خطاب مكرر يكرس إفلاس أحزاب الموالاة الجزائرية

أحزاب جزائرية تقدم تنازل غير مشروط عن برامجها السياسية لصالح أي برنامج تتبناه السلطة.
الجمعة 2024/07/05
أحزاب الموالاة تركب قارب السلطة

الجزائر - أعطى مسؤول حزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة الانطباع برغبة حزبه في التخلص من مرحلة ما قبل الرئيس عبدالمجيد تبون، وكأنها ليست مرحلة من مسار الحزب الذي مارس الموالاة منذ تأسيسه منتصف تسعينات القرن الماضي، ونفس الموقف ينسحب على بقية أذرع الموالاة التي تستنسخ نفس الخطاب، مما يبقي نفس النظرة لدى الشارع تجاهها رغم حاجة السلطة إلى نفس جديد لترقيع شرخ الثقة وإلى تلافي أحد أسباب غضب الجزائريين في 2019.

وذكر الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الجزائري مصطفى ياحي، في رد على تصريحات لرموز يمينية فرنسية تجاه الجالية الجزائرية المهاجرة، بأن “الجزائريين من النساء والرجال الآن ليسوا هم من كانوا بعد 2019، لأنهم لن ينبطحوا من أجل العمل والسكن وشهادة الإقامة”، دون أن يفصح عمّا تغير بالضبط لاسيما وأن التاريخ قريب جدا.

منذ انتفاضة الحراك الشعبي في 2019، طرحت بقوة مسألة التجديد والتغيير عبر فسح المجال أمام نخب سياسية جديدة

ويخوض الحزب الموالي للسلطة حملة تعبئة للشارع الجزائري تحسبا للانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين، وقرر دعم المرشح المحتمل للسلطة، الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، الذي لم يعلن إلى حد الآن عن ترشحه رسميا لخوض الاستحقاق المذكور، رغم أن كل المؤشرات توحي بأنه سيخلف نفسه في قصر المرادية بعد السابع من شهر سبتمبر القادم.

ولم يغير الحزب الذي يوصف بأنه ولد “بشواربه” منتصف تسعينات القرن الماضي لما اكتسح حينها الانتخابات النيابية بدعم من السلطة، خطاب الموالاة منذ ولادته إلى غاية الآن، رغم تغير رموز السلطة بداية من الرئيس السابق اليامين زروال، إلى غاية الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، ومرورا بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

واستغل مصطفى ياحي فرصة الانتخابات التشريعية الفرنسية وصعود اليمين المتطرف لدغدغة عواطف الجزائريين لاسيما أفراد الجالية، بتسويق خطاب قومي يبدو أن أذرع الموالاة لم تجد غيره لتعبئة الشارع الجزائري للانخراط في الاستحقاق القادم، رغم الإجماع على ضرورة التجديد وضخ دماء جديدة، تقطع مع ممارسات الحقبة السابقة، خاصة وأن السلطة التي تسوق لـ”جزائر جديدة”، لا زالت تستند على وسائل قديمة بما في ذلك الأذرع الحزبية والأهلية ونوعية ومحتوى الخطاب السياسي.

وذكر المتحدث في مداخلته بأن “أجداد اليمينيين هم من ارتكبوا الإبادات والمجازر في حق الجزائريين إبان الثورة التحريرية”، وتساءل: من بنى فرنسا؟، “ألم يكونوا في الماضي يستقبلوننا في باريس وغيرها للبناء، ألم يكن الحديد والإسمنت الجزائري يذهبان إلى فرنسا التي بنيت بسواعد الجزائريين”، في إشارة لاستغلال الإدارة الاستعمارية للموارد والعمالة الجزائرية في تشييد المرافق والبنى التحتية.

ومن القوميين إلى الإسلاميين ومرورا بالديمقراطيين، فإن أطياف الموالاة الجزائرية التي اختارت ركوب قارب السلطة، تجمع على دعم وتبني الأخيرة، دون تقديم مبررات لذلك، حتى ولو كان مسارا متناقضا كما كان بين سلطة التسعينات وبين بداية الألفية، فقد كانت متشددة تجاه الإرهاب والإسلام السياسي لمّا كانت السلطة متشددة، وصارت معتدلة وتصالحية لمّا تبنت السلطة مشروع المصالحة الوطنية.

وفاقم هذا الموقف حدة النفور الشعبي من الأداء السياسي لتيار الموالاة، كما وسّع الهوة بينه وبين كل ما يرمز للسلطة، وهو ما أدىإ لى تسجيل نسب مشاركة ضعيفة جدا في الاستحقاقات الانتخابية في العقود الأخيرة، الأمر الذي جعلها تستنفر قواها لإقناع الجزائريين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، بدل إقناعه ببرامجها السياسية.

ويعد حزب الكرامة واحدا من النماذج التي اعتمدت نهج مجاملة السلطة منذ تأسيسه العام 2012، فقد كان أمينه العام الأول محمد بن حمو، مدافعا شرسا عن كل ما هو مرتبط بالرئيس الراحل بوتفليقة، بما في ذلك فرضية ترشيح مستشاره وشقيقه سعيد المسجون حاليا لرئاسة الجمهورية، أما الأمين العام الحالي محمد الدواي، فينتهج نفس النهج مع الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، ويرافع لصالح كل ما يصدر عن السلطة.

الحزب الموالي للسلطة يخوض حملة تعبئة للشارع الجزائري تحسبا للانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين وقرر دعم المرشح المحتمل للسلطة الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون

ولا زال الشارع الجزائري، يتذكر منذ سنوات قليلة فقط كيف انخرطت حركة البناء الوطني بقيادة عبدالقادر بن قرينة، في دعم الولاية الخامسة للرئيس الراحل بوتفليقة، وكيف يتملص حاليا من تركة المرحلة ويرتمي في أحضان السلطة القائمة، ودعمه غير المشروط لعبدالمجيد تبون، الذي نافسه في انتخابات العام 2019.

ومنذ انتفاضة الحراك الشعبي في 2019، طرحت بقوة مسألة التجديد والتغيير عبر فسح المجال أمام نخب سياسية وحزبية جديدة، بمن فيها تلك التي تريد دعم السلطة، إذا أرادت الأخيرة القطع مع المرحلة السابقة، غير أن تبني أسلوب الانغلاق حال دون تحقيق ذلك، وبذلك تمت العودة إلى نفس الأذرع التي كانت محل غضب ومطالب التظاهرات الشعبية بحل ورحيل أحزاب السلطة، بما فيها تلك التي كانت تقود التحالف الرئاسي، وهي التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم، وباقي التشكيلات المجهرية الأخرى.

وإلى غاية الآن عجزت أحزاب الموالاة الجزائرية عن إنتاج خطاب متجدد يتماشى مع رغبة السلطة في الظهور بثوب جديد، فرغم الفوارق التي سجلت بين حكام البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أن الموالاة تبقى ثابتة على خط واحد، وهو ما أفقدها مصداقيتها وقدرتها على تعبئة الشارع، وجعلها تساهم في توسيع الهوة بين الشارع والسلطة.

ولم يكن للرأي العام القدرة على تمييز أيّ منها من خلال برامجها السياسية، بعد تنازلها غير المشروط عن برامجها لصالح أي برنامج تتبناه السلطة، فما يهمها هو التموقع والفوز بجزء من الكعكة التي تقسم في أعقاب كل استحقاق انتخابي.

4