خطط الهيدروجين الأزرق في السعودية تواجه عقبات

ينظر خبراء بحذر إلى خطط السعودية لإنتاج الهيدروجين الأزرق، والتي قد تسدّ جزءا من الطلب مستقبلا مع التحول إلى الطاقة البديلة، رغم أنها تبدو محفوفة بالمطبات كونها تحتاج إلى استثمارات ضخمة ودراسة احتياجات الأسواق بعناية لتحقيق الأهداف المرجوة.
الرياض - تراهن السعودية على الغاز الطبيعي لتقليل الاعتماد على النفط لتوليد الطاقة وتحرير المزيد من الخام بهدف تصديره، وتأمل ضمن برنامجها الطموح في تطوير هذا المورد مع اعتماد احتجاز الكربون في ما يسمى بـ”الهيدروجين الأزرق” في الإنتاج.
ويندرج الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء ضمن إستراتيجية الشركة، التي تتجه لطرح حصة إضافية للاكتتاب بنحو واحد في المئة، لتزويد مصادر طاقة منخفضة الكربون في السنوات المقبلة.
ولكن الخبيرة بشؤون الطاقة تسفتانا باراسكوفا التي تكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية ترى أن تكنولوجيا الهيدروجين الأزرق باهظة لدرجة أن أرامكو لا تنوي اتخاذ قرار استثماري نهائي بشأن المشروع الضخم حتى تضمن صفقات شراء طويلة الأمد.
وتكمن المشكلة في غياب العديد من الزبائن المحتملين، وفقا لرئيس الشركة وكبير مسؤوليها التنفيذيين أمين الناصر الذي قال مؤخرا إن “من الصعب تحديد أي اتفاقية شراء في أوروبا” للهيدروجين الأزرق.
وبحسب بلومبرغ، أكد الناصر في اتصال هاتفي جمعه بالمحللين الأسبوع الماضي أن الهيدروجين الأزرق يمكن أن يكلف ما يعادل حوالي 250 دولارا لبرميل النفط إذا نجح إنتاجه باستخدام التكنولوجيا الحالية.
وأضاف أنه “رأس مال كبير وأنت بحاجة إلى زبائن”، مشيرا إلى أنه لن يتم دخول مغامرة مشروع كهذا دون نيل اتفاقيات شراء.
ونجحت أرامكو ومعهد اقتصاديات الطاقة باليابان، بالشراكة مع شركة سابك للكيماويات خلال سبتمبر 2020، في عرض دورة إنتاج الأمونيا الزرقاء مع تصدير أول شحناتها في العالم من السعودية إلى اليابان.
وشملت العملية إرسال 40 طنا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة لاستخدامها في توليد الطاقة الخالية من الكربون.
وقال رئيس قسم التكنولوجيا بأرامكو أحمد الخويطر حينها “يمثل هذا العرض الأول في العالم فرصة مثيرة لأرامكو لعرض إمكانات الهيدروكربونات كمصدر موثوق به، وبأسعار معقولة للهيدروجين والأمونيا منخفضة الكربون”.
وتوقع أن ينمو استخدام الهيدروجين في نظام الطاقة العالمي. وكان خبراء شركة آي.دي تيك إكس التكنولوجية قد رجحوا أن تنمو قيمة السوق العالمية للهيدروجين الأزرق إلى 34 مليار دولار بحلول 2033.
وعلى عكس الهيدروجين الرمادي المنتج من الغاز عبر المعالجة بالبخار، يعتمد الهيدروجين الأزرق على الغاز الطبيعي مع التقاط وتخزين الكربون المتولد خلال عملية إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار.
وفي ضوء ذلك تؤكد باراسكوفا أن الاعتقاد السائق هو أن الهيدروجين الأزرق أكثر صداقة للبيئة من نظيره الرمادي، الذي يتسبب في إطلاق 2.2 في المئة من انبعاثات الكربون عالميا، بحسب شركة آي.أن.جي.
وقالت أرامكو العام الماضي في تقريرها الأول عن الاستدامة إن “للهيدروجين القدرة على أن يصبح سلعة قابلة للتداول، ما يفتح فرصا تجارية لأعمالها على المدى المتوسط إلى الطويل”.
وتابعت “إننا نشهد اهتماما من الزبائن المحتملين بالهيدروجين الأزرق. ولشركتنا دور واعد تلعبه، وذلك باعتماد الوقود الأحفوري والبنية التحتية والتكنولوجيا الخاصة بنا”.
ومع ذلك فإن الهيدروجين الأزرق ليس من خطط أوروبا للانتقال إلى المزيد من الطاقة البديلة أملا في استبدال الغاز الطبيعي، وفطم نفسها نهائيا عن الإمدادات الروسية، التي كانت تشكل 40 في المئة من احتياجاتها قبل الحرب في أوكرانيا.
ودفعت أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الغاز العام الماضي القارة إلى التطلع إلى دعم الهيدروجين الأخضر المنتج بفصل المياه عن طريق التحليل الكهربائي، وإنتاجه محليا، وتطوير اقتصاد الطاقة الخضراء وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية.
وينصبّ تركيز أرامكو الآن على زيادة إنتاجها عبر خطة طموحة لتطوير الجافورة، وهو أكبر حقل للغاز غير المصاحب وغير التقليدي مكتشَف في السعودية.
ومنحت الشركة في نهاية 2021 عقودا بقيمة 10 مليارات دولار لتطوير الحقل، وهي بصدد دراسة توقيع شراكات جديدة لمرحلة أخرى من هذا المشروع.
ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي استثمارات مشروع الحقل الرأسمالية والتشغيلية قرابة 110 مليارات دولار خلال العقدين المقبلين، بما يجعل العضو البارز في منظمة أوبك منافسا قويا في سوق الغاز العالمية.
ويُرجح أن يصل معدل إنتاج الغاز المستدام إلى ملياري قدم مكعبة قياسية يوميا، بالإضافة إلى 418 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا من الإيثان بحلول 2030.
وكذلك سيتم إنتاج نحو 630 ألف برميل تقريبا يوميا من سوائل الغاز والمكثفات ذات القيمة العالية، والتي تشكِّل اللقيم الأساس لقطاع البتروكيميائيات المتنامي في السنوات السبع المقبلة.
◙ 34 مليار دولار قيمة السوق العالمية للهيدروجين الأزرق بحلول 2033 وفق شركة آي.دي تيك إكس
وتقول أرامكو إن هذه الكميات من الإنتاج ستجعل السعودية أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، فيما تظهر التقديرات أنها تأتي في المركز الثامن عالميا من حيث الاحتياطات المؤكد والبالغة 6 تريليون متر مكعب.
ويمكن للشركة الآن أن تمنح الأولوية لصادرات الغاز المسال من إنتاجها المتزايد بدلا من الهيدروجين الأزرق، الذي لم ينل صفقات تُذكر مع زبائن في أوروبا أو اليابان أو كوريا الجنوبية.
وقال الناصر إن “أرامكو تجري بالفعل محادثات مع مستثمرين بشأن خطوط الأنابيب في مشروع تطوير الجافورة”.
وحتى إذا لم تقرر الشركة تصدير الغاز المسال من السعودية، فقد تستثمر في منشآت تصديره خارج البلاد، بما في ذلك أستراليا والولايات المتحدة.
وأضاف الناصر “انطلقنا بالفعل في مناقشات مع شركائنا على مستوى العالم بشأن فرص الغاز المسال”.
وأفادت بلومبرغ في وقت سابق هذا العام أن أرامكو مهتمة بالاستثمار في منشأة لتصدير الغاز المسال في الخارج، وتجري محادثات مبكرة مع المطورين بهدف تأمين حصة في مشروع في الولايات المتحدة أو آسيا.
وترى باراسكوفا أنه قد يكون الدخول في تجارة الغاز المسال عملا مربحا آخر للشركة مع الأخذ في الاعتبار أن الطلب من المقرر أن ينمو في السنوات المقبلة حين تتخلى أوروبا عن الغاز الروسي وتتطلع آسيا إلى استخدام المزيد منه بدلا من الفحم.
وأكدت شل، أكبر متداول للغاز المسال بالعالم، في توقعاتها السنوية نشرتها فبراير الماضي أن الطلب المرتفع بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال في أوروبا سيكثف المنافسة مع آسيا على المدى القصير ويهيمن على تجارة الغاز على المدى الطويل.
وذكرت أن الدول الأوروبية بما في ذلك المملكة المتحدة، شهدت ارتفاعا في وارداتها بنسبة 60 في المئة خلال 2022 لتصل إلى 121 مليون طن.
كما حذرت من أن فجوة أخرى بين العرض والطلب قد تلوح في الأفق أواخر هذا العقد دون استثمارات جديدة في المعروض الإضافي.