خطة مغربية تكاملية لتنمية السياحة عبر الاستثمار الرياضي

يفتح الإصلاح المستمر في المغرب الباب أمام تغيير خارطة الرياضة عبر تكثيف الاستثمار في هذا القطاع مع اعتماد الحكومة خطة تكاملية لتعزيز صناعة السياحة، مما يدعم الأهداف لتحقيق أقصى استفادة من هذين المجالين المهمين لترجمة إستراتجية التنمية الاقتصادية الشاملة.
الرباط – تكتسب خطط تنمية الاقتصاد المغربي زخما جديدا في ظل تركيز الحكومة على الاستثمار الرياضي الذي سيكون محركا مهما لقطاع السياحة التي قد تدر على الدولة إيرادات سنوية كبيرة مع اقتراب تنظيم أحداث رياضية كبرى.
وتحدو المسؤولين طموحات لجعل الرياضة إحدى ركائز التنمية كما هو الحال في عدد من البلدان العربية مثل السعودية وقطر اللتين تستثمران بكثرة في القطاع، بما في ذلك البنية التحتية وتطوير الأندية واستقطاب رؤوس الأموال.
وفي ظل الاستعدادات المكثفة لاحتضان كبرى البطولات الكروية، يبرز المغرب توجها إستراتيجيا يربط بين الرياضة والسياحة، ويهدف إلى تحويل التظاهرات الرياضية إلى محرك اقتصادي واستثماري يعزّز مكانة المملكة على الساحة الدولية.
وفي هذا الإطار، قال إدريس عبيس، الخبير المغربي في قطاع الرياضة، في مقابلة مع وكالة الأناضول، إن “هناك تكاملا وارتباطا وثيقين بين السياحة والرياضة.”
وأوضح أن التظاهرات الرياضية الكبرى باتت تستقطب جماهير وسياحا من مختلف أنحاء العالم، مما يولد فرصا استثمارية ضخمة في قطاعات الفندقة والنقل والبنية التحتية.
وتأتي تصريحات عبيس بعد أيام على إطلاق إستراتيجية “المغرب أرض كرة القدم” التي تهدف إلى الترويج السياحي للبلاد من خلال شعبية اللعبة، وفق ما أعلنته وزارة السياحة التي أكدت أن المبادرة تمزج بين شغف المغاربة بكرة القدم وجاذبية البلاد كوجهة سياحية.
وبالتوازي مع التحضير لاحتضان كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال، يشهد المغرب تنفيذ أكثر من 120 مشروعا تطويريا في ست مدن ستحتضن البطولة القارية، بحسب وزارة الداخلية.
وتشمل هذه المشاريع تطوير البنية التحتية الحضرية، وتحسين خدمات النقل، وإعادة تأهيل محيط الملاعب، وإطلاق برامج تنشيطية لاستقبال الزوار والمشجعين.
ويشكل تنظيم المونديال، وهو الثاني الذي تحتضنه أفريقيا بعد مونديال جنوب أفريقيا 2010، تحديا أكبر للرباط، يتمثل في طموحها لتحقيق معدل نمو عند نحو 6 في المئة سنويا بحلول العام 2035، كحد أدنى لتجاوز معضلة التفاوت الاجتماعي بين الجهات.
وفي تصريح سابق، أكد الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع أن تنظيم كأس العالم 2030 “لن يكون مجرد منافسة رياضية، بل فرصة إستراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل، إلى جانب الترويج لقيم التنمية المستدامة والوحدة والسلام.”
وقدرت دراسة حديثة حجم صناعة الرياضة في البلاد بنحو 1.8 مليار دولار بنهاية عام 2023، وهي تمثل إيرادات الشركات الخاصة العاملة في هذا المجال، ويعادل هذا الرقم 1.56 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتتوقع الفيدرالية المغربية لمهنيي الرياضة أن يتضاعف حجم سوق الرياضة المغربية بحلول نهاية العقد الحالي ليصل إلى 3.7 مليار دولار.
3.7
مليار دولار حجم سوق الرياضة بحلول 2030، وفق الفيدرالية المغربية لمهنيي الرياضة
وأظهرت دراسة سابقة أعدتها الفيدرالية التي تأسست في يونيو 2021، أن القطاع يزخر بالعديد من الأنشطة والخدمات التي تقدمها قرابة 321 شركة خاصة.
وتضم تلك الأنشطة نوادي كرة القدم في بطولة الاحترافي الأول، وصالات الرياضة وأيضا ألعاب الرهانات ومتاجر المعدات والآليات والتغذية الرياضية والإعلام والتواصل، وكل المجالات المرتبطة بالقطاع.
ويؤكد عبيس أن التظاهرات الرياضية الكبرى أصبحت عامل جذب للمستثمرين، سواء مغاربة أو أجانب، ممن يسعون للاستثمار في السياحة والفندقة والنقل والخدمات، بالتزامن مع نمو الطلب السياحي.
وأبرز ضرورة أن تكون البلاد مؤهلة من أجل النجاح في الربط بين معادلتي الرياضة والسياحة، خاصة أن كل قطاع يكمل القطاع الآخر.
ولفت إلى أن المغرب أطلق الكثير من المشاريع على مستوى البنية التحية وخاصة في ما يتعلق بقطاع النقل من طرق وشبكة سكك الحديد وعلى مستوى الصحة والأمن، ومجموعة من القطاعات الأخرى.
وأشار إلى أهمية قطاع السياحة الذي يلعب دورا مهما في نجاح التظاهرات الرياضية، لأنه بدون الترويج السياحي لا يمكن للتظاهرة الرياضية أن تحقق النجاح المطلوب.
وتعتمد إستراتيجية الترويج على الاستفادة من النجوم المغاربة في كرة القدم، الذين ينشطون في أهم الدوريات سواء الأوروبية أو في السعودية، ويحظون بمتابعة عالمية.
وبحسب عبيس، يسمح قانون الرياضة المغربي باستغلال صورة اللاعبين لأغراض دعائية، مما يعزز الحضور الإعلامي للبلاد.
وقال “بالإضافة إلى صورة اللاعبين داخل الملاعب، يتكفل وكلاء اللاعبين خارج التظاهرات الرياضية بتسويق صورهم عبر عقود إشهارية، في عدد من القطاعات، مثل الملابس والساعات والعطور، خاصة أن الكثير من الرياضيين لديهم الآلاف أو الملايين من المتتبعين.”
وأضاف “هناك العديد من النجوم في كرة القدم، خاصة لاعبي المنتخب مثل أشرف حكيمي لاعب باريس سان جيرمان، وإبراهيم دياز لاعب ريال مدريد، وحكيم زياش لاعب نادي الدحيل القطري.”
وتابع “البلاد تعمل على توظيف صورهم للترويج للقطاع السياحي، خاصة أنهم يتوفرون على الكثير من المتابعين سواء داخل المغرب أو خارجه، بالإضافة إلى الاستثمار في المجال الإشهار.”
وأوضح أن الجديد في المجال الرياضي هو توظيف الذكاء الاصطناعي لتحديد أكثر اللاعبين تأثيرا ومتابعة، بهدف استثمار صورهم بفعالية في الحملات الترويجية.
ووسط هذا تبرز أهمية تنويع العرض السياحي ليتناسب مع تنوع جماهير الرياضة ومستوياتها الاقتصادية، وتقديم وجهات تشمل الشواطئ، الجبال، الصحارى، والمآثر الثقافية، وهو ما يجعل المغرب مؤهلا لتقديم تجربة سياحية شاملة.
ولتحقيق هذه الأهداف، دعا عبيس إلى الموازنة بين سرعة الاستعداد لاستقبال الأحداث الكبرى ومستوى التنمية في مختلف المدن، من الناحيتين اللوجستية والبشرية.
وبحسب بيانات وزارة السياحة، استقبل المغرب خلال العام الماضي نحو 17.4 مليون سائح، بزيادة 20 في المئة عن العام السابق، ليصبح في صدارة الوجهات السياحية الأفريقية.
وبفضل إستراتيجيته الجديدة، يراهن المغرب على أن يصبح بلدا رياضيا وسياحيا بامتياز، لاسيما مع احتضانه لأربع بطولات قارية خلال 2025.
ومن بين هذه البطولات كأس أفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة، وكأس أفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات، وكأس العالم للسيدات تحت 17 عاما، وصولا إلى الموعد الأهم وهو كأس أفريقيا للرجال في وقت لاحق هذا العام، تمهيدا لمونديال 2030.