خالد هنو رسام يوثق بلوحاته الإسكندرية والتنوع الثقافي داخلها

الإسكندرية (مصر) - يقف الرسام المصري خالد هنو في شوارع الإسكندرية حاملا لوحاته عن معالم المدينة، ويسلط الضوء على مواطن جمالها التي يقول إنه يرغب في الحفاظ عليها.
اشتهر هنو بتوثيق التراث المعماري للمدينة من خلال أعماله الفنية التي صارت بمثابة أرشيف للأجيال القادمة. وللقيام بذلك يجري ابن الإسكندرية بحثا عن الموضوع الذي يريد عرضه في لوحته حتى يشكل صورة كاملة عنه ويوثقه بالرسم.
يصف هنو المدينة بأنها مصدر إلهامه الرئيسي، حيث يقول إن “الإسكندرية هي بالنسبة لي، مثل أي مبدع، المصدر الأساسي للاستلهام عندي. أتعايش مع المكان وأجلس فيه كثيرا، وأنا أساسا عاشق للمكان بشكل طبيعي. بعد ذلك أبدأ أضع نفسي في مزاج معين أختاره لنفسي، ما بين استماع لموسيقى وتأمل وقراءة كي أكون صورة كاملة للعمل الذي أعمل عليه.” وأضاف أن التنوع الثقافي داخل الإسكندرية وتعايش الناس من خلفيات مختلفة داخلها أعطاها طابعها العالمي الجميل.
وقال “الإسكندرية مدينة مختلفة عن أي مدينة في العالم، لن أقول في مصر، لأنها تتمتع بأنها عاش فيها جاليات كثيرة جدا حضروا في إسكندرية من كل الأجناس في العالم، كل هؤلاء تعايشوا في الإسكندرية.”
وتابع “حالة التعايش هذه، جعلتنا نقول إن الإسكندرية مدينة كوزموبوليتان اجتمعت فيها جنسيات كثيرة، هذا ما أعطى الإسكندرية طابعا جميلا. وهذا ما جعلها مصدر إلهام لكل المبدعين سواء كانوا أدباء أو موسيقيين أو فنانين تشكيليين.” وأضاف “هناك أماكن في الإسكندرية تم تغييرها وتغيير ملامحها، فالفنان هنا وثقها وأصبحت مع الوقت هي الموثقة لهذه الأماكن التي لم تعد موجودة.”
وخالد هنو فنان تشكيلي من مواليد العام 1968، تخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، أقام العديد من المعارض وشارك في المعارض الجماعية بداية من عام 1990، ومن أهمها معرض باتيليه الإسكندرية عرض فيه مقتنياته والتي ضمت عددا كبيرا من أعمال رواد الفن التشكيلي في مصر والعالم. لوحاته مقتناة ومعروضة لدى متحف الفن الحديث المصري ومتحف النيل بأسوان ووزارة الثقافة المصرية ومسرح سيد درويش والقنصلية العامة للبنان والتي تعد متحفا لمجموعة رائعة من أعماله.
وهو حاصل على دكتوراه في النقد الفني، كما درس الخط العربي والزخرفة الإسلامية على يد الخطاط الكبير كامل إبراهيم ودرس فن الترميم على يد الفنان الإيطالي نيكولا جاكوب. أصدرت له مكتبة الإسكندرية كتابا عن تجربته في لبنان بعنوان “لبنان بعيون سكندرية” ورسم العديد من أغلفة الكتب للهيئة العامة للكتاب.
وللفنان اهتمام كبير بتوثيق مصر والمعمار والبيئة والتاريخ المصري، وله أعمال عن الريف والقاهرة، وعملان تاريخيان هما لوحة “معركة رشيد” وتم وضعها في متحف رشيد، ولوحة “سيد درويش يقود ثورة 1919”. وهي لوحة عن تاريخ ثورة العام 1919 في الإسكندرية. لكن الإسكندرية تستحوذ على المساحة الأكبر من اهتمامه، حيث يرسم كل ما عاشه ورآه في مسقط رأسه ويوثق إسكندرية التي يعرفها.
يرسم الفنان كل ملامح المدينة ومعالمها ومظاهر الحياة فيها، تصور بعض لوحاته أماكن شعبية كثيرة في الإسكندرية كبحري وكوم الدكة وحلقة السمك، كما تصور الحياة وسط البلد وحركة الصيادين على شطآنه. وله بورتريهات لأبناء المدينة ممن خلدهم التاريخ كفانين ومبدعين في شتى المجالات ومنهم سيد درويش وبيرم التونسي ومحمد ناجي ومحمود سعيد وسيف وانلي.
يطغى على لوحاته اللون الأزرق بتدرجاتها الذي يستوحيه من زرقة المياه ومراكب الصيد الصغيرة، وكذلك درجات الأصفر التي تتحكم في الدفء المنبعث من اللوحات الراصدة للأحداث اليومية
ولأنه يرسم مدينة بحرية، فإن الأعمال يتضح فيها العمق وامتداد الشاطئ والتقاء السماء مع البحر، يظهر البحر والشواطئ بقوة، وفي حالات مختلفة، منها تجمع المصطافين تحت الشماسي المدقوقة في الرمال، أو نزولهم إلى البحر في تجمعات مرحة، بائع الفريسكا يتجول بصندوقه الخشبي على الشاطئ، كما نرى في الأعمال صورة متنوعة لمراكب الصيد سواء في أول اليوم في رحلة بدء العمل أو العودة من رحلات الصيد، وحلقة السمك والباعة والزبائن.
يطغى على لوحاته اللون الأزرق بتدرجاتها الذي يستوحيه من زرقة المياه ومراكب الصيد الصغيرة، وكذلك درجات الأصفر التي تتحكم في الدفء المنبعث من اللوحات الراصدة للأحداث اليومية.
والزمن الذي تغطيه لوحات الفنان يبدأ من سبعينات القرن الماضي إلى سنوات الألفية الجديدة، ويؤمن أن ما يرسمه ويوثقه من تغيرات معمارية واجتماعية وثقافية تحدث في الإسكندرية هو عمل مهم،” ويقول الفنان “سوف يأتي زمن ما في المستقبل ويكون ما أفعله الآن تراثا لذلك الوقت.”
وتصفه الكاتبة سوده هنو بالقول ” بفرشاة ألوان تداعب الحنين، وخطوط مميزه تعيد رسم الماضي، هكذا يروي الفنان خالد هنو حكايات الإسكندرية في لوحاته. بأسلوبه الفني الراقي والمميز الذي يجمع بين الواقعية والتعبيرية، ينقلنا خالد هنو في رحلة شيقة عبر زمن المدينة، مستحضرًا تفاصيل الحياة اليومية وأماكنها التاريخية. جمع هنو بين الواقعية الدقيقة والتعبيرية الحالمة، حيث استطاع أن يلتقط روح المدينة ويحولها إلى لوحات فنية خلابة.”
وتضيف “تستطيع في لوحاته أن تجد نفسك تتجول في شوارع الإسكندرية القديمة، تجلس في مقاهيها، وتستمع إلى حكايات وقصص أهلها، إبداعات فنية عظيمة ومختلفة. وهكذا، أصبح فن هنو ليس مجرد عمل فني، بل تجربة حقيقية يعيشها المشاهد.”