خرافة التطبيع الثقافي

الاثنين 2016/03/14

تجدد مؤخرا السجال حول التطبيع الثقافي مع إسرائيل، بمناسبة الإعلان عن ترجمة رواية للجزائرية أحلام مستغانمي إلى العبرية، وكانت قد ترجمت قبلها رواية للجزائري واسيني الأعرج إلى العبرية، وتمّ تبادل الاتهامات بين أحلام وواسيني ومن سرب خبر الشروع في الإعداد للترجمة إلى الإعلام، وعن “خيانة” محتملة للأمانة أو الصداقة.

وسبق أن أثير سجال مماثل قبل سنوات حين ترجمت كتب من العبرية إلى العربيّة وصدرت عن دور نشر عربية (الجمل، مدارك)، واتّهم أصحابها بأنهم من دعاة التطبيع والممهّدين له، وقد وصل التطرّف ببعضهم إلى شيطنتهم وتخوينهم، من دون أن يكون هنالك أيّ تفكير بالتفريق بين الصهيونيّة واللغة العبريّة.

حلا للبعض التنظير والمبالغة بتصوير كيفيّة استدراج أدباء أو كتاب عرب إلى فخّ التطبيع عبر ترجمة أعمالهم إلى اللغة العبريّة، وتأثير ذلك في بلورة ثقافة تطبيع بالتقادم، وكيف يساهم فيها المثقّف إلى جانب القوى الاقتصاديّة والسياسيّة المنساقة إلى التطبيع والمندرجة في مداراته.

هناك من يؤكد استحالة التفريق بين العدو ولغته، ويحمل اللغة أعباء العداء ويتمادى في استعدائها، ويتناسى مقولة “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”، وينسى كذلك دور اللغة في تشكيل جسور تواصل وتعريف الآخر بالقضايا والهموم والتواريخ، وربّما تشكيل صدمة له بتقديم حقائق تخالف ما تمّ دسّه في ذهنه عبر التراكم.

كما أن هناك من يزايد على الفلسطينيين في الانتصار للقضية الفلسطينية، وكأنّ التطرّف أو التعصب في الاستعداء ينصف المظلوم، ويستعيد الحقوق المستلبة، في الوقت الذي ينطلق موقفه التعصبي من ذهنية الانغلاق ويكون مسكونا بوساوس الغزو الثقافي، تلك التي تعكس عدم ثقة بالنفس وشكّا بالقدرات والكفاءات وبأصالة اللغة والفكر والهوية والثقافة. وقد يصل بهم الأمر إلى دعوة الفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون على أرضهم في القدس وغيرها من المدن المحتلة إلى احتراف لغة الصمت، في الوقت الذي يفترض أن تكون لغة الآخر سلاحا للمرء في اختراق ذهنيّة أتباعه ومحاولة التأثير فيهم، ومخاطبتهم بلغتهم والتعبير عمّا يجب أن يسمعوه من آراء.

لا يخفى أنّه يتمّ تدريس اللغة العبريّة في عدد من الدول العربيّة، كما أنّ اللغة العبرية موجودة قبل نشوء الكيان الإسرائيليّ، وستبقى بعد اندثار هذا الكيان، وأي توحيد بينهما يخرج الأمر من سياقه، ويتسبب بالاندفاع وراء التعمية التي يفرضها التعصّب، ولا يمكن عبرها تحقيق أيّ مكاسب في أيّ مجال من المجالات.

دعاة التقوقع على الذات، والاحتماء بالجهل أو بجدران الحماية المتوهّمة لا يكتفون بالإساءة إلى الآخرين، بل يسيئون إلى القضايا العادلة التي يزعمون دفاعهم عنها، فكيف يمكن معاداة لغة تعود لآلاف السنين، وثقافة لها جوانب إنسانيّة، بذريعة أنّ مجرمين اعتمدوها لغة رسميّة لهم بعد اغتصابهم أرض غيرهم بالقوة والاحتيال؟

كاتب من سوريا

15