خروج سجناء جدد لا يليّن موقف المعارضة المصرية من الحوار الوطني

الإفراج يضعف مناقشات تعديل قانون الحبس الاحتياطي لخلوه من سجناء رأي.
الأحد 2024/08/11
المعارضة تريد نتائج من وراء الحوار

الحكومة المصرية تفرج عن 600 سجين دفعة واحدة، لكن دون تفصيل عن هوياتهم وهل أن من بينهم سجناء رأي أو سياسيون. فالغموض يزيد من شكوك المعارضة التي ترى أن المسالة ليست في إطلاق السجناء وإنما تتعلق بارتباطها بمسار الإصلاحات وجدية الحكومة في ذلك.

القاهرة - ضاعفت الحكومة المصرية من أعداد المفرج عنهم من المحبوسين في قضايا مختلفة من خلال لجنة العفو الرئاسي، لكن ذلك لم يحقق أهدافه السياسية المرجوة بتليين مواقف قوى معارضة تجاه العودة للمشاركة في جلسات الحوار الوطني، بالتوازي مع مناقشة تعديل قانون الحبس الاحتياطي، وما تزال الحركة المدنية المعارضة تتهم الحكومة بالانتقائية في اختيار من يتم الإفراج عنهم.

وقرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي العفو عن 600 من السجناء المحكوم عليهم في قضايا مختلفة، وأغلبهم من الرجال والنساء، تفعيلا للصلاحيات الدستورية الممنوحة له، وفي إطار الاهتمام والمتابعة للظروف الإنسانية للمحكوم عليهم.

وتوظف القاهرة الإفراج عن السجناء وزيادة أعدادهم، في محاولة غلق ملف الحبس الاحتياطي من خلال جلسات الحوار الوطني، تمهيدا لتقديم تقرير رابع لآلية المراجعة الدورية الشاملة، التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي بجنيف، قبل أكتوبر المقبل، حيث لا ترغب أن تتعرض الدولة لانتقادات جديدة بهذا الملف.

وشكك حقوقيون في الجدوى السياسية لما تقوم به لجنة العفو الرئاسي للإيحاء بوجود إصلاحات حقوقية، بدعوى أن الإفراجات التي تم الإعلان عنها، الخميس، دون المستوى المطلوب، ولم تتضمن شخصيات لامعة أو نشطاء سياسيين بما يمهد لتغيير واقع الحريات، بالتوازي مع جلسات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي.

وأعيد تشكيل لجنة العفو قبل عامين، مع انطلاق الحوار الوطني، وساهمت بقرارات رئاسية وقضائية في الإفراج عن المئات من الأشخاص، قبل الدفعة الأخيرة التي شملت 600 سجين، ليصل العدد إلى ألفي شخص، بينهم عدد من السياسيين والنشطاء البارزين. وأخلت نيابة أمن الدولة المصرية سبيل 79 محبوسا على ذمة قضايا في نهاية يوليو الماضي، استجابة لمناشدة مجلس أمناء الحوار الوطني الذي وصف القرار بأنه يساعد على توفير الأجواء الإيجابية لنجاح الحوار.

لكن معضلة الإفراجات من النوع الذي تم الخميس الماضي أن غالبيتها يشمل المحكوم عليهم بأحكام نهائية، والإخلاء عن متهمين على ذمة قضايا من سلطة النيابة العامة. ويعد ملف الإفراجات من العراقيل السياسية أمام تحقيق الحوار الوطني لأهدافه، حيث تطالب قوى معارضة الإفراج عن سجناء الرأي والكف عن استهداف السياسيين، بينما تميل الحكومة نحو الإفراج عن أسماء معينة.

أحمد بهاءالدين شعبان: العبرة ليست في مناقشة الحوار الوطني لقضية الحبس الاحتياطي بل في كيفية وقف استهداف أصحاب الرأي والنشطاء
أحمد بهاءالدين شعبان: العبرة ليست في مناقشة الحوار الوطني لقضية الحبس الاحتياطي بل في كيفية وقف استهداف أصحاب الرأي والنشطاء

ولم يتضمن قرار العفو الرئاسي الأخير تفاصيل تخص المفرج عنهم من السجون، إلا أنهم كانوا يُحاكمون في قضايا جنائية، بما يوحي أن القرار لا يشمل سجناء رأي أو سياسيين، حيث اعتادت وسائل إعلام رسمية وأحزاب داعمة للسلطة في مثل هذه الحالات، إبراز الأسماء اللامعة المفرج عنها، لكن ذلك لم يحدث هذه المرة.

ويوحي الإفراج عن 600 سجين دفعة واحدة من دون الإفصاح عن خلفياتهم السياسية أن الحكومة تعمدت التشويش على هوية المفرج عنهم، وحاولت التركيز على الرقم لتنال استحسان الرأي العام وتجلب دعما اجتماعيا في مواجهة قوى معارضة أهم ما يعنيها أصحاب الخلفيات السياسية وسجناء الرأي.

وتوافق قرار العفو الرئاسي مع مشاركة واسعة من قوى سياسية متباينة في الحوار الوطني وتقديم توصيات بشأن مقترحات تعديل إجراءات الحبس الاحتياطي وتخفيفها، تمهيدا لرفعها إلى رئيس الدولة، وجرى التوافق بشكل كبير على أن يكون للحبس الاحتياطي حد أقصى حسب كل قضية، دون تحوله إلى عقوبة بديلة أو سالبة للحريات.

ويشير تركيز بعض المسؤولين في الحكومة وأعضاء في البرلمان ووسائل إعلام مؤخرا على إدخال تعديلات جذرية تخص قانون الحبس الاحتياطي إلى أن النظام المصري لديه رغبة في غلق هذا الملف بما يرضي جميع الأطراف، وكسب ثقة الرأي العام، وإقناع المنظمات الحقوقية أن القاهرة لديها إرادة للإصلاح السياسي.

واعتادت الحكومة قبل أي نقاش حيوي داخل الحوار الوطني أن تعلن عن قائمة إفراجات جديدة كي تقنع قوى المعارضة أنها جادة في اتخاذ إجراءات عملية على الأرض، في ظل تذبذب موقف الحركة المدنية المعارضة من المشاركة في جلساته، طالما لا يتم تنفيذ مطالبها المرتبطة بالإفراج عن كل سجناء الرأي أولا.

وقال رئيس الحزب الاشتراكي أحمد بهاءالدين شعبان إن الإفراجات الأخيرة لا تخص سياسيين وأصحاب الرأي، والعبرة ليست في مناقشة الحوار الوطني لقضية الحبس الاحتياطي، بل في كيفية وقف استهداف أصحاب الرأي والنشطاء الذين لا يرتكبون جرائم جنائية والكف عن حبسهم وهم لا يشكلون أيّ خطورة على الأمن.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحركة المدنية مستمرة في الاعتذار عن عدم المشاركة في الحوار، ولو كان يناقش قضية الحبس كمطلب للمعارضة، لأن وقائع الحبس الاحتياطي مستمرة، بالتزامن مع انعقاد جلسات الحوار، وهذا في حد ذاته رسالة سلبية تفيد بأنه لا توجد جدية كافية لحسم الأمر، وهذا لا يليق بمصر.

◙ حقوقيون يشككون في جدوى ما تقوم به لجنة العفو الرئاسي للإيحاء بوجود إصلاحات، بدعوى أن الإفراجات دون المستوى

ولفت إلى عدم وجود ميزة سياسية من استمرار الحبس الاحتياطي للمتهمين في قضايا رأي، فلماذا لا تتم محاكمتهم أو الإفراج عنهم سريعا، لأن هذه التصرفات لا تصبّ في مصلحة صورة الدولة وتترك انعكاسات وروافد سلبية.

ويتوقف مقدار السخونة في الحوار الوطني على حجم المفرج عنهم وخلفياتهم السياسية والقضايا التي كانوا يُحاكمون فيها، خاصة إذا كان النقاش يخص المحور السياسي الذي تعتبره قوى معارضة الاختبار الحقيقي الذي يثبت مدى جدية الحكومة في إحداث التغيير المطلوب، ما يجعل الإفراجات ونوعيتها محل أخذ ورد بين الطرفين.

ولا يؤدي العفو الذي لا يتضمن نشطاء وسياسيين ومحبوسين في قضايا رأي إلى تغيير في نظرة المعارضة تجاه الحوار، ومن المهم أن ينعكس ذلك على تحسن المناخ العام للحريات، وقد تحقق نتائج سياسية أخرى تتعلق بالشارع الذي لا يعنيه هوية المفرج عنهم، بقدر ما يرغب في زيادة أعدادهم، بعيدا عن هوياتهم.

وتتمسك السلطات المصرية بأن يكون العفو عن السجناء، ليس قاصرا على النشطاء والحقوقيين والسياسيين، ويضم كل من يستحق الإفراج عنه دون التفات إلى الظروف التي قادته إلى السجن، وليس بالضرورة أن تكون للقضية جوانب سياسية.

ويقول معارضون إذا أرادت الحكومة نجاح الحوار وتحقيق أهدافه عليها أن تتحلى بجرأة أكبر وتفرج عن شخصيات كبيرة من المحبوسين في قضايا سياسية، ولا تتعامل مع الأمر على أنه إذا فعلت ذلك تبدو ضعيفة وترضخ للضغوط الداخلية والخارجية.

وهناك جهات قريبة من الحكومة مقتنعة أن أيّ زخم سياسي يتطلب قدرا من الاستجابة لمطالب المعارضة، طالما لا تشكل خطورة على الأمن القومي، ولا قيمة من استمرار الحبس الاحتياطي بصورته الراهنة وتحوله إلى عقوبة تجلب منغصات سياسية للدولة، مع أن تعديله سوف يرضي جميع الأطراف.

3