خصم عشرة في المئة

يحتاج العشاق إلى من يواسيهم، فبقدر ما يكون العاشق قويا في لحظة قبضه على خياله الجمالي بقدر ما يكون ضعيفا وهو يواجه الواقع الذي لا يعترف إلا بالمعادلات المنطقية.
تقول أم كلثوم “دي أجمل كلمة في الدنيا حبيبي/ بقولها لك وبرضو مش كفاية”. بالنسبة إليها كلمة حبيبي ذات حمولة عاطفية ضخمة ولكنها لا تكفي.
أما حين وضعت نجاة الصغيرة قاموسا يبدأ بسلّم الأسماء لترى من خلاله تيه غرامها “أحلى كلمة حب قالتها شفايفي هي اسمك” فعلينا أن نصدقها وهي تعترف أن الحب عذاب.
في عام 1967 غنى عبدالحليم حافظ ” أقول أحبك أعيش أحبك” وفيها يقول “والكلمة اللي أنا عايش فيها/ راح أذوّب كل الشوق فيها/ وح أقولها وأعيدها وأغنيها/ ح أقول أحبك وأعيش أحبك/ أحبك يا حياة قلبي”.
كم مرة يحتاج العاشق إلى أن يقول “أحبك” لكي يصدّق نفسه قبل أن يصدّقه الآخرون؟
أسمع صوت وديع الصافي وهو ينشد على شاطئ الروشة ببيروت “على رمش عيونها قابلت هوى/ طار عقلي مني وقلبي هوى/ وأنا يلي كنت طبيب الهوى/ ولأهل العشق ببيع الدوا/ من نظرة لقيتني صريع الهوى” ولكن محمد عبدالمطلب يقول “حبيتك وبحبك وحاحبك على طول/ مش خاين وانسيتك زي أنت ما بيتقول”، إلحاح وعناد تفسره أمينة فاخت بطريقة مختلفة “وحياتك يا حبيبي ريح قلبي معاك/ غلب الحب معايا واتعبت تعب الشوق وياك”، وفيها تقول “متفوتنيش أنا وحدي أفضل أحاير فيك/ ما تخليش الدنيا تلعب فيا وفيك”، وليس من الضروري أن يكون العاشق عارفا بما يحدث له وحوله.
تقول فائزة أحمد “يما يا هوايا يما يا هوايا / الهوى بعثر ظفايري إيه قصدو معايا”، تلك الفتاة الريفية التي عثر عليها عبدالرحمن الابنودي وهو شاعر الأغنية كان قد كتب من أجلها في ما بعد “الهوا هوايا” لحليم و”مال عليا مال” لفائزة أحمد و”طبعا أحباب” لوردة.
هل يحتاج الحب إلى تفسير حين يقع؟ ذات صباح التقيت في مطار الدار البيضاء ببائعة هي من أشد الفتيات فتكا بجمالها. ما أن طلبت منها أن تدلني إلى جديد باكورابان من العطور حتى قالت “أنت عراقي. أرجوك سلم لي على حميد منصور” “لكن لمَ حميد منصور؟” صارت تغني “يم داركم/ صدفة وأخذني الدرب من يم داركم/ والتمت بروحي المحنة واشتهيت أخباركم/ ما ذكرت عايفكم وعفتوني/ رد من جديد الشوق بين عيوني/ لوما أحس اعبرت عتبة داركم” حين رأت الفتاة عينيّ وقد اغرورقتا بالدموع احتضنتني وقالت “لديّ خصم عشرة في المئة هو لك اليوم”.