خارطة طريق للإعلام السوداني لسد ثغرات عقود من الضعف

يهدف مشروع خارطة الإعلام السوداني إلى تحقيق الفعالية داخل المؤسسات الإعلامية من خلال رفع القدرات والمهارات واكتساب الخبرات، بعد ثلاثة عقود من التشوهات التي شابت الممارسة الإعلامية وفتحت المجال للمؤسسات الإعلامية الأجنبية لجذب جمهور الإعلام السوداني.
الخرطوم – أعلن وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح العمل على إصلاح قوانين الإعلام وإتاحة المزيد من الحريات، مع إطلاق تقرير خارطة الإعلام السوداني الذي رصد مكامن الضعف في المؤسسات الإعلامية السودانية التي جعلت الجمهور يتجه نحو الإعلام الأجنبي.
وهاجم صالح السبت المواقع الإلكترونية التي تفتقد المهنية والمسؤولية وتنشر الأخبار الكاذبة، مشددا على أهمية إعلاء القيم المهنية والتجرد في الصحافة. وأضاف “الإعلام ليس مجالا لممارسة النشاط السياسي بل لممارسة النشاط المهني بالقيم المهنية الصارمة”.
واعتبر أن الدراسة التي اعتمدها تقرير خارطة الإعلام السوداني، الذي أعده مركز الخرطوم للخدمات الصحافية، ستسد الفراغ وتساعد في خطط إصلاح الإعلام.
وتناول التقرير نقاط الضعف والقوة لدى المؤسسات الإعلامية، مشيرا إلى أن أهم مواطن التقصير هو تركيز معظم التغطيات الإعلامية على العمل الحكومي اليومي وبعض أنشطة المؤسسات ذات الصلة بالعمل الرسمي. كما أن معظم المؤسسات الإعلامية ليس لديها اجتماع تحرير دوري يومي مما ينعكس على ضعف القرار والتحرير وإضعاف القيم التحريرية.
ويبرر مديرو المؤسسات الإعلامية ضعف الممارسات الصحافية الاحترافية بعوامل مختلفة من ضمنها نقص التمويل وقلة وسائل الحركة وغيرها من أدوات ومعدات العمل، ما فتح المجال للمؤسسات الإعلامية العالمية ذات الإمكانات العالية لجذب جمهور الإعلام السوداني.
ورأى محمد عبدالسيد الخبير الإعلامي الذي شارك في إعداد التقرير، أن “الفقر الإعلامي الذي تعاني منه الصحافة السودانية يعود إلى عدم التدريب وعدم التواصل بين الأجيال”.
وأضاف عبدالسيد أن “الفترات السابقة في ظل الإنقاذ البائد وشمولية مايو شهدت سقوطا للحريات”.
وأشار التقرير إلى أن الدراسة ستساعد راسمي السياسات والمانحين على الاستفادة منها لتطوير المؤسسات الإعلامية، ومن أهم ملاحظات العمل الميداني الذي شمل 202 عامل بالصحافة الورقية و239 من العاملين بالمؤسسات الإذاعية إلى جانب 198 من المؤسسات التلفزيونية أن هناك عددا قليلا من النساء يتقلدن وظائف قيادية في المؤسسات الإعلامية.
وكشف ندرة النساء في المواقع القيادية خاصة في هيئات الإذاعة والتلفزيون في مختلف مدن السودان، حيث شغلت امرأة واحدة منصب مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون بولاية نهر النيل، فيما شغلت امرأة واحدة مدير قطاع الإذاعة بولاية القضارف، وتقل نسبة النساء في الأقسام والإدارات بالهيئات الحكومية.
وغطى التقرير جميع ولايات السودان، وخلص إلى نتائج عن احتياجات الصحافيين والإعلاميين والمؤسسات الصحافية، حيث يعد ضعف كفاءات الصحافيات المعدات من مهددات العمل الإعلامي بجانب قلة أجهزة الكمبيوتر وبدائل الطاقة في ظل أزمة الوقود.
ويأتي مشروع خارطة الإعلام لتقديم الدعم المنتظم والمستمر لتحقيق الفعالية داخل المؤسسات الإعلامية من خلال رفع القدرات والمهارات واكتساب الخبرات، وهذا يتحقق عبر التدريب الإعلامي المستمر الذي يرتبط بالتغيرات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد حدثت تغيرات كبيرة بالسودان وضعت مسؤوليات كبرى على المؤسسات الإعلامية.
وبحسب التقرير فإن التدريب الأكثر حاجة يتمثل في كتابة وإنتاج التقارير والتحرير الصحافي وإدارة المؤسسات الإعلامية واستخدام الإعلام الجديد في الإنتاج.
وقال وزير الثقافة والإعلام السوداني “إننا في عملنا لإصلاح الإعلام حددنا أربع نقاط أساسية، أهمها مراجعة الفجوات في الخارطة الإعلامية، وإصلاح قوانين الإعلام، وإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة، وإعداد خطة وطنية للتدريب الإعلامي، بدأت منذ نوفمبر الماضي، لكن جائحة كورونا حالت دون مواصلتها وستستأنف الآن”، لافتا إلى أن الخطة وطنية ولا تستثني أحدا.
ورصد خبراء وصحافيون التحديات التي يواجهها الإعلام السوداني مع تأثره بالأزمات التي ألمت بكافة نواحي الحياة، لتحديد خارطة طريق للخروج من الأزمة، في ظل الظروف الجديدة التي تعيشها البلاد.
ولفتوا إلى أن البيئة الإعلامية كانت الأكثر تأثرا بالأزمات الثقيلة خلال العقود الثلاثة الماضية، في ظل القوانين المقيدة للحريات وغياب الديمقراطية وسيطرة الدولة على معظم أجهزة الاتصال الجماهيري واحتكار الإعلان والضرائب الباهظة التي تفرض على مدخلات الإنتاج، إضافة إلى عدم المقدرة على مواكبة الواقع الجديد الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال المهتم بالشأن الإعلامي محجوب محمد صالح إن مشكلة الإعلام السوداني تكمن في التشوهات التي لحقت بالممارسة الإعلامية بسبب غياب الديمقراطية والحكم الرشيد، إذ أنه وخلال الأعوام الـ63 التي تلت الاستقلال لم تنعم البلاد بحكم مدني سوى لأقل من 10 سنوات.
وأشار صالح إلى أن “الإعلام لا يعمل بكامل كفاءته إلا في ظل حكم ديمقراطي، مما جعل الإعلام السوداني يعاني كثيرا خصوصا في ظل سنوات حكم الجبهة الإسلامية، الذي استمر 30 عاما، حيث واجه أعتى أنواع القمع”.
وأكد ضرورة “الاهتمام بتطوير المناهج والبرامج التعليمية في كليات ومعاهد الإعلام المتخصصة، خصوصا في ظل اتساع رقعة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيرها من الوسائط الأخرى. وأن على الصحف الاهتمام بالجوانب التي تعطي بعدا أعمق للموضوعات التي يتم تناولها، خصوصا أن وسائل الإعلام الجديدة تخطت عاملي الزمن والمكان في الخبر”.
ويقول متابعون إن الأمر يتعلق أكثر بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ووضع قانون جديد للصحافة يراعي الظرف الموضوعي الجديد، والعمل على تأسيس كيان جديد للصحافيين، والسعي لفك الارتباط بين الحكومة والمؤسسات الإعلامية، وتأسيس مراكز متخصصة للإعلام الجديد تقدم دورات تدريب لخريجي كليات الإعلام ليتمكنوا من مسايرة المستجدات، إلى جانب إيجاد آليات تجسد الاحتكام لأسس موضوعية في الجوانب المتعلقة بالإعفاءات الضريبية المتعلقة بمدخلات إنتاج الصحف، وفتح المجال أمام التنافس الحر للحصول على الإعلان، وفقا لمستوى التوزيع والانتشار.
والرهان أمام الإعلام السوداني خلال الفترة المقبلة هو الحفاظ على وجود وسائل إعلام مستقلة وقائمة بذاتها وقادرة على المنافسة في ما بينها، إلى جانب وجود وسائل إعلام قومية تتبع للدولة ولا تستخدم كأبواق للحكومة، إنما تؤدي الأدوار التوعوية والإخبارية والترفيهية المنوطة بها بموضوعية وحيادية.