خطة إعادة هيكلة ديون لبنان تشق صفوف الدائنين

تفجرت الخلافات بين دائني لبنان الدوليين والمحليين بشأن مسودة خطة لمعالجة الأزمة المالية المعقدة وافتراضات تقدير خطط الإنقاذ رغم أنها لم تصل بعد إلى العقبات الأكبر المتعلقة باستبعاد تمرير أي حلول في ظل هيمنة حزب الله على الحكومة وتصنيفه كمنظمة إرهابية.
بيروت - أبدى بعض دائني لبنان الدوليين دعما مبدئيا لمسودة خطة لإعادة هيكلة سندات لبنان الدولية، التي تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار، لكن محللين يرجحون أن تواجه عقبات كبيرة خارج التفاصيل الفنية. وتقدر تلك المسودة أن لبنان سيحتاج بين عشرة إلى 15 مليار دولار على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، على أمل استخدامها كمخطط أساسي لطلب دعم مالي من صندوق النقد الدولي.
لكن خطابا من بنك الاستثمار هوليهان لوكي، مستشار جمعية مصارف لبنان، إلى بنك الاستثمار لازارد، مستشار الحكومة اللبنانية، يعبر عن بواعث قلق حيال الخطة وتأثيرها على النظام المصرفي ومقترحها تحميل المودعين عبئا ماليا.
وذكرت وكالة رويترز أنها اطلعت على الرسالة، التي تقول إن “البنوك التجارية اللبنانية هي أضخم فئة منفردة من حملة السندات الدولية، وهو ما ينبغي استغلاله بما يصب في صالح الحكومة والدولة ككل للتوصل إلى خطة إعادة هيكلة ذات مصداقية تكفل معالجة عبء الدين الثقيل، وفي نفس الوقت حماية سلامة القطاع المصرفي، بل وأموال المودعين”.
وتم وضع الخطة، التي ما زالت الحكومة تبحثها، في أعقاب تخلف لبنان الشهر الماضي عن سداد ديونه الضخمة بالعملة الصعبة.
15
سنتا سعر كل دولار من سندات لبنان الدولية وهو يكشف يأس الدائنين من إمكانية استردادها
وتفاقمت المشاكل الاقتصادية، التي تمتد من انحدار قيمة العملة وقيود على حركة رؤوس الأموال تمنع المدخرين من سحب دولاراتهم من البنوك، بفعل إغلاق عام لمواجهة فايروس كورونا.
وفي إيجاز صحافي بشأن الخطة الاقتصادية للحكومة، قال مستشارو وزارة المالية إن تلك المسودة قابلة للمراجعة مع إجراء الحكومة محادثات مع شتى الأطراف ذات الصلة.
وقد تتغير أرقام مثل خسائر القطاع المصرفي المقدرة بنحو 83.2 مليار دولار وسط مفاوضات مع حملة السندات ستقرر حجم الخصم الذي سيتحمله حملة الدين من الأجانب والمحليين.
وقال المستشار آلان بيفاني، إن الخطة لا تعني أن الحكومة ستلجأ بالضرورة إلى برنامج لصندوق النقد، لكن أهدافا لأشياء مثل العجز وسعر الصرف تتيح نقطة انطلاق قوية وتتماشى بدرجة كبيرة مع متطلبات الصندوق.
ويستبعد محللون حصول لبنان على دعم دولي، في ظل هيمنة جماعة حزب الله الموالية لإيران على الحكومة، حيث تصنف معظم الدول الغربية تلك الجماعة كمنظمة إرهابية.
كما يستبعدون حصوله لبنان على برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، إلا بعد إصلاحات سياسية تخفف معارضة الدول الكبرى لدور حزب الله في الحكومة.
ويعاني لبنان أيضا من توقف ودائع المغتربين اللبنانيين، التي كانت مصدرا أساسيا لإدامة الاقتصاد، وذلك بسبب توقف المصارف اللبنانية عن السماح لهم بسحب أموالهم، بدعوى انعدام السيولة.
ويرى محللون أن انشغال جميع دول العالم بأزمة اقتصادية عالمية كبيرة نتيجة تداعيات تفشي فايروس كورونا المستجد، يفاقم انعدام فرص حصوله على الدعم الدولي.
أما في الجانب الفني، فإن أحد أبرز الأجزاء المثيرة للخلاف في مسودة خطة إعادة هيكلة الديون، يتمثل في الإشارة إلى “مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين”.
وقال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري هذا الأسبوع إن ودائع الناس في البنوك “من المقدسات” ويجب عدم المساس بها.
ويشير الخطاب المرسل من هوليهان لوكي إلى أنه “قبل أن نطلب من الجمهور مباشرة تحمل المسؤولية عن أي جانب من هذه المشكلة، يجب إعداد تدقيق تاريخي كامل ومستقل للنفقات والأوضاع المالية الحكومية وإتاحته أمام الرأي العام”.
في المقابل، وصف ستيفن رايشولد، مدير المحفظة في ستون هاربور انفستمنت بارتنرز، الخطة بأنها “مخطط أساسي جاد”.
وقال “بخطة كهذه يمكنك أن تشرك صندوق النقد. وضع الدين على مسار مستدام، إعادة هيكلة جميع المؤسسات الرئيسية، تنظيف رؤوس أموال البنوك بالكامل، استحداث سعر صرف مرن، إصلاح شركة الكهرباء، جميعها أشياء ستكون ضمن قائمة متطلبات صندوق النقد على الأرجح”.
وهوت سندات لبنان إلى نحو 15 إلى 19 سنتا للدولار خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تلقي اضطرابات السوق العالمية بظلالها على فرص استرداد القيمة بالنسبة للدائنين.
وقال نيك إيسينجر، من قسم أدوات الدخل الثابت للأسواق الناشئة لدى فانغارد، التي تخفض الوزن النسبي للبنان في محفظتها قليلا، “كنا نرى أن استرداد 25-30 سنتا سيكون تقديرا تقريبا مناسبا للسندات الدولية، لكن إذا أخذنا هذه الوثيقة على علاتها وافترضنا أنهم جادون في تنفيذ برنامج الإصلاح المعروض فيها، فإن القيمة المستردة ستكون أفضل من ذلك”.
وبناء على حسابات من واقع الخطة، قال رايشولد إنه يبدو أن الحكومة تستهدف خفضا لقيمة أصل السندات الدولية والدين المحلي بنحو 75 في المئة، وهو في حدود ما كان يتوقعه.
وكان رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب قد أعلن هذا الأسبوع أن حكومته سوف تدقق في حسابات البنك المركزي في محاولة لإبداء الشفافية مع انطلاق محادثات إعادة هيكلة مع الدائنين.
وجاءت تصريحات دياب خلال اجتماع مع مسؤولين من مجموعة دعم لبنان التي تشمل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. وجدد تعهدات حكومته بإعادة تشكيل القطاع المصرفي.
في المقابل رسم الرئيس اللبناني ميشال عون خلال ذلك الاجتماع صورة قاتمة لمستقبل لبنان، حيث رجح دخوله في أزمة غير مسبوقة تتسم بانكماش اقتصادي، ونقص حاد في العملات الأجنبية، وارتفاع البطالة والفقر وصعود في الأسعار.
وكان مصرف لبنان المركزي قد اتخذ هذا الأسبوع خطوة أولية في مسار الرضوخ لواقع الفجوة الهائلة بين سعر الليرة الرسمي وأسعارها في السوق السوداء، ليفتح الطريق أمام فك ارتباط الليرة بالدولار، الذي كان لعقود أحد الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني.
وأرسل المصرف تعميما إلى البنوك اللبنانية يسمح لها بتطبيق سعر صرف يبلغ 2600 ليرة للدولار على عمليات السحب من الحسابات الصغيرة التي تصل إلى خمسة ملايين ليرة.
ويصطدم ذلك مع تأكيد محافظ البنك المركزي رياض سلامة نهاية الأسبوع الماضي، أن لبنان ما زال يطبق سعر صرف رسمي يبلغ 1507.5 ليرة للدولار على معاملات البنوك وواردات المواد الضرورية. ويعد تثبيت سعر العملة اللبنانية منذ عقود مقابل الدولار، أحد الركائز الأساسية للاقتصاد، ويمكن أن يمثل فك ارتباط الليرة بالدولار زلزالا هائلا للنظام المصرفي اللبناني.