدريب، وهو ما تتضمنه التعديلات الأخيرة على قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، لكن الواقع يشير إلى أن أصحاب العمل لا يلتزمون بمواصفات التدريب ويستفيدون من استخراج وثائق تدعم قانونية موقفهم.

◙ الحكومة لا تمتلك توثيقا حديثا لواقع عمالة الأطفال
◙ الحكومة لا تمتلك توثيقا حديثا لواقع عمالة الأطفال

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “الأزمة تتمثل في مكاتب العمل التي تتجاهل عملية الرقابة على أصحاب المهن والحرف المختلفة، ولا توجد آليات تضمن الالتزام بساعات العمل أو التعامل معهم من منطلق التدريب المهني وليس التشغيل المباشر، وكلما جرى تخفيض سن الأطفال صاروا أكثر عرضة للاستغلال ولا يجيدون التعبير عن المخاطر التي يتعرضون لها”.

ودائما تكون عمالة الأطفال وسيلة للتفاوض بين الحكومة وأصحاب العمل عند إقرار القوانين التي تنظم سوق العمل وتدفع الحكومة هذه المرة نحو النزول بسن عملهم، وهو ما يحقق المزيد من المكاسب لأصحاب العمل الذين يستفيدون من العمالة الرخيصة مع تزايد إقبال الصغار على العمل لمجابهة الصعوبات التي تواجه أسرهم مقابل تشديد إجراءات حظر الفصل التعسفي ووضع حد أدنى للأجور في القطاع الخاص.

وحظرت المادة (60) من القانون الجديد تشغيل الأطفال أكثر من 6 ساعات يوميا، حيث “يُحظر تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميا، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة”، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يعمل الطفل أكثر من أربع ساعات، ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية.

وشددت داليا صلاح في حديثها لـ”العرب” على أن الجهات الرسمية تجد نفسها في مأزق لأن حاجة الأطفال إلى العمل تفوق القدرة على مكافحة الظاهرة، وتزايد معدلات التفكك الأسري والطلاق بصورة كبيرة أدى إلى إقبال الأطفال على العمل بسبب صعوبة توفير أساسيات الحياة، وفي حالات عديدة يتركون التعليم للإنفاق على أنفسهم.

وتحضر الأبعاد الأمنية بقوة في اتجاهات الحكومة لأن التضييق على عمالة الأطفال في المهن والحرف المختلفة يجعلهم عرضة للاستقطاب في أنشطة غير مشروعة، وترى أن التساهل يحمي المجتمع في ظل بيئة اقتصادية وفكرية وأمنية تساعد على تحول الملايين من الأطفال إلى قنبلة موقوتة.

وتراجعت الحكومة المصرية عما ذكرته في أحاديثها المتكررة التي كانت تسوّق فيها للخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال، وكان من المقرر تنفيذ إستراتيجية تتضمن إنشاء قاعدة بيانات موثقة عن عمل الأطفال وأجهزة تنسيق لمكافحة عمل الأطفال، مع تحديث قائمة المهن الخطرة.

عمالة

ولئن حددت الخطة الوطنية، التي وضعتها وزارة القوى العاملة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، الأعمال الخطيرة على الأطفال، وفي مقدمتها أعمال الزراعة والمناجم والمحاجر وصناعة الطوب وغيرها من الأعمال المتعلقة بالتشييد والعمل في الشوارع والعمل المنزلي، فإن قانون الطفل يستثني الأطفال العاملين في الزراعة، والفتيات العاملات في المنازل من إجراءات تفتيش مكاتب العمل.

وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى أن معدل عمل الأطفال في قطاع الزراعة يصل إلى 63 في المئة من إجمالي الأطفال العاملين، ويليه قطاع التعدين والتشييد والصناعات التحويلية بنسبة 18.9 في المئة، ويضم قطاع الخدمات 17.6 في المئة.

ولا تمتلك الحكومة توثيقا حديثا لواقع عمالة الأطفال، فآخر مسح قومي في هذا الخصوص أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2010، حيث يقدرهم بـ1.6 مليون طفل عامل، أي ما يوازي 9.3 في المئة من الأطفال بمصر، ويتعرض 82.2 في المئة منهم للعمل في ظروف غير آمنة، فيما تشير تقديرات منظمات حقوقية مختلفة إلى أن الرقم تخطى ثلاثة ملايين طفل عامل.

وأكد رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر (حقوقي) أحمد مصيلحي أن قضية عمالة الأطفال يصعب التعامل معها بالقوانين والتشريعات، لأنها في الأغلب لا تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، من خلال الحظر أو التقنين وإلزام صاحب العمل بتوفير وجبتين للطفل والحصول على موافقة ولي الأمر ومحافظ الإقليم ومكتب العمل أمر غير موجود في الواقع، على الرغم من إدخال تعديل على قانون الطفل في العام الماضي.

مصر

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الحكومة ذاتها ليست لديها رؤية واحدة للتعامل مع المشكلة، لأن هناك تضاربا في اختصاصات وزارتيْ التضامن الاجتماعي والقوى العاملة، وكل طرف يضع مسؤولية مكافحة عمالة الأطفال على عاتق الآخر”، واعتبر أن “مكاتب مكافحة عمل الأطفال في 17 محافظة مصرية لا تتدخل في حالات المخالفات وتكتفي بحصر عددهم”.

ولفت إلى أن “الانتهاكات التي يواجهها الأطفال تتركز في الأعمال الزراعية، ورغم ذلك فإن التشريعات لم تصنف تلك الأعمال ضمن أسوأ أشكال العمل، ومعدلات الوفيات بين الأطفال في الريف تتزايد لأن الصغار يتعاملون بشكل مباشر مع الأسمدة الكيميائية، ويمكن القول بأن 100 في المئة من أطفال الريف يعملون في الزراعة بلا رقابة”.

ونشرت وزارة القوى العاملة المصرية قائمة تشمل أنماط العمل الخطرة المحظور تشغيل وتدريب الأطفال بها حتى سن الثامنة عشرة، وتضمنت صناعات البترول والإسفلت والتبغ والبلاستيك وأعمال البناء والخدمة المنزلية وشحن البضائع.

وتجابه الحكومة أزمة مماثلة في التعامل مع المزارعين لأن هؤلاء يستعينون بأبنائهم وأقاربهم، وتكمن مشكلتهم الرئيسية في غياب توعيتهم بالأخطار التي يتعرض لها الأطفال، ولن تتمكن الحكومة من حظر عملهم في مناطق تشكل فيها الزراعة عملاً رئيسيًا.

16