خامنئي يغيب عن الأنظار ويفتح باب تساؤلات حول السلطة في إيران

صمت المرشد الإيراني العلني يثير تكهنات وشكوكا حول مشاركته في القرارات وإشرافه على البلاد ووضعه الصحي وحتى بقائه على قيد الحياة.
الخميس 2025/06/26
إيران بلا مرشد منذ أسبوع

واشنطن – كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" عن حالة من القلق المتزايد في الشارع الإيراني، بسبب الغياب الملحوظ للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي لم يُرَ أو يُسمع عنه علنا منذ ما يقارب الأسبوع، على الرغم من الأزمة الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

وبحسب تقرير للصحيفة الأميركية، قد أثار هذا الغياب دهشة الجميع، من المطلعين على الشأن السياسي إلى عامة الناس.

ولفتت الصحيفة إلى تصريح مهدي فضائلي، رئيس مكتب أرشيف خامنئي، الذي لم يقدم إجابة مباشرة حول هذا التساؤل، مشيرا إلى أنه تلقى هو الآخر العديد من الاستفسارات من مسؤولين وآخرين قلقين على (خامنئي) بعد حملة القصف العنيفة التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة، قائلا "علينا جميعا أن ندعو".

وأضاف أن "المسؤولين عن حماية المرشد الأعلى يؤدون واجبهم على أكمل وجه.. إن شاء الله، سيحتفل شعبنا بالنصر إلى جانب قائده".

وفي الأيام القليلة الماضية، حين قصفت الولايات المتحدة ثلاث منشآت نووية إيرانية، وردت إيران بإطلاق صواريخ بالستية على قاعدة العيديد الأميركية في قطر، واتفقت إيران وإسرائيل على وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ صباح الثلاثاء.

وظل خامنئي - الذي يقول المسؤولون إنه كان يحتمي في مخبأ محصن ويمتنع عن التواصل الإلكتروني لمنع محاولات اغتياله - غائبا، ولم يصدر أي تصريحات عامة أو رسائل مسجلة.

وقال محسن خليفة، رئيس تحرير صحيفة "خانمان"، بقوله "غياب خامنئي الذي استمر لأيام جعلنا جميعًا، نحن الذين نحبه، قلقين للغاية".

وأضاف خليفة، معترفا بإمكانية أن هذا الأمر كان يبدو غير وارد قبل أسبوعين، أنه لو كان خامنئي ميتا، فإن موكب جنازته سيكون "الأكثر مجدا وتاريخية".

ولفتت الصحيفة إلى أنه بصفته المرشد الأعلى، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، يتوقع منه الموافقة على أي قرار عسكري هام كالهجوم على القاعدة الأميركية أو اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مشيرة إلى أنه يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي طلبه الرئيس ترامب وتوسط فيه أمير قطر، قد تم التوصل إليه بسرعة.

ومع ذلك، ظل كبار القادة العسكريين والمسؤولين الحكوميين متحفظين بشأن ما إذا كانوا قد التقوا أو تحدثوا مع خامنئي في الأيام الأخيرة.

وأثار صمته العلني موجة من التكهنات والشكوك: إلى أي مدى كان خامنئي مُشاركًا في القرارات الأخيرة، بالنظر إلى الصعوبات أو التأخيرات المُحتملة في الوصول إليه؟ هل لا يزال يُشرف على العمليات اليومية للبلاد؟ هل هو مُصاب، أو مريض، أو حتى على قيد الحياة؟

‎ونقلت الصحيفة الأميركية عن حمزة صفوي، المحلل السياسي وابن الجنرال يحيى صفوي، قائد الحرس الثوري الإسلامي والمستشار العسكري الأعلى لخامنئي، قوله إن مسؤولي الأمن الإيرانيين يعتقدون أن إسرائيل قد تحاول اغتيال خامنئي، حتى خلال وقف إطلاق النار. ولذلك، كما قال، يطبقون إجراءات أمنية مشددة، بما في ذلك تقييد التواصل مع العالم الخارجي.

وقال "هناك رؤية براغماتية سائدة لإدارة البلاد للخروج من هذه الأزمة"، من خلال تمكين قادة آخرين، مثل الرئيس مسعود بزشكيان.

ومع ذلك، قال صفوي إنه يعتقد أن خامنئي يدلي بدلوه في القرارات الرئيسية عن بعد.

وفي غضون ذلك، يقول بعض أنصار خامنئي على وسائل التواصل الاجتماعي، إنهم لا يشعرون بانتصار إيران في الحرب ضد إسرائيل إلا بعد رؤية المرشد الأعلى أو سماعه.

وكشف أربعة مسؤولين إيرانيين كبار، مطلعين على مناقشات السياسة الحالية في الحكومة، إنه في غياب خامنئي، كان السياسيون والقادة العسكريون يشكلون تحالفات ويتنافسون على السلطة.

وتختلف رؤى هذه الفصائل حول كيفية مضي إيران قدما في برنامجها النووي، ومفاوضاتها مع الولايات المتحدة، والأزمة مع إسرائيل.

وأوضح المسؤولون الأربعة أن الفصيل الذي يبدو أنه صاحب اليد العليا في الوقت الحالي يدفع باتجاه الاعتدال والدبلوماسية.

ويشمل هذا الفصيل الرئيس بزشكيان، الذي أشار علنا إلى استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة حتى بعد قصف ترامب للمنشآت النووية الإيرانية.

ومن بين حلفاء بزشكيان رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، المقرب من المرشد الأعلى، والقائد الجديد للقوات المسلحة، اللواء عبدالرحيم موسوي.

‎وفي اجتماع مجلس الوزراء الأربعاء، أشار بزشكيان، إلى أن الوقت قد حان لتغيير طريقة إدارة البلاد، وقال بزشكيان لمجلس وزرائه "لقد أتاحت الحرب ووحدة الشعب فرصة لتغيير آرائنا في الحكم وسلوك مسؤولينا. إنها فرصة ذهبية للتغيير".

وحاولت الحكومة الإيرانية ركوب موجة الحماسة القومية التي ظهرت ردًا على الغارات الجوية الإسرائيلية المدمرة، والتي يقول المسؤولون إنها أودت بحياة أكثر من 600 شخص في إيران.

وقدمت الأوركسترا الوطنية لطهران حفلًا موسيقيًا في الهواء الطلق بساحة آزادي - المعلم الرمزي المسمى "الحرية" - في طهران الثلاثاء. تلا ذلك عرض ضوئي مع صور لرجال إطفاء عُرضت على البرج المقوس في وسط الساحة.

لكن هناك فصائل أخرى تتنافس على النفوذ أيضًا، وفقًا للمسؤولين.

وانتقد فصيل محافظ منافس، بقيادة السياسي المتشدد المؤثر سعيد جليلي، الرئيس بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي علنا، مشككا في شرعية ما وصفه بوقف إطلاق النار "المفاجئ"، ومدينًا أي عودة إلى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

ومن بين هذه المجموعة المتشددون الذين يشكلون الأغلبية في البرلمان وبعض كبار قادة الحرس الثوري.

وقال فؤاد إيزادي، المحلل السياسي المحافظ المقرب من جليلي والحرس الثوري، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي إن حديث بزشكيان عن المفاوضات يُعطي انطباعًا بأن "رئيس إيران يفتقر إلى الكفاءة السياسية اللازمة لحكم البلاد".

وردّ علي أحمدنيا، رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، مُدينًا هجمات المحافظين على الرئيس ووزير الخارجية.

وكتب "ليس من المفترض أن نحارب إسرائيل ليلا نهارًا لمدة 12 يوما، ثم نتعامل الآن مع أمثالكم! أنتم منشغلون بإكمال لغز العدو بأقلامكم".

ولا تزال خطة إيران لمنشآتها النووية المتضررة تُشكّل سؤالًا يلوح في الأفق. وقد صرّح كلٌّ من وزير الخارجية، عباس عراقجي، ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، في مقابلات مع وسائل الإعلام المحلية بأن إيران ستعيد بناء برنامجها النووي وتُحييه، وستواصل تخصيب اليورانيوم.

قالت سنام وكيل، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس البحثي، إن غياب خامنئي كان ملحوظًا، ودليلًا على أن قادة إيران "حذرون للغاية ويهتمون بالأمن".

وأضافت "إذا لم نرَ خامنئي في عاشوراء"، وهو موكب ديني مهم للمسلمين الشيعة يُقام في إيران في أوائل يوليو من هذا العام، فهذه علامة سيئة. عليه أن يُظهر وجهه".