خطة مصرية طموحة لتوطين صناعة السيارات

خطت مصر أولى خطوات توطين صناعة المركبات داخل البلاد عمليا بإطلاق استراتيجية تنمية القطاع الذي يعزز توفير كل المجالات المرتبطة به، في مسعى للاعتماد على الإنتاج المحلي وتقليص فاتورة الاستيراد.
القاهرة - دفع تهديد ثماني علامات عالمية الشهر الماضي بإيقاف توريد سيارات جديدة للوكلاء في مصر بداعي ضعف الإمداد الناشئ عن التغيرات الجيوسياسية، وتأخر المستوردين في دفع المستحقات للخارج، مصر للتعجيل بإطلاق خطتها لتنمية صناعة المركبات في البلاد.
وكان قد بدأ الحديث عن هذه الخطة منذ ستة أعوام، وتعطلت لأسباب لم يعلن عنها، لكنها تصب في إطار بعض الإجراءات البيروقراطية.
وتهدف الخطة إلى تدشين صناعة سيارات حقيقية بالبلاد، بالاعتماد على الموقع الفريد لمنطقة شرق بورسعيد، الواقعة شمال شرق القاهرة وعلى مقربة من ممر قناة السويس، دون الاقتصار على تجميع الأجزاء المستوردة.

فؤاد ثابت: منطقة شرق بورسيعد تضم مقومات أساسية لتدشين المصانع
وانتهجت القاهرة هذا الطريق عندما أسست شركة النصر لصناعة السيارات منذ حوالي ستة عقود.
ودشنت الحكومة خطوة نوعية بعد قيام بعض شركات الاستشارات العالمية بالعمل على دراسة تحليل وتخطيط بيئة السوق العالمية في شرق بورسيعد، وإجراء مسح لبيئة السوق لصناعة السيارات العالمية.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل كل القطاعات المُغذية وتحليل أسواق العرض والطلب لعقود التصنيع واتجاهات الإنتاج، مع اقتراح المخطط المبدئي للمجمع الصناعي، بعد جملة من المتغيرات شهدها العالم عقب الجائحة التي أثرت على العديد من الصناعات وسلاسل الإمداد.
وأكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أيام أن الدولة أنفقت 4 مليارات دولار على استيراد السيارات خلال العام الماضي، وهو أمر غير مستدام إذا استمرت ملكية السيارات في الارتفاع خلال السنوات المقبلة.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي تعديلات التعريفة الجمركية من أجل تحفيز الاستثمار بالقطاع تتضمن حوافز وتخفيضات على الضريبة الجمركية للمصنعين.
وتتضمن الحوافز المعدات اللازمة لتشغيل محطات شحن السيارات الكهربائية ومحطات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي، وتشمل أيضا المحركات الكهربائية والبطاريات ووحدات التحكم وأنظمة التهوية المستخدمة في الأتوبيسات الكهربائية.
وتعد الدهانات والصاج أكبر الأجزاء تكلفة، ومن ثم لا يمكن لأي مستثمر يرغب في الاستثمار بهذا القطاع بالبلاد تأسيس مصنع في هذا المجال.
ولذلك وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وصندوق مصر السيادي ومنطقة شرق بورسعيد للتنمية مذكرة تفاهم مع شركة باك العالمية لإجراء الدراسات لإقامة المجمع الصناعي للسيارات المشترك في المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد.

وقال فؤاد ثابت عضو جمعية مستثمري بورسعيد لـ”العرب” إن “منطقة شرق بورسعيد باتت جاذبة للاستثمارات بعد تهيئة البنية التحتية، ورغم ضعف سلاسل التوريد على مستوى العالم إلا أن ذلك لا يعد عائقا أمام تنفيذ الخطة لأن التصنيع لن يبدأ الآن”.
وأوضح أن الوقت الحالي مناسب لبدء الاستراتيجية الواعدة، من أجل استغلال حالة الركود العالمي في بناء اتفاقيات مع المستثمرين، خاصة وأن الاستثمار بهذا القطاع يستغرق وقتا لتأسيس المصانع واستيراد الماكينات وتدريب العمالة.
ويرمي الاتفاق إلى تهيئة المنطقة للغرض فمصر تحاول تصنيع سيارة محلية، منذ الستينيات من القرن الماضي، لكن أكبر نسبة مكون محلي في المركبات كانت تتراوح بين 35 و40 في المئة، كما اعتمدت خلال الفترة الأخيرة على التجميع بصورة رئيسية.

دسوقي سيد: الحكومة تسرع الخطوات للتخلص من قيود استيراد السيارات
وتأمل الحكومة من الاتفاق التركيز على التحفيز المضاعف لصناعة السيارات والصناعات المغذية من حيث التحول لأحد أكبر الصناعات عالميا، فضلا عن كونها محركا قويا لتوفير فرص عمل في السوق المحلية مع جذب استثمارات أجنبية أخرى في القطاع.
وتجر صناعة السيارات وراءها العديد من الصناعات في القطاع الهندسي والتكنولوجي والبلاستيك والمعدني وغيرها، ما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي.
كما أنها تسهم بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي من خلال تلبية احتياجات ومتطلبات الأسواق الإقليمية، خاصة الاستجابة لاحتياجات العديد من العلامات التجارية العالمية في صناعة السيارات لتغطية متطلبات السوق المحلية والتصدير للأسواق المحيطة.
وتعد السيارات من القطاعات التي تصطحب معها مجالات توفر فرص العمل المختلفة لشريحة كبيرة من الشباب، مثل محلات الإطارات وقطع الغيار والميكانيكا ومراكز الخدمة وشركات التأمين والمعارض وشركات النقل التي تنقلها من الموانئ إلى المعارض وغيرها.
ويتمثل الدور الأساسي للاستراتيجية الجديدة في خلق بيئة استثمارية جاذبة بحوافز للمستثمرين، ما يمنح البلاد فرصة كبيرة لصناعة سيارة مصرية بتدشين مصانع مغذية وكذلك مكونات وقطع غيار السيارات.
ولا يقتصر الهدف من تلك الخطة على وجود سيارة مصرية، بل التصدير وهذا أمر يجذب الاستثمارات الأجنبية ويعزز من تحول البلد إلى مركز إقليمي حقيقي لتجارة وتداول السيارات.
والمنطقة متكاملة سواء في شرق بورسعيد أو محور قناة السويس من حيث سهولة اللوجستيات والنقل والتصدير، كما تتضمن الخطة صناعة السيارات الكهربائية أيضًا، وهو المجال الواعد في تجارة السيارات.
وما يؤكد الموقع الفريد للمنطقة، هو ما قام به تحالف الشركات العالمية بولوريه وتويوتا تسوشو وأن.واي.كي صاحب عقد امتياز محطة دحرجة سيارات ومركبات رورو بميناء شرق بورسعيد.

وقد تم تأسيس شركة سويس قنال أوتوموتيف تيرمينالز لإدارة وتشغيل مشروع محطة دحرجة سيارات ومركبات رورو بميناء شرق بورسعيد، إذ يسهل التصدير منها إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وتراهن القاهرة على عدد من المستثمرين من ألمانيا وإنجلترا ورومانيا وبعض المستثمرين من آسيا، لاسيما كوريا واليابان والصين، لتسريع الاستثمار.
وأبدى مستثمرون من روسيا اهتماما بالاستثمار في منطقة شرق بورسعيد، إلا أن الحرب الأوكرانية قد تعوق تحركاتهم واستثماراتهم الجديدة.
وقال دسوقي سيد رئيس شعبة قطع غيار السيارات بغرفة القاهرة التجارية لـ”العرب” إن “الخطة بداية لإنتاج سيارة مصرية بمكون محلي، تعزز من توفير قطع غيار السيارات التي تستورد مصر 60 في المئة مع عدم توافرها محليا”.
وأوضح أنها من السلع التي لا تقل أهمية عن الدواء لأنها أساس النقل في كل الجهات سواء المستشفيات أومختلف الهيئات.
وأشار إلى أن الحكومة تحاول تسريع تنفيذ الاستراتيجية للتخلص من قيود الاستيراد على السيارات وقطع الغيار التي تتم بالاعتمادات المستندية وتستغرق وقتًا طويلاً لعدم وفرة الدولار، ومن ثم دخول الأجانب يوفر الدولار ويعزز من تنفيذ خطة الحكومة لصناعة المركبات.