خطة الاستشارية الليبية للانتخابات بين الترحيب الدولي وممانعة الإخوان

الخطة تتضمن تشكيل حكومة جديدة كشرط لإجراء الانتخابات، وأربعة خيارات لإنهاء المرحلة الانتقالية عبر انتخابات رئاسية وتشريعية، أو دستور دائم، أو لجنة حوار.
الأربعاء 2025/05/21
محاولة جديدة لفك تعقيدات المشهد الليبي

طرابلس – كشفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء الثلاثاء، عن توصيات لجنة استشارية ترمي إلى معالجة العقبات الأساسية التي تعرقل إجراء انتخابات طال انتظارها، ورغم الترحيب الدولي الذي حظي به الإعلان، سرعان ما أثار رفضا من جماعة الإخوان المسلمين، وتزامن مع تصميم نشطاء على مواصلة حراكهم لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، مما يعكس عمق التحديات التي تواجه مسار التسوية.

وكانت البعثة قد أعلنت في 4 فبراير الماضي عن تشكيل هذه اللجنة المكونة من 20 خبيرا ليبيًا، وذلك ضمن مبادرة أممية متعددة المسارات قُدمت لمجلس الأمن الدولي أواخر عام 2024.

وأفادت البعثة في بيانها أن "اللجنة الاستشارية اجتمعت أكثر من 20 مرة في كل من طرابلس وبنغازي على مدار ثلاثة أشهر".

 وأضافت أن اللجنة "درست القوانين الانتخابية والقواعد الدستورية الليبية، وأنتجت هذا التقرير"، كما "أجرت جلستين تشاوريتين مع كل من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وأعضاء لجنة 6+6، التي صاغت القوانين الانتخابية الحالية عام 2023".

ولجنة 6+6 هي لجنة مشتركة بين مجلسي النواب والدولة الليبيين، أصدرت في 6 يونيو 2023 قوانين لإجراء الانتخابات، إلا أن بعض بنودها لاقت معارضة من أطراف سياسية.

ويُمثل تقرير اللجنة الاستشارية، وفق البعثة، مشورة ليبية مقدمة لها "بهدف الاستفادة منها في المراحل اللاحقة من العملية السياسية التي تُيسّرها البعثة لبناء توافق سياسي وتوحيد مؤسسات الدولة والمضي قدمًا نحو الانتخابات".

ويُعتبر تقرير اللجنة الاستشارية، وفقًا للبعثة، "مشورة ليبية مُقدمة لها بهدف الاستفادة منها في المراحل اللاحقة من العملية السياسية التي تُيسّرها البعثة لبناء توافق سياسي وتوحيد مؤسسات الدولة والمضي قدمًا نحو الانتخابات".

وأكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، هانا تيتيه، في البيان، أن هذا التقرير "يمثل نقطة انطلاق لحوار وطني شامل حول أفضل السبل لتجاوز الانسداد السياسي"، الذي "حال دون إجراء الانتخابات منذ عام 2021، مما أدى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار على الصعيدين الاقتصادي والأمني".

ولفتت إلى أن هذا الانسداد "حال دون إجراء الانتخابات منذ عام 2021، مما أدى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار على الصعيدين الاقتصادي والأمني".

ويقترح التقرير "توصيات وخيارات لمعالجة عدد من النقاط الخلافية في الإطار الانتخابي الراهن من الربط بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ومعايير أهلية المترشحين، وإلزامية إجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية".

وكذلك "تشكيل حكومة جديدة كشرط لإجراء الانتخابات، وآلية الطعون الانتخابية، وتمثيل المرأة والمكونات الثقافية (...) وتوزيع المقاعد"، حسب البيان.

ويطرح التقرير "أربع خيارات يمكن أن تشكل خارطة طريق لإجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية، وهي إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بصورة متزامنة، وإجراء الانتخابات البرلمانية أولا يليها اعتماد دستور دائم".

و"اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات، أو إنشاء لجنة حوار سياسي بناء على الاتفاق السياسي الليبي، لوضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية والسلطة التنفيذية والدستور الدائم".

ووفق البيان الأممي، فإن تيتيه "قدمت الملخص التنفيذي للتقرير إلى الفاعلين الليبيين في غرب وشرق البلاد".

وتنوي البعثة "عرض مخرجات اللجنة الاستشارية على عموم الليبيين لأخذ ملاحظاتهم، من خلال إجراء استطلاعات رأي واستشارات لفئات أوسع".

وستشمل الاستطلاعات والاستشارات "الأحزاب السياسية والشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية والوجهاء وقادة المجتمع"، وفق البيان.

ورحب الاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك صدر، في وقت متأخر الثلاثاء، عن بعثته والبعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد لدى ليبيا، بتقرير اللجنة الاستشارية، واصفا إياه بأنه "إنجاز مهم في العملية السياسية التي يقودها ويملكها الليبيون، وتيسرها الأمم المتحدة".

ودعا الاتحاد الأوروبي "جميع الأطراف الليبية إلى الامتناع عن أي خطوات أحادية الجانب، والتفاعل البناء مع نتائج اللجنة"، مشددا على "أهمية التهدئة والتمسك بالهدنة لحماية المدنيين والبنية التحتية الإنسانية"، ورفضه "أي لجوء إلى استخدام القوة".

وأكد أن "الحل في ليبيا لا يكون إلا عبر الحوار السلمي، وبدعم من بعثة الأمم المتحدة"، كما أكد على "أهمية توحيد المؤسسات الأمنية تحت سلطة الدولة الشرعية وفي إطار سيادة القانون"، وجدد "الدعم الثابت لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا".

وشدد على "الالتزام بمبدأ المساءلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب". وجدد "الدعم الثابت لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا وجهودها الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية، والحوار الشامل القائم على الملكية الليبية والتوافق الوطني".

وفي الوقت الذي لم يصدر موقف رسمي من الأطراف السياسية الكبرى حتى الآن، عبّر رئيس الحكومة الليبية السابق، فتحي باشاغا، في تدوينة على فيسبوك، عن دعمه لما ورد في التقرير، داعيا إلى تغليب المصلحة الوطنية والانخراط في الحلول التوافقية بما يحقق تطلعات الشعب في الاستقرار والتغيير الإيجابي..

وأكد المرشح الرئاسي سليمان البيوضي في تدوينة له أن "مخرجات اللجنة الاستشارية أكدت على ضرورة وجود حكومة موحدة جديدة ممثلة للجميع، لتنفيذ أي من توصياتها الأربعة بشأن الانتخابات الوطنية".

وأشار إلى دعم السفارة البريطانية للمخرجات، مؤكدة أن "هذا الوضع غير قابل للاستمرار"، وهو ما اعتبره إشارة واضحة بأن "حكومة عبدالحميد الدبيبة غير قابلة للحياة".

وأضاف البيوضي أن "القرار الدولي هو وقف الحرب في العاصمة وحماية المدنيين، ولن يتردد أعضاء مجلس الأمن بإصدار قرار بالعقوبات الدولية ضد مخترقي الهدنة".

وحذر من أن محاولات الدبيبة لتحدي القرار واختراق التهدئة والتحشيدات العسكرية لقواته ستكون تحت مجهر دقيق، وأن أي محاولة للحرب لن تُغير من نتيجة توصيات اللجنة التي تحظى باعتراف دولي مسبق بنتائجها، لأنها عملت استناداً على الفقرتين 2 و5 من قرار مجلس الأمن 2755 (2024)، مما سيُظهر الدبيبة كـ"سفاح ومُسَعِّر للحروب".

من جانب آخر، أكد عضو مجلس الدولة الاستشاري، سعد بن شرادة، أن "كل مقترحات اللجنة الاستشارية ممتازة وجميعها قابلة للتطبيق".

وقال في منشور عبر فيسبوك "اطلعت على تقرير اللجنة الاستشارية ولاحظت الفرق بين التقارير السابقة التي كان للأجنبي بصمات واضحة من خلال تلاعب بالألفاظ ووضع مفخخات بين النصوص، لكن تقرير هذه اللجنة كتب بأيادي ليبية خالصة ورائحة الحرقة على وطنهم ترجمت في أقلامهم".

وأضاف أن "كل المقترحات ممتازة مع فارق بسيط في سهولة وصعوبة في التطبيق ولكن تظل قابلة للتطبيق جميعها في حالة كانت الوطنية اتسم بها كل الأطراف الليبية. شكرا السيدات السادة أعضاء اللجنة الاستشارية".

وفي المقابل، اعتبر مروان الدرقاش، الناشط من مصراتة والمعروف بقربه من المفتي المعزول الصادق الغرياني، أن مقترحات اللجنة الاستشارية مرفوضة بالنسبة له جملة وتفصيلا.

وفي منشور له على منصات التواصل الاجتماعي، قال الدرقاش إن "ما نتج عن اللجنة الاستشارية لا يساوي الحبر الذي يمكن أن يُطبع به، أي مقترح ينص على تغيير الحكومة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية هو تكرار للفشل السابق".

وتابع "ما نتج عن اللجنة الاستشارية هو رأي استشاري لا يُلزم أحداً، لذلك نحن نرفضه جملةً وتفصيلا".

وفي سياق متصل، أعلن 69 حزبا سياسيا، الثلاثاء، تضامنهم مع المتظاهرين الذين خرجوا مؤخرًا "مطالبين بحقوقهم المشروعة".

وأعربت الأحزاب الموقعة على بيان مشترك عن رفضها الأنباء المتداولة حول نية رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي دعوة لجنة الحوار السياسي "لجنة 75" للانعقاد.

واعتبرت الأحزاب أن هذه اللجنة "جزءا من معاناة الشعب الليبي"، ودعت إلى "إسقاط كافة الأجسام السياسية القائمة" التي "فشلت في تلبية تطلعات الشعب وتمثل جزءاً من الأزمة الراهنة".

كما دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى "الاضطلاع بدورها في دعم تطلعات الليبيين في التغيير الشامل، لا في دعم الوضع القائم أو دعم أطراف لم تعد تملك أي شرعية شعبية".

وفي ختام البيان، دعت الأحزاب السياسية "قواعدها ومنتسبيها وكافة أبناء الشعب الليبي إلى المشاركة الفاعلة في مظاهرات الجمعة القادم 23 مايو 2025"، والتي يسميها المتظاهرون بـ"جمعة الحسم" تأكيدا على "إرادة الشعب في التغيير الشامل وإسقاط كافة الأجسام السياسية التي لم تحقق آماله".

ويستعد الليبيون للخروج في مظاهرات حاشدة في إطار "جمعة الخلاص" التي سترفع للأسبوع الثاني على التوالي شعارات الإطاحة بحكومة الدبيبة، وفي الوقت ذاته، كشفت قناة "روسيا اليوم" عن أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي يعتزم توجيه دعوة رسمية لانعقاد ملتقى الحوار السياسي.

وأكد "حراك أبناء سوق الجمعة" في بيان صادر عنه، ردا على "الاتهامات الباطلة" بأن حراكهم "وطني، شعبي، مستقل، لا يتبع لأي طرف عسكري أو سياسي"، وأنهم انطلقوا "من رحم معاناة الناس وهمومهم، مطالبين بحقوق مشروعة، وبإصلاح حقيقي يخدم الوطن والمواطن، بعيداً عن الاصطفافات والانقسامات".

وشدد البيان على أن "محاولات التشويه والتضليل لن تثنينا عن الاستمرار في الدفاع عن مطالبنا العادلة"، واختتم بأن "لن يهدأ لنا بال إلا بإسقاط حكومة الفساد".

أكد حراك أبناء سوق الجمعة، أنه لن يهدأ لهم بال إلا بإسقاط حكومة الفساد.

وتابع "نمد أيدينا لكل الأحرار والشرفاء من أبناء شعبنا في كل المدن والمناطق، وندعو إلى التكاتف من أجل ليبيا، لا من أجل أشخاص أو كيانات. سنبقى صوت الحق، ودرع الوطن، ولن ننجر وراء معارك لا تخدم إلا أعداء الاستقرار. ولن يهدأ لنا بال إلا بإسقاط حكومة الفساد”.

وتأتي تلك التحركات ضمن جهود لإيصال ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة صراع بين حكومتين، الأولى حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة الدبيبة، ومقرها طرابلس (غرب)، وتدير منها غرب البلاد بالكامل.

والأخرى حكومة عيَّنها مجلس النواب مطلع 2022، ويرأسها حاليا أسامة حماد، ومقرها بنغازي (شرق)، وتدير منها شرق البلاد بالكامل ومعظم مدن الجنوب.

ويأمل الليبيون أن تؤدي الانتخابات التي طال انتظارها إلى وضع حد للصراعات السياسية والمسلحة وإنهاء الفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بنظام الزعيم الراحل معمر القذافي (1969-2011)