خامنئي أضعف من أن يوجه اتهامات مباشرة لتركيا وقطر بالتسبب في إسقاط الأسد

تجنب خامنئي الإشارة إلى دور تركيا في إسقاط الأسد مؤشر ضعف لإيران، التي من الواضح أنها حريصة على عدم الاحتكاك بأنقرة.
الخميس 2024/12/12
خامنئي يزج بإيران في معركة خاسرة

طهران – وجه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي سلسلة من الاتهامات المباشرة لإسرائيل والولايات المتحدة بالتسبب في سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه كشف عن مستوى جديد لتراجع القدرات الإيرانية حين تجنب الإشارة بوضوح إلى القوتين السياسية – العسكرية والسياسية – المالية، أي تركيا وقطر، كمتسببين رئيسيين ومباشرين في إسقاط الأسد.

وقال خامنئي الذي كانت بلاده من أشد الداعمين للرئيس السوري، الأربعاء، إن “مما لا شك فيه أن ما حدث في سوريا هو نتاج مخطط أميركي – صهيوني مشترك.” وأشار إلى أن “دولة جارة لسوريا لعبت ولا تزال تلعب دورا واضحا في الأحداث التي تجري في هذا البلد.” في إشارة إلى تركيا من دون أن يسمّيها.

وفي تجنب خامنئي الإشارة إلى دور تركيا في إسقاط الأسد مؤشر ضعف بالنسبة إلى إيران، التي من الواضح أنها حريصة على عدم الاحتكاك بأنقرة خوفا من تبعات ذلك على مستقبل نفوذها في المنطقة، خاصة أن تركيا باتت تتحكم بشكل مباشر عن طريق وكلائها في ما يجري في سوريا، وهو ما يعني أنها يمكن أن تقطع على إيران وأذرعها طريق الوصول إلى حزب الله، وخاصة تهريب الأسلحة.

من الصعب أن تنجح إيران في كسب ود الجماعات المسيطرة على دمشق، ليس فقط بسبب العداء المذهبي، وإنما أيضا لأن تركيا التي تحرك اللعبة، لن تقبل أي دخول إيراني أو غير إيراني

واستمرارا لتلميحاته إلى تركيا، اعتبر المرشد الأعلى في إيران أن كل “معتدٍ” على سوريا له أهدافه. وأوضح “لكلّ مَن اعتدى على سوريا هدف يسعى إليه. بعضهم يطمح إلى احتلال الأراضي في شمال سوريا أو جنوبها، وأميركا تسعى لتثبيت أقدامها في غربي آسيا.”

لكن مراقبين يرون أن محاولة خامنئي إبعاد الأنظار عن نجاح تركيا في عرقلة نفوذ إيران، والتركيز على الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف الاستمرار في سردية “محور المقاومة”، لم تعد ذات جدوى ولا تقنع حتى الإيرانيين في الداخل، في حين تكشف التقارير الإعلامية المحايدة أن هناك شراكة قطرية – تركية في إسقاط الأسد، وأن الموضوع تم الاشتغال عليه لسنوات بالتمويل والتدريب والتسليح وضبط الخطط واختيار توقيت الهجوم الحاسم.

وبحسب المراقبين فإن الأسد لم يكن يمثل هاجسا لإسرائيل حتى تخطط لاستهداف حكمه. وكان الإسرائيليون يعرفون أن الأسد مغلوب على أمره، وأنه عاجز عن إخراج الإيرانيين وأذرعهم من سوريا ولا يقدر على منعهم من تهريب الأسلحة، وهو ما يفسر تركيز الضربات الإسرائيلية على الوجود الإيراني وأنشطة حزب الله وعمليات تهريب السلاح.

وعن أسباب تجنب المسؤولين الإيرانيين اتهام قطر وتركيا، يقول المراقبون إن طهران المعزولة دوليا تعتقد أنها نجحت في كسر العزلة إقليميا وبنت تحالفات مع دول مثل قطر لتتبادل معها الزيارات والتنسيق الدبلوماسي والأمني، وفي الوقت نفسه عمل الإعلام القطري، وخاصة قناة الجزيرة، على تلميع أجندة إيران و”محور المقاومة”، وأي قطيعة مع الدوحة ستضاعف عزلة إيران.

ولذلك تُعتبر الصدمة الإيرانية مضاعفة، ولا يستطيع المسؤولون الإيرانيون أن يتهموا أقرب الحلفاء إليهم بالتآمر عليهم وتحريك الجبهة السورية وإسقاط الأسد لعزلهم.

أما بالنسبة إلى العلاقة مع تركيا فتعقيداتها الكثيرة، الجغرافية والتاريخية والمصلحية، تجعل التصعيد الإيراني ضد أنقرة أمرا مستبعدا، وقد اتضح ذلك خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية في سوريا، حيث استمرت العلاقات الثنائية على وتيرة عادية رغم تناقض الأجندات على أرض الواقع.

وبعد سقوط الأسد ونهاية حكمه الذي امتد قرابة ربع قرن، أكدت إيران أنها تعوّل على استمرار “العلاقات الودية” مع سوريا، وستعتمد “المقاربات الملائمة” حيال التطورات في البلاد.

pp

ومن المنتظر أن ترد إيران عمليا على سقوط الأسد بالسعي لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. لكن إضعاف شبكتها الإقليمية قد يجعلها أكثر استعدادا للسعي للحصول على أسلحة نووية لتعزيز أمنها. ويعد سقوط حكومة الأسد في 8 ديسمبر أحدث ضربة كبيرة لإستراتيجية الردع التي يتّبعها محور المقاومة الإيراني ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وجاء ذلك إثر ضربات إسرائيل المدمرة التي استهدفت حماس في غزة وحزب الله في لبنان. ويضيف استيلاء هيئة تحرير الشام السورية وحلفائها على سوريا مشكلة إلى طهران بشكل خاص؛ لأنها تقطع الممر البري الذي يجمع بينها وبين لبنان. ويصعّب هذا التطور على إيران إرسال أسلحة ومقاتلين إلى لبنان لدعم حزب الله والمساعدة في إعادة بناء قدرات الميليشيا الشيعية.

وخلال الأيام الأخيرة أشّرت إيران على رغبتها في تبريد التوتر بينها وبين القادة الجدد في دمشق، ما يعكس حالة الارتباك التي صارت تعيشها بعد الخسارات المتعددة التي تلقتها في غزة ولبنان وسوريا، وهي ربما تميل إلى تأجيل الخلاف بينها وبين تركيا وقطر إلى وقت آخر يكون وضعها فيه أفضل.

ويقول المسؤولون الإيرانيون إنهم كانوا على اتصال بمتمردي هيئة تحرير الشام بشأن حماية الأضرحة الشيعية والسفارة الإيرانية في سوريا. ويدل تحول اللهجة على أن طهران تحاول إيجاد طرق للعمل مع القيادة السورية الجديدة لمنع إحكام عزلتها إقليميا.

لكنّ محللين يرون أن من الصعب أن تنجح إيران في كسب ود الجماعات المسيطرة على دمشق؛ ليس فقط بسبب العداء المذهبي ومخلفات التدخل العسكري الإيراني ضد معارضي الأسد، وإنما أيضا لأن تركيا التي تحرك اللعبة، وتتحكم في القادة الجدد وتسعى لتأهيلهم، لن تقبل أي دخول إيراني أو غير إيراني، وستعمل على تحويل حكام دمشق إلى تابعين لها وورقة تفاوض بها على مكاسب أمنية واقتصادية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

أوراق اللعبة بيد تركيا
أوراق اللعبة بيد تركيا

 

اقرأ أيضا:

1