خبراء سعوديون يناقشون في مكتبة الملك عبدالعزيز مخاطر رقمنة الإنسان

الرياض - ناقش اللقاء الثقافي الذي نظمته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض أمس، بعنوان “رقمنة الإنسان: الأنماط والسلوكيات والعلاقات الاجتماعية في الزمن الرقمي”، الإدمان الرقمي، والأضرار الجسدية المباشرة التي تحدثها التقنية على الإنسان والأجيال الناشئة بشكل خاص.
ويأتي هذا اللقاء في ظل تزايد الحضور والإقبال على الفضاء الرقمي بشكل واسع، حتى أنه تخلل كل تفاصيل الحياة اليومية لكل الشرائح، ما يطرح اليوم على المجتمع وعلى علماء الاجتماع بالخصوص جملة من التحديات لتوفير الدراسات العلمية والأكاديمية والحلقات النقاشية الضرورية التي يمكن الاستئناس بها، لوضع السياسات والإستراتيجيات أو اتخاذ إجراءات للتوقي من الظواهر الرقمية السلبية على غرار العنف الرقمي والإدمان والتنمر وغيرها من السلوكات، وتثمين أخرى إيجابية يمكن دعمها وتشجيعها.
واستضاف اللقاء الخبير في السلوك الإنساني الدكتور فهد بن صالح العريفي، الذي أكد بضرورة علاج الإدمان الرقمي، وفتح مراكز صحية في هذا المجال، حيث أدت رقمنة الإنسان إلى ظهور أمراض جسدية ونفسية متعددة، منها: التهابات رقبة التقنية، والتشتت، وضعف الذاكرة .
تبرز مشكلة الاستخدام المفرط للتقنية الرقمية، من ضمن قائمة طويلة من المعوقات والمشاكل التي تطبع الحياة اليومية وتشكل العلاقات الجماعية وخاصة العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، مع ما تسببه من تداعيات على الصحة النفسية والعقلية والجسدية، حيث لا يمكن تلافيها ولا يمكن أيضاً التعامل معها بحزم. صار واضحا بشكل جلي وللجميع بأن الإدمان أو الاستخدام المفرط لأجهزة التقنية الرقمية من قبل الطفل، يرتبط بالسمنة والسلوك العدواني واضطرابات النوم، ومشاكل الانتباه وربما الضعف في الأداء الأكاديمي.
وأشار الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله البواردي، المختص باللغة وتحليل الخطاب بجامعة الملك سعود مدير اللقاء، إلى أن أجهزة التقنية تسهم سلبيًا في الضعف اللغوي وقلة الحصيلة اللغوية.
وهذا واقع يمكن ملاحظته بشكل كبير في الفئات التي تستعمل التكنولوجيا بإفراط، إذ يؤثر ذلك على لغتها سواء في الكتابة أو النطق أو الوعي باللغة بصفة عامة.
وتضمن اللقاء الذي أقيم في فرع الخدمات وقاعات الاطلاع بخريص وحضره جمهور من المتابعين والمهتمين، عدة محاور هي: مدى تأثر هوية الإنسان بهذه الرقمنة لتنفصل عن وجودها الثقافي والتاريخي والاجتماعي، وقدرة الآلة الرقمية على استدراج الإنسان لتعيد تشكيل شخصيته، وهل ارتبطت حياة الإنسان بالزمن الرقمي تيسيرا لحياته وتحقيقا لسعادته.
وتناول اللقاء الأضرار الجسدية المباشرة التي تحدثها التقنية والتمادي في استعمالها وهو الحال الذي بات منتشرا اليوم، حيث تحدث أضرارا في الرقبة والرأس واليدين والعينين، وهناك أضرار تحدث بما يسمى (رقبة التقنية) على حد تعبير الدكتور العريفي الذي رأى أن الإنسان المتسمر طوال الوقت مع الموبايل تحدث له أضرار، ويصاب بـ “الشبكية”، وأن هناك أطفالا وشبابا تحدث لهم تغيرات في الشبكية كأن أعمارهم 60-70 عاما، واستعمال الموبايل بكثرة يعطي اللون الأزرق، ويحدث ارتباكًا في النوم، كما أنه يؤثر سلبا على التنفس.
وأوضح العريفي أن تدفق المعلومات الهائل يشتت الوعي ويضعف الذاكرة، ونحن نتعرض إلى أكثر من 100 ألف معلومة يوميا، وفي الأسبوع الواحد كمية المعلومات التي نحصل عليها تملأ ذاكرة “لاب توب” ولذا صدر مصطلح “العماء المعلوماتي” الذي يجعلنا نرتبك في إرسال المعلومات، ذلك لأننا نحمل الذاكرة بمعلومات مجهِدة.
وأضاف الخبير في السلوك الإنساني “عبر الرنين المغناطيسي الوظيفي أصبحنا نرى العقل وهو يعمل وبدأنا نشرّح الدماغ، ونحن نتفاعل كيميائيا مع المعلومات لكننا نفقد أدمغتنا، وهذا أثَّر سلبًا علينا عاطفيًا وجعلنا نعاني من حالة القلق، واتسعت دائرة المعرفة والتواصل من أهل الحارة، إلى المستوى العالمي”.
واختُتم اللقاء بالدعوة لمعالجة الإدمان الرقمي وضرورة التخفيف من حالة الضجيج في الدماغ عبر العديد من الأساليب من بينها التقليل من استخدام الأطفال المفرط للموبايل والتابليت واللاب توب، لأن هذا كله يؤثر بالسلب ذهنيًا وعقليًا، ويقلص من فهم المشاعر وحصيلة القدرة اللغوية.
وقد وجه نائب المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الدكتور عبدالكريم الزيد الشكر للضيفين، مشيرا إلى أهمية مثل هذه اللقاءات الثقافية التي تقرأ الواقع التقني، ورأى أن مصطلح -عن بعد- يتعمق، وأن العالم يتجه إلى مسار خطر جدا مع وجود الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتسارعة التي لا نعرف أين ستصل بنا، وإلى أي مكان في العالم، محذرًا من خطورة فقد الكثير من خصائصنا الإنسانية داعيًا إلى المحافظة على بشريتنا.