خطاب الإطراء يبقي الجزائريين في حقبة التقديس السياسي لرموز النظام

لا يزال خطاب المداهنة والإطراء المتبع من قبل السلطة، يخيّم على الساحة السياسية في الجزائر قبل أسابيع قليلة على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، حيث بالغت بعض الأطراف في “تمجيد” رموز النظام، ما أثار حسب مراقبين استياء شعبيا قد يغير واقع الشارع السياسي في الجزائر.
الجزائر - أثارت المبالغة اللافتة في أسلوب الإطراء والمداهنة لمرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية عبدالمجيد تبون، موجة من الاستياء والاشمئزاز لدى الشارع الجزائري، مما دفع بناشطين ومدونين مقربين من السلطة إلى المطالبة بسحب عبدالقادر بن قرينة، من حملة المرشح تبون، قبل أن يتحول خطابه إلى مفعول عكسي على الاستحقاق الرئاسي المحسوم.
ورفع ناشطون مستقلون ومدونون مقربون من معسكر السلطة، صوتهم للمطالبة بسحب رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة من فريق الحملة الانتخابية للمرشح المستقل عبدالمجيد تبون، على خلفية الخطاب المسيء لصورة مرشح السلطة، واعتماده على المبالغة في أسلوب المداهنة والإطراء، إلى درجة تشويه صورته وصورة المرشح والاستحقاق الانتخابي في عيون الشارع الجزائري.
وأظهر القيادي المنشق عن الحزب الإخواني الأكبر في الجزائر، قبل أن يؤسس حركة البناء الوطني العام 2012، ويشارك باسمه في انتخابات الرئاسة التي جرت العام 2019، والاستحقاقات التشريعية والمحلية التي جرت بعدها، منسوبا فائضا من خطاب المداهنة والإطراء لمرشح السلطة خلال الأيام الأخيرة من عمر الحملة الانتخابية، الأمر الذي أثار استياء حتى القوى والفعاليات المتخندقة في معسكر السلطة.
الوعاء الانتخابي للسلطة استحدث منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة أساليب مبالغا فيها في الترويج لمرشحها
واعتمد الرجل أسلوبا شعبويا يختار فيه مفرداته من المنطقة التي يزروها، أو المستوحاة من النصوص الدينية المقدسة لدى الجزائريين، على غرار أن “الشيتة”، وهي (آلة ناعمة تستعمل في تلميع الحذاء أو في الحمام، شعبة من شعب الإيمان)، والآلة تحمل رمزية التملق للمسؤول أو للمؤسسة السلطوية في المخيال الجزائري.
وضجت شبكات التواصل الاجتماعي بالتسجيل الذي استهلم فيه بن قرينة موقفه وسلوكه السياسي تجاه السلطة، من النص الديني المتمثل في حديث نبوي لرسول المسلمين (محمد صلى الله عليه وسلم)، الأمر الذي اعتبره المعلقون إساءة لدلالة النص الديني وللفعل السياسي وللمرشح نفسه، ودفع بعضهم إلى المطالبة بسحبه من فريق الحملة أو إحالته على مستشفى عقلي، في تلميح إلى جنون أصاب الرجل.
وبعدما نصح بن قرينة، منذ أشهر في أحد خطاباته الجزائريين ليكونوا مخبرين لدى المصالح الأمنية والعسكرية، بدعوى المخاطر المحدقة، اعتبر في تصريح له خلال الحملة الانتخابية الجارية، أن المداهنة شعبة من شعب الإيمان، وذهب إلى أبعد من ذلك لما ذكر بأن المساس بالمرشح تبون كالمرشح بزوجته، وهي مفردات أحالت الجزائريين على حقبة التقديس السياسي للأشخاص، لما كرم الراحل بوتفليقة الممثل حينها بلوحة فنية بلوحة مماثلة.
واستحدث الوعاء الانتخابي للسلطة منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، أساليب مبالغا فيها في الترويج لمرشحها، عبر خطب وسلوكات سياسية تفتقد للحجة في الرد على خصومها، وتعتمد على المبالغة في المداهنة والإطراء، الأمر الذي أدى إلى مفعول عكسي أدت تراكماته إلى انفجار الشارع الجزائري العام 2019 للمطالبة برحيل السلطة وتغيير النظام.
السلطة حشدت لحملة الانتخابات الرئاسية كل الإمكانيات البشرية واللوجستية وحتى السياسية لتكميم أفواه المعارضة
وعادة ما يصدر ذلك من جهات حزبية أو أهلية موالية للسلطة في محاولة للتقرب منها أو التموقع الجيد في فلكها، دون إدراك لانعكاساتها على المزاج السياسي والاجتماعي للشارع الجزائري، ورغم أن المخيال الشعبي يمقت مصطلح “الشيتة” آلة وسلوكا ومحتوى، وكثيرا ما يضع صاحبه في موقع حرج أمام أعين الشارع، إلا أن المصالح والمكاسب باتت لا تشكل حرجا لهؤلاء.
وإذا كانت تلك المظاهر من بين الأسباب التي فجرت الشارع الجزائري في 2019، وسرعت بالإطاحة بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حيث بالغت جرأة الموالين آنذاك في سلوكهم السياسي الاستفزازي للشارع، كتكريم رئيس الدولة الحاضر بلوحة تشكيلية بلوحة أخرى، أو بحصان يسلم لشخص برفع لوحة الرئيس، فإن خطاب الرئيس الحالي حول ما يصفه بـ”الجزائر الجديدة”، والقطع مع ممارسات الماضي، وأخلقة الحياة السياسية، لم يتعدّ حدود الأسوار التي ألقي فيها، وأن نفس الممارسات لا تزال قائمة، رغم خطرها وانعكاساتها السلبية على المزاج السياسي والاجتماعي للشارع الجزائري.
وسبق لبن قرينة أن دعا الجزائريين إلى العمل كـ”خبارجية” (مخبرين) لدى مصالح الأمن والجيش، بدعوى الحرص على أمن واستقرار البلاد، وعلى اليقظة الدائمة لحمايتها من الأخطار المحدقة بها، وهي دعوة مرت دون ضجيج كبير لعدم تزامنها مع أي استحقاق سياسي، لكن عودته إلى نفس الخطاب خلال الحملة الجارية وضعته في خانة الجسر الذي يربط بين حقبتين زمنيتين لنظام سياسي واحد ثابت، لا تغيير فيه كما يتردد في منابره السياسية والإعلامية.
وذهب الرجل إلى أبعد من ذلك لما انبرى في تصريح أخير له، دفاعا عن مرشحه عبدالمجيد تبون، وقال “من يمس تبون كمن يمس زوجتي”، والزوجة ترتبط في المخيال الجزائري بالشرف العائلي المقدس، الذي لا يحتمل التردد أو الخوف أو الانتظار للدفاع عنه، وأراد أن يوجه رسالة مفادها أن القداسة التي يحملها للرجل هي نفسها قداسة الشرف العائلي، لكن تأويلات ذهبت أبعد من ذلك، واستغربت تعمد الرجل حشر نفسه في مفردات ومفاصل تنقلب عليه في الغالب.
وحملة الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من شهر سبتمبر الداخل، حشدت لها السلطة كل الإمكانيات البشرية واللوجستية وحتى السياسية لتكميم أفواه المعارضة، من أجل تمريرها بعيدا عن الاحتجاجات أو الشكوك، تتعرض الآن إلى نيران صديقة ناعمة تؤدي مفعولا عكسيا عليها، خاصة على الفئات المتواجدة في منطقة الوسط، بين الموالاة وبين المعارضة، والتي سيتبلور موقفها بناء على خطاب المداهنة والإطراء الذي يثبت أنه لا شيء تغير في سلوكات النظام السياسي وزبائنه.
اقرأ أيضاً: