خطط تحفيز الاقتصاد البريطاني تحت مراقبة المصداقية

تتجه أنظار المحللين وكبار المستثمرين نحو بريطانيا بعد الفوز الساحق الذي حققه حزب العمال في الانتخابات العامة، لكنهم يظلون حذرين من وضع رهانات طويلة الأجل حتى يتمكن رئيس الوزراء كير ستارمر من إقناعهم بمصداقية خططه للنمو الاقتصادي.
لندن – حرص رئيس الحكومة البريطانية الجديدة كير ستارمر ووزيرة المالية راشيل ريفز مع تولي حزب العمال السلطة لأول مرة منذ 14 عاما، على إظهار أنهما يتحركان بسرعة لمعالجة المشاكل العميقة وإعادة إشعال النمو في اقتصاد مجموعة السبع.
وأقر ستارمر الذي قاد حزبه لتحقيق فوز ساحق في انتخابات الأسبوع الماضي، الاثنين أن اقتصاد بلده “في حالة سيئة”، وأن حكومته الجديدة ستتخذ القرارات اللازمة لتحسين الأوضاع.
وقال “أعتقد أن البلاد بأكملها تعرف ذلك. ولهذا هناك تكليف قوي لحكومة حزب العمال المقبلة بالتغيير، وما يتعين علينا فعله الآن هو المضي وإحداث هذا التغيير”.
وارتفع الجنيه الإسترليني، أقوى عملة رئيسية مقابل الدولار الأميركي خلال 2024 الجمعة الماضي، عندما أصبح حجم انتصار حزب العمال واضحا.
كما ارتفع مؤشر الأسهم فتسي 250 والذي يركز على المملكة المتحدة، بعدما تجاوز مؤشر فتسي 100 العالمي حتى الآن، إلى أعلى مستوى له منذ أبريل 2022.
لكن المستثمرين يعتقدون أن حكومة العمال لا تزال بحاجة إلى إحياء الثقة طويلة المدى في أسواق البلاد التي عانت منذ التصويت على البريكست عام 2016 والفوضى التي أحدثتها الميزانية المصغرة لعام 2022 لرئيسة الوزراء المحافظة السابقة ليز تراس.
وتعهد الحزب ذو الميول اليسارية بتحديث البنية التحتية المتهالكة وكذلك حل مشكلة نقص الإسكان مع إبقاء الإنفاق محدودا مع اقتراب العبء الضريبي في المملكة المتحدة من أعلى مستوياته على الإطلاق.
وطرحت ريفز، وهي أول وزيرة للمالية بالبلاد خططا لتحرير مشاريع البنية التحتية والاستثمارات الخاصة وذلك في إطار “مهمة وطنية” جديدة لتنشط النشاط الخامل للاقتصاد.
كما ركزت الخبيرة السابقة في بنك إنجلترا المركزي في أول ظهور لها الاثنين على مسألة بناء المزيد من المنازل.
وكان الإسكان منذ فترة طويلة قضية شائكة، حيث يعارض بعض الناخبين خطط البناء في المناطق الريفية المورقة، ويطالب آخرون بزيادة المعروض لخفض تكلفة شراء أو استئجار منزل.
وفي خضم ذلك، أكد ستارمر أنه سيعمل على التوصل إلى اتفاق أفضل مع الاتحاد الأوروبي بشأن قواعد التجارة بعد خروج بلده من التكتل، ووصف صفقة بوريس جونسون الذي كان رئيسا الوزراء آنذاك مع بروكسل بأنها اتفاق “رديء”.
ومع ذلك، تشعر وكالات التصنيف الائتماني والمقرضون البريطانيون في أسواق السندات الدولية بالقلق إزاء الدين العام، الذي من المتوقع أن يتجاوز 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال شيلدون ماكدونالد كبير مسؤولي الاستثمار في شركة مارلبورو لإدارة الأصول في المملكة المتحدة لرويترز “عليهم أن يسيروا على حبل مشدود بين النمو الاقتصادي والديون الحكومية”.
وأضاف “علينا رؤية ما إذا كانت الديون سترتفع، وما إذا كان الاقتصاد يستطيع التوسع بمعدل يعتبر الاقتراض الإضافي مقبولا”.
ولدى ماكدونالد نظرة محايدة بشأن الأسهم البريطانية، لكنه كان إيجابيا بعض الشيء بشأن السندات الحكومية بسبب الخفض المتوقع في الفائدة.
وبعد سنوات من هروب التدفقات المالية، باتت القيمة المجمعة للشركات في مؤشر فتسي – أوول الواسع للأسهم، عند 2.4 تريليون جنيه إسترليني، أقل من أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الفردية مثل أبل وإنفيديا.
ويأمل المستثمرون أن يوفر ستارمر ووزيرة المالية قيادة أكثر استقرارا بالإضافة إلى سياسات ضريبية وتجارية يمكن التنبؤ بها.
وقال توبي جيب رئيس حلول الاستثمار في شركة إدارة الصناديق أرتميس “كان من الممكن أن يقرأ المستثمرون في نيويورك أو هونغ كونغ العناوين الرئيسية ويجدون أنه من السهل تحديد سبب الانزعاج، إنها حالة سلة”.
وأضاف “ما تفعله (الانتخابات) هو تخفيف حالة عدم اليقين هذه، فهي تسمح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار بالمزيد من الأمان”.
وفي إشارة إيجابية واحدة، عادت العملة البريطانية على أساس الوزن التجاري إلى مستويات شوهدت آخر مرة قبل التصويت على البريكست. وقال جيب إنه “يتوقع أن يظل الجنيه الإسترليني قويا وكان متفائلا بشأن الأسهم البريطانية”.
وكان المستثمرون الآخرون حذرين بمن فيهم توم أوهارا مدير محفظة الأسهم الأوروبية، يانوس هندرسون، الذي يقل انكشافه في المملكة المتحدة عن حصة بريطانيا في الأسهم الأوروبية الواسعة لمؤشر أم.أس.سي.آي.
وقال “نعلم أن التحسن التدريجي العام يمكن أن يأتي من الاستقرار السياسي لكننا لا نعرف ما هي التغييرات التي ستحدث”. وأضاف “أنت بحاجة إلى شيء ملموس أكثر، مثل تحديد الشركات التي ستستفيد من أي سياسات”.
ولم تحقق بريطانيا نموا أسرع من اثنين في المئة سنويا على أساس منتظم منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وقال بن ماكي، مدير الصندوق في شركة هوكسمور لإدارة الاستثمارات ومقرها المملكة المتحدة، إنه لم يكن مقتنعا أيضا بموضوع النمو في المملكة المتحدة.
وأوضح أن سوق الأسهم والاقتصاد البريطاني يواجهان مشكلات هيكلية كبيرة، مشيرا إلى أن التدفقات الخارجة من صناديق الأسهم البريطانية كانت “سلبية بشكل رهيب”.
ويحتل الاستثمار التجاري في البلاد المرتبة الـ28 بين 31 اقتصادا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما تعثر الاستثمار الأجنبي المباشر وكانت الإنتاجية في مكان العمل ضعيفة.
وخفضت صناديق التقاعد وشركات التأمين البريطانية حصة الأسهم البريطانية في محافظها الاستثمارية إلى نحو 4 في المئة بعد أن كانت 50 في المئة خلال عام 2000، وفقا لمجموعة أوندرا الاستشارية.
وحتى مع تحرك استطلاعات الرأي للتنبؤ بالنصر التاريخي لحزب العمال، سحب المستثمرون 5.9 مليار دولار من صناديق الأسهم البريطانية، ما يمثل الشهر الـ44 تواليا من التدفقات الخارجة، وفق بيانات أل.أس.إي.جي.
لكن في إشارة إيجابية، طرح كبار المستثمرين الأميركيين والآسيويين أسئلة حول بريطانيا لأول مرة منذ سنوات، حسبما قال جيري فاولر، رئيس إستراتيجية الأسهم الأوروبية في بنك يو.بي.أس.
وقال “أصبح الاهتمام أكثر انتشارا، لكن الحماس ليس من المرجح أن يُترجم إلى أداء قوي على المدى القريب. لا أعتقد أنه تم تحويل الكثير من الأموال حتى الآن”.