خطاب "الممانعة" وهيستيريا الصهيونية العالمية

جبهات الممانعة ترفض الحوار مع الكيان الصهيوني ولكنها تصوره إلها متحكما بكل شيء في المنطقة والعالم. ترفض التطبيع معه ولكنها تتماهى مع فكره المؤامراتي الذي تشيد دوما بنجاحاته.
الخميس 2019/02/28
جبهات الممانعة ترفض الحوار مع الكيان الصهيوني ولكنها تصوره إلها متحكما بكل شيء في المنطقة والعالم

خائن كل إعلام لا يعتبر القضية الفلسطينية قضيته المحورية، صهيوني كل من يقارب بين إيران وإسرائيل في العداء للمنطقة العربية، عميل من لا يعترف بالصهيونية سببا لكل أزمة وبلاء ومشكلة في المنطقة. هذه هي حوامل الخطاب الإعلامي لدول “الممانعة” وهذه هي منصات إطلاق شاشات وأقلام تلك الدول ضد ما يسمونه بالإعلام الذي يمهد للتطبيع مع إسرائيل وتشكيل رأي عام إيجابي نحوها.

التمعّن في هذه الحوامل بات ضروريا بعد عقود من الصراع العربي الإسرائيلي، إن لم يكن لقناعة بالمتغيّرات التي طرأت عليه، فمكاشفة ومصارحة مع جمهور يعتقد أن خطاب الممانعة يعرض له الحقائق وليس يبيعه الأوهام.

القضية الفلسطينية لا تزال محورية بالنسبة لجميع الدول العربية، ولكن ما تغيّر هو آلية التعامل معها، سياسيا وإعلاميا، بحكم تغيّر مفرداتها وأدواتها بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم خلال العقود الماضية، فتحوّلوا من الكفاح المسلّح إلى الكفاح الدبلوماسي والسلمي بعدما صافحوا الإسرائيليين واعترفوا بدولتهم في اتفاقية أوسلو عام 1993. عندما يتغيّر خطاب القضية لدى أصحابها استجابة لمتغيّرات دولية وإقليمية وعربية وحتى فلسطينية، يصبح تمسّك غير الفلسطينيين بخطاب خشبي حول زوال إسرائيل نوع من أنواع “الدونكيشوتية” التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

بالنسبة لمحور الممانعة لا تزال القضية الفلسطينية خاسرة، والسبب الوحيد في هذه الخسارة هو الصهيونية العالمية التي تسيطر على كوكب الأرض بجغرافيته ومخلوقاته، وبالتالي من البديهي أن تكون الصهيونية السبب في تفكك الوطن العربي وتردّي أوضاع دوله وشعوبه، وحتى تصحر الأراضي وقلة الأمطار والكوارث الطبيعية فيه.

وفقا لهذه “الممانعة”، فإن قيام ثورات الربيع العربي وفشلها هو صنيعة الصهيونية العالمية أيضا، فهي تتلاعب بالمنطقة كالدمى ولا يستعصي على قدرتها الكلية شيء، وما قناعة الكثير من الدول العربية بأن إيران تمثّل عدوّا للمنطقة لا يقل خطورة عن العدوّ الإسرائيلي إلا رجس من عمل الصهيونية.

خطاب الممانعة الذي بات يصاغُ في طهران ويتردد صداه في العراق وسوريا ولبنان وغزة، ظل يهدد إسرائيل بالموت لسنوات طويلة، حتى باتت دول الممانعة وأذرعها العسكرية والسياسية تصنّف على قوائم الإرهاب العالمية، فسارعوا إلى التنصل من خطابهم هذا والاعتذار بشكل غير مباشر عن سوء فهم مفرداتهم.

حتى إعلان الحرب المقدسة على إسرائيل تراجعت عنه جبهات الممانعة، وتحولت إلى موقع الدفاع، فترى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كل مقابلة تلفزيونية أو خطاب يلقيه مؤخرا يؤكد أن المبادرة في الحرب لن تكون من قبلهم، ولكنهم مستعدون للدفاع عن أنفسهم إذا ما تعرضوا لهجوم إسرائيلي أو تجاوز العدوّ “الخطوط الحمر”.

لا يُحسد الإيرانيون على الاضطهاد الذي يعيشونه في ظل نظام الملالي، وثورة الخميني التي تربض على صدورهم منذ عام 1979 لم تجرّ عليهم سوى العقوبات الدولية المتتالية والصدارة العالمية في أعداد الإعدامات السنوية، وقبل هذا وذاك، تحتل إيران ثلاث جزر إماراتية وهي بذلك لا تختلف عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

خمسة عقود من الحكم الأسدي في سوريا “الممانعة” لم تحمل إلا كل خير لـ”الكيان الصهيوني”. خمسة عقود ولم يُرمَ على الجولان المحتل حصاة واحدة وحق الرد الذي يحتفظ به حكام دمشق منذ 1973 بعد كل قصف أو هجوم إسرائيلي على البلاد، اكتسب معنىً واحدا لدى السوريين وهو أن “الأسود” لن يردوا أبدا.

بالنسبة لحركة حماس فحال قطاع غزة كفيل بفضح فشل هذه الحركة في إدارة الحرب مع إسرائيل، وقبل ذلك فشلها في إدارة القطاع كحركة سياسية وصلت إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع عام 2006 واستمرت فيها إلى اليوم رغم أنف الجميع.

مصائب العراق، وفقا لخطاب الممانعة طبعا، كلها ناتجة عن الصهيونية العالمية وليس بسبب الإرهاب والطائفية والانقسام والفساد، وغيرها من الأسباب الهزيلة التي للمصادفة فقط تتكاثر بشكل مهول كلما هبت رياح إيرانية على بلد عربي.

ترفض جبهات الممانعة الحوار مع الكيان الصهيوني ولكنها تصوره إلها متحكما بكل شيء في المنطقة والعالم. ترفض التطبيع معه ولكنها تتماهى مع فكره المؤامراتي الذي تشيد دوما بنجاحاته. ترفض الاعتراف بدولة الكيان ولكنها تخطب ود كل دولة حليفة لها قناعة منها أن إسرائيل تتحكم بالعالم، وهنا يبدو التساؤل مشروعا، هل يختلف خطاب الممانعة عن خطاب الانفتاح على إسرائيل؟

9