خطط كويتية طموحة لنهضة اقتصادية تعوقها طروحات شعبوية لنواب المعارضة

يشكل الصندوق السيادي للاستثمار المحلي إحدى الخطط الطموحة للحكومة الكويتية، ولربما أهمها، في سياق جهود لتحقيق انتعاشة اقتصادية للدولة الغنية بالنفط، ويتطلب إنجاح هذا المشروع تعاونا بين الحكومة ومجلس الأمة، والابتعاد عن المشاريع الشعبوية المستنزفة لخزينة الدولة والتي يحاول النواب منحها الأولوية.
الكويت - تسعى الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح إلى وضع البلاد على سكة الإصلاح، وإنعاش رؤية 2035 التي أعلن عنها قبل نحو سبع سنوات، لكن لم يجر تنفيذها، وظلت مجرد حبر على ورق.
وكشفت حكومة الشيخ أحمد النواف مؤخرا عن خطط طموحة لوضع أسس نهضة اقتصادية حقيقية، مستفيدة في ذلك من تحسن إيراداتها المالية، بعد سنوات عجاف، حيث حققت للمرة الأولى منذ تسع سنوات فائضا في الميزانية للعام المالي 2022 – 2023 الذي انتهى في مارس الماضي وبلغ 6.368 مليار دينار.
ومن بين تلك الخطط إنشاء صندوق سيادي للاستثمار المحلي، يستهدف إنشاء مشاريع ضخمة وجذب استثمارات خارجية والمزيد من التمكين للقطاع الخاص.
وتأتي الفكرة بعد نجاح دول خليجية في تجربة استحداث صناديق استثمار محلية، ويقول خبراء اقتصاد إن إنشاء مثل هذا الصندوق يمثل تحولا في الرؤية للاستثمار في الدولة الخليجية الغنية بالنفط، مشيرين إلى أن الحكومات السابقة كانت ركزت على الاستثمار في الخارج منذ إنشاء أول صندوق سيادي على مستوى العالم في العام 1953.
ووفق ما جاء في الخطة الحكومية التي تمتد لأربع سنوات بدءا من العام الحالي وصولا إلى العام 2027، فإن الهدف من إنشاء الصندوق الذي سيطلق عليه اسم “سيادة” هو دفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية وتعزيز التقدم في مختلف مجالاتها.
وذكرت الخطة الحكومية أن الصندوق يهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد المحلي أسوة بباقي الصناديق السيادية المخصصة للاستثمار المحلي في دول الخليج. وبحسب ما ورد في برنامج أعمال الحكومة، سيتبع الصندوق السيادي المحلي وزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار.
ومن المرتقب وفق الخبراء الاقتصاديين أن يجري دمج أملاك الدولة داخل هذا الصندوق لتحقيق المنفعة الاقتصادية العامة والرفع من تنافسية الاقتصاد الكويتي.
وبحسب صحيفة قبس المحلية، فإن من أهم ملامح الصندوق أن يكون ذراعا تنموية لإدارة المشاريع الكبرى ومنصة للشراكة مع القطاع الخاص، وتوطين التكنولوجيا عبر شراكات عالمية مختلفة، وقيادة التخطيط الاقتصادي والإستراتيجي وتنفيذه، وجذب الاستثمار وصناعة الفرص الاستثمارية في القطاعات ذات القيمة المضافة، وأن يكون دافعا إلى التغيير في نمط التفكير وثقافة الإنتاجية.
ولاقى إحداث الصندوق تفاعلا إيجابيا من نواب المعارضة الذين يسيطرون على مجلس الأمة، واعتبر النائب عبدالوهاب العيسى أن الصندوق السيادي للاستثمار المحلي يعد المشروع الأهم والأبرز في برنامج عمل الحكومة.
وكتب العيسى، في تغريدة له على حسابه في منصة “إكس”، “كل الدعم والجهد والعمل لإنجازه على أرض الواقع بشرط تشريع قانون نوعي بمميزات ذهبية واستثناءات غير مسبوقة من الإجراءات الحكومية، وربط الدين العام بما يحققه الصندوق من أرباح، حتى يتحرك داخل الاقتصاد بأريحية بسيولة عالية وبدون قيود، بالإضافة إلى ضم جميع المؤسسات الاقتصادية تحت هيئة واحدة”.
ويرى محللون أن الحكومة الحالية تملك الكثير من مقومات النجاح في تحقيق إقلاع جديد للكويت، يجعلها تلحق بركب باقي الدول الخليجية التي نجحت في إنجاز نهضة فعلية، لاسيما مع التحسن الطارئ في الوضع المالي للدولة جراء ارتفاع أسعار النفط، ووجود حالة من التناغم بين الحكومة ومجلس الأمة، لطالما غاب مع الحكومات السابقة.
لكن البعض لا يخفي شكوكه في إمكانية حصول الحكومة على الدعم المطلوب من مجلس الأمة، في ظل العقلية المهيمنة داخل المجلس التشريعي والتي لا تخلو من قصر نظر، في علاقة برغبة النواب في تحقيق مكاسب ظرفية عبر طرح مشاريع تستنزف مالية الدولة، وتجعل من الصعب نجاح أي خطط تنموية واستثمارية تحتاج إلى موارد ضخمة.
ويستند هؤلاء في تبرير تشاؤمهم بعودة النواب إلى تقديم مشاريع قوانين لا تخلو من شعبوية، آخرها تقدم خمسة نواب بمشروع قانون يقضي باقتطاع 20 في المئة من عائدات استثمار احتياطي الأجيال القادمة، وتوزيعها بالتساوي على كل مواطن بلغ سن الرشد عند انتهاء كل سنة مالية.
وقال النواب وهم محمد هايف وفارس العتيبي ومبارك الحجرف وخالد المونس ومحمد المطير في مذكرة إيضاحية، “إن هدف الكويت من إنشاء الصندوق هو تأمين مستقبل أجيال البلاد القادمة، ولما كان الصندوق يحقق أرباحا سنوية، حيث إن نمو إيرادات الصندوق في السنوات الخمس السابقة تجاوز عائدات النفط في الفترة نفسها”.
واعتبر النواب في مذكرتهم أن “تقديم هذا الاقتراح بقانون يهدف إلى توزيع نسبة 20 المئة من الأرباح السنوية لاحتياطي الأجيال القادمة بالتساوي على كل مواطنة ومواطن أتم من العمر 21 عاما، على أن يتم توزيعها بشكل سنوي عند انتهاء كل سنة مالية، لينعم المواطنون بالعيش الكريم والرفاهية وسد حاجاتهم والتزاماتهم من هذه الأرباح”.
بالرغم من الانتعاشة التي حققتها الكويت جراء ارتفاع أسعار النفط، لكن ذلك يستوجب حسن التصرف فيها عبر الرهان على تنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط
ولفتوا في المذكرة إلى أنه “بناء عليه سيراقب الشعب أداء الصندوق والقائمين عليه، علما بأن هذه النسبة لن تؤثر في متانة الصندوق حيث إن التوزيع سوف يكون من صافي الأرباح فقط”.
وتم إنشاء صندوق الأجيال القادمة في عام 1976 بتحويل 50 في المئة من رصيد صندوق الاحتياطي العام في ذلك الوقت.
ويتكون الصندوق من استثمارات تتم خارج الكويت على أساس إستراتيجية معتمدة لتوزيع الأصول في فئات أصول مختلفة، تتراوح بين أصول تقليدية كالأسهم والسندات، وبدائل كالملكية الخاصة والعقارات والبنية التحتية.
وتحكم صندوق الأجيال القادمة إستراتيجية استثمار، معتمدة من مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، تحدد الخطوط العريضة للمبادئ التوجيهية في تواز مع أهداف الصندوق المتعلّقة بالمخاطر والعوائد، تدار أصوله من مكاتب الهيئة في الكويت ولندن وفقا لتوزيع المهام الذي اعتمده مجلس إدارة الهيئة.
وتتطلب أي سحوبات مالية من صندوق الأجيال القادمة إصدار تشريع خاص يجيز هذا السحب. وإن جميع إيرادات الصندوق يعاد استثمارها بحسب القانون. وكانت وكالة “كابيتال إنتليجنس” الائتمانية الدولية كشفت أن أصول صندوق الأجيال الذي تديره هيئة الاستثمار تصل إلى 803 مليارات دولار.
ويرى المحللون أن توزيع عائدات الصندوق على المواطنين عقب كل سنة مالية لا يخلو من شعبوية، ولا يبدو واقعيا، لأنه سيعني استنزاف الصندوق وبالتالي لم يعد يشكل ضمانة للأجيال القادمة.
وجدير بالذكر أن الحكومة السابقة في عهد الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح حاولت السحب من الصندوق لتمويل عجز الموازنة، لكنها اصطدمت بمعارضة شديدة من قبل المجلس.
وإلى جانب مشروع اقتطاع جزء من أرباح احتياطي الأجيال، طرح مؤخرا نواب زيادة في الرواتب تشمل جميع القطاعت الحكومية.
ويرى المحللون أنه بالرغم من الانتعاشة التي حققتها الكويت جراء ارتفاع أسعار النفط، لكن ذلك يستوجب حسن التصرف فيها عبر الرهان على تنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط، لكن المشاريع الشعبوية التي يطرحها النواب تجعل من هذا الهدف بعيد المنال.