خطط عراقية للقطع مع سياسات الاستثمار الزراعي القديمة

انتقلت الحكومة العراقية إلى المربع التالي من خطوات الإصلاح التي تستهدف الزراعة، والتي تطالب بها أوساط القطاع لمواجهة تحديات الجفاف، وبدأت تظهر انفتاحا أكبر بعد سنوات من الانغلاق ضمن دائرة السياسات الاستثمارية القديمة.
بغداد - كشفت وزارة الزراعة العراقية عن البعض من تفاصيل التوجه الجديد نحو إقرار قانون خاص بالاستثمار الزراعي، فيما أكدت الحاجة إلى استحداث صندوق خاص لتمويل المستثمرين.
وقال مدير عام دائرة الاستثمارات الزراعية بالوزارة أياد البولاني الثلاثاء الماضي إن ثمة “مساعي لبذل المزيد من الجهود بهدف إقرار قانون خاص بالاستثمار الزراعي كونه يمثل ركيزة مهمة للتنمية”.
ويتضمن قانون الاستثمار بشكله الحالي مسارين بضمنها وجود جهود حثيثة لإقرار قانون خاص بالاستثمار الزراعي كركيزة ونشاط مهم بتنمية القطاع والنشاطات الاقتصادية بصورة عامة ويسهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية.
ويأتي هذا التحرك، رغم أنه متأخر، بحسب المتابعين، ضمن خطة لمعالجة أزمة شلل تدفق الاستثمارات إلى هذا المجال الإستراتيجي الذي يفترض أنه الضامن الرئيسي للاكتفاء الذاتي من الغذاء.
وتراقب الأوساط الاقتصادية المحلية منذ سنوات تحركات بغداد لإعادة هيكلة سياسات الاستثمار القديمة في الزراعة خاصة مع تنامي منغصات التغير المناخي الذي غير خارطة إنتاج المحاصيل في المنطقة العربية بشكل كبير.
ومع أن ثمة تعاونا وتنسيقا مع هيئة الاستثمار المحلية ودائرة العقارات لإنجاز أي فرصة استثمارية بالقطاع، لكن البولاني أقر بأن النشاط الزراعي في البلاد يفتقد إلى المرونة، خاصة وأن له ارتباطات عديدة مع قطاعات أخرى كالصناعة والطاقة والتجارة.
وأكد في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن توجيهات الحكومة تتضمن تقديم تسهيلات للمستثمرين، علاوة على البحث عن الجادين ممن لديهم الرغبة والقدرة على العمل والالتزام بشروط الفرص الاستثمارية.
وقال إن القطاع “يحتاج إلى قانون خاص للاستثمار بسبب المخاطرة فيه”. وأضاف “التعامل مع كائن حي نباتي أو حيواني، يحتاج إلى إمكانية السيطرة على الظروف الجوية والتغييرات المناخية، حيث إن النشاط الزراعي يفتقر إلى المرونة”.
كما شدد البولاني على ضرورة الجدية في تحسين طبيعة التشريعات التي تلائم الزراعة، مبينا أن “المصرف الزراعي يعمل بقانون الشركات وغير مرتبط بالوزارة ولا بطبيعة القطاع”.
ويجمع خبراء على أن إيقاظ مكامن الزراعة يشكل أكبر تحد أمام تأمين غذاء العراقيين، بالنظر إلى الصعوبات الكثيرة التي تعتري القطاع لغياب الإستراتيجيات المقنعة للاستثمار في تنمية المحاصيل وبناء جدار داعم للعاملين فيه، وفي ظل مشكلة الجفاف القائمة.
ويواجه القطاع تحديات شاقة أكبر من أي وقت مضى في طريق التأقلم مع مناخ أعمال متذبذب زاد من تكبيله شح التمويلات والتكاليف الباهظة لمدخلات هذا النشاط الحيوي وأيضا الجفاف.
5
في المئة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وهو الثاني بعد النفط
ويتعرض المزارعون لصعوبات كثيرة تعرقل تطور أعمالهم من أبرزها ضعف الاستثمار وتراجع الدعم الحكومي للمزارعين الشباب، فضلا عن غياب روح المبادرة، ما يطرح تساؤلات بشأن مراهنة الدولة على تنمية قطاع يحاول الصمود في وجه الأزمات.
ويعمل قرابة 20 في المئة من القوى العاملة في العراق في القطاع، وهو ثاني أكبر مساهم في نمو اقتصاد البلاد بعد النفط، ويمثل 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي للبلاد.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد دشن الشهر الماضي أكبر مشروع للدواجن في البلاد ومنطقة الشرق الأوسط بمحافظة كربلاء باسم “صحاري”، ويتضمن مشاريع عديدة في مكان واحد، وتبلغ مساحته نحو 280 ألف دونم.
وقال السوداني حينها إن المشروع “سيساعد على تلبية احتياجات السوق المحلية، وسنصل عبر هذه المشاريع إلى الاكتفاء الذاتي، بما يحقق طفرة في واقع الاستثمار للقطاع الزراعي والنهوض بالثروة الحيوانية”.
وشدد على أن التركيز منصب على تنشيط قطاع الزراعة، “لأنه من القطاعات الاقتصادية المهمة التي يعتمد عليها برنامج الحكومة في الإصلاح الاقتصادي، وأن هذا المشروع ثمرة تعاون بين الحكومة والقطاع الخاص”.
وأشار إلى أن الحكومة تضع في حساباتها ضمان التوازن بين حماية المنتجات المحلية والمستهلك، وضرورة توفير المنتجات بأسعار متاحة مع الحرص على دعم مثل هذه المشاريع الطموحة التي توفر فرص عمل للكثير من الخريجين.
ووفق وزارة الزراعة، فإن المشروع الذي لم يتم الكشف عن كلفته التقديرية، يوفر 9 آلاف فرصة عمل ويتضمن حقولا لإنتاج البيض واللحوم، فضلا عن أكثر من 100 ألف دونم لزراعة المحاصيل الاستراتيجية بالطرق الحديثة.

ومن المتوقع أن ينتج المشروع حوالي 3 ملايين بيضة، فضلا عن إنتاج لحوم الدواجن بمعدل 306 آلاف طن سنويا، من خلال مجزرة بطاقة إنتاجية 34 ألف دجاجة في الساعة.
وتعد الثروة الحيوانية من أهم مصادر الأمن الغذائي بالبلاد، حيث شهدت نموا في السنوات الأخيرة، إذ يبلغ عدد رؤوس الأبقار 1.5 مليون والأغنام والماعز بنحو 5 ملايين، أما الجاموس فقد قاربت 400 ألف رأس والإبل 200 ألف، إلى جانب الأسماك والدواجن.
وكشف مسح أجرته منظمة المجلس النرويجي للاجئين غير الحكومية مؤخرا أن 60 في المئة من المزارعين في العديد من المحافظات العراقية يعانون جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة.
وأشار المسح إلى استمرار قضايا “الحصول على المياه” في “التأثير على الإنتاج الزراعي” بالبلد النفطي خلال العام الحالي.
وحذّر مدير المكتب الوطني للمجلس أنتوني زيليكي من “تغيّر مناخ العراق بشكل أسرع من قدرة الناس على التكيّف”.
واضطر المزارعون إلى زراعة مساحات أقل من الأراضي أو استخدام كميات أقل من المياه بسبب أحوال الطقس القاسية في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وفي الأنبار.
وفي ظل انحسار كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، يعاني العراق جفافا للسنة الرابعة على التوالي.
وتندّد بغداد بسدود تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، تتسبب بانخفاض منسوب النهرين وروافدهما حينما يصلان إلى العراق.
وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقريرا في أوائل العام الماضي أشارت فيه إلى أن العراق العضو البارز في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يفقد سنويا قرابة 100 ألف دونم من أراضيه الزراعية بسبب التصحر.