حَزْم مصري لمنع البناء على الأراضي الزراعية

الحكومة توافق على إيقاف إمدادات الكهرباء والمياه والغاز عن المباني والمنشآت المخالفة.
الخميس 2022/12/01
احذر ممنوع الاقتراب!

اتخذت السلطات في مصر إجراءات أكثر صرامة لمواجهة ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية، أبرزها السماح للدوائر الحكومية بقطع إمدادات الكهرباء والمياه والغاز عن المباني المخالفة المقامة على هذه الأراضي أو تلك المملوكة للدولة وتم السطو عليها.

القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى الحلول الرادعة من أجل التصدي للبناء العشوائي على الأراضي الزراعية الذي قضى على نحو 90 ألف فدان مؤخرا فضلا عن خفض المساحات المزروعة من المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والذرة الشامية.

وبسببه هاتين المشكلتين دخلت البلاد في أزمات طاحنة دفعتها إلى المزيد من الاستدانة لسد العجز المالي الكبير.

وبدأت القاهرة التصدي لمثل هذه الممارسات منذ ثمانينات القرن الماضي عندما أصدر نائب الحاكم العسكري رئيس الحكومة آنذاك الراحل كمال الجنزوري قرارا يقضي بتجريم البناء على الأراضي الزراعية مع معاقبة المخالفين بالسجن ودفع غرامة مالية، لكن تم إلغاء القرار فيما بعد.

وصدرت بعد ذلك تشريعات تسمح بالتصالح في هذا الأمر مع إطلاق ما يسمى “الكردون” للمناطق المسموح بالبناء عليها، وترتب على ذلك فقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في محافظات مختلفة.

عبدالنبي عبدالمطلب: تأثير القرارات وقتيّ وتؤجل المواجهة بين الحكومة والشارع
عبدالنبي عبدالمطلب: تأثير القرارات وقتيّ وتؤجل المواجهة بين الحكومة والشارع

وتعاني مصر من التعدي على الأراضي الزراعية، وعلى وجه التحديد تلك الواقعة بمنطقتي وادي النيل والدلتا، وتعد من أعلى الإنتاجيات على مستوى العالم.

وأشارت تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي إلى أن حجم التعديات بلغت في الفترة الفاصلة بين عامي 1983 و2010 نحو 110.7 ألف فدان.

كما شهدت البلاد اعتداء صارخا على الأراضي الزراعية عقب ثورة يناير 2011 في ظل الانفلات الأمني الكبير وغياب تطبيق القانون.

ولكن الرئيس عبدالفتاح السيسي واجه التعدي على الأراضي الزراعية وأراضي الدولة بحزم شديد. وقال في تصريحات سابقة “إذا تطلب الأمر نزول الجيش فلا مانع”، لذلك تشهد الفترة الراهنة مساعي مجلس النواب لإقرار تعديلات على قانون الزراعة.

ووافق البرلمان مبدئيا على التعديلات المقترحة على القانون التي من شأنها تشديد العقوبات على البناء المخالف على الأراضي الزراعية.

وتحرم التعديلات الجديدة كل من أقام مباني أو منشآت على أرض زراعية من الدعم، وتعرضه للسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه (20 ألف دولار)، ولا تزيد على 400 ألف دولار.

كما يعاقب المهندس المشرف على التنفيذ أو المقاول المسؤول عن البناء بالسجن مدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وغرامة تتراوح بين 4 آلاف دولار و120 ألف دولار.

وبلغ إجمالي حالات التعدي المسجلة، وفقا لتقديرات الإحصاء، نحو 2.7 مليون حالة خلال الفترة بين عامي 2011 و2020، بإجمالي مساحة قدره 90.7 ألف فدان.

وقال الخبير عبدالنبي عبدالمطلب لـ”العرب” إن “تأثير التدابير وقتيّ، إذ يمثل رادعا خلال مدة ربما تصل إلى عام ثم تعود الأوضاع إلى المواجهات بين الحكومة والراغبين في البناء على الأراضي الزراعية، لاسيما في الأقاليم والقرى والنجوع، لأن التاريخ يبرهن على ذلك”.

أبرز الإجراءات

  • حرمان من يقيم مباني على أرض زراعية من الدعم
  • السجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات
  • غرامة تتراوح بين 20 ألف دولار و400 ألف دولار
  • معاقبة المهندس المشرف على التنفيذ أو المقاول بالسجن
  • غرامة تتراوح بين 4 آلاف دولار و120 ألف دولار

وبلغت المساحة المفقودة من القمح بسبب الممارسات المخالفة نحو 80 ألف فدان خلال الفترة من 2011 حتى 2021، ووصل إجمالي الإنتاج المفقود من المحصول إلى 1.4 مليون أردب، وبلغت قيمة الإنتاج في السوق المحلية حوالي 32 مليون دولار.

وتشير التقديرات إلى أن صافي خسارة الدخل الزراعي بلغ نحو 10.5 مليون دولار، ما أدى إلى زيادة العبء على الميزان التجاري بحوالي 48 مليون دولار في هذه الفترة.

ويمثل كل ذلك عبئا على الميزان التجاري من محصول القمح فقط الذي اعتمدت السلطات على استيراده واضطرت إلى الاقتراض بسببه عقب حدوث الأزمة الأوكرانية.

وفضلا عن ذلك العبءُ الواقع على الميزان التجاري لمحاصيل مثل الذرة الشامية والأرز وقدرته وزارة الزراعة بنحو 47 مليون دولار في العام الماضي، حيث تأثرت هذه المحاصيل سلبا في الأعوام المنقضية جراء زيادة التعدي على الأراضي الزراعية.

وناشد عبدالمطلب السلطات القيام بحملات توعية بأهمية الأراضي الزراعية كمصدر أساسي للأمن الغذائي، لأن التعدي عليها يخفض إنتاج المحاصيل ويزيد الاستيراد ويضاعف المشاكل الاقتصادية ممثلة في ارتفاع أسعار العملات الأجنبية وزيادة أسعار السلع.

وتعد الأرض موردا أساسيا للإنتاج الزراعي ويؤثر التعدي على إنتاجية المجتمع من السلع والمنتجات الزراعية، ما يخلق مشكلة غذائية لعدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية حاجة السكان المتزايدة إلى الغذاء.

وتتطلب مواجهة أزمة البناء على الأراضي الزراعية توفير وحدات سكنية قريبة من محل إقامة المواطنين في الريف بأسعار مناسبة، لاسيما للمحافظات التي لديها ظهير صحراوي ممتد.

وليس ذلك فقط، بل العمل على تشجيع تأسيس المدن الجديدة التي تشمل وحدات سكنية وأراضي صالحة للزراعة لتشجيع انتقال المواطنين وأسرهم إليها.

شريف فياض: انخفاض ربحية الزراعة يدفع إلى بيع الأراضي بغرض البناء
شريف فياض: انخفاض ربحية الزراعة يدفع إلى بيع الأراضي بغرض البناء

ومن المهم أن تسمح السلطات المحلية للأفراد بتملك مساحات من الأراضي التي تم استصلاحها لينتقل المواطن وأسرته إليها، وهو ما يعزز حماية الرقعة الزراعية القائمة وزيادة الأراضي المستصلحة ومن ثم زيادة الإنتاج.

وأكد شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعي في معهد بحوث الصحراء بالقاهرة، أن “المشكلة ليست بسبب الزيادة السكانية فقط، حيث يلجأ بعض ملاك الأراضي إلى بيعها بسبب انخفاض ربحية القطاع مع زيادة التكاليف والأعباء خلال السنوات الماضية”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “العديد من المشترين هدفهم البناء بأي طريقة، لأن تلك الأراضي في معظم القرى تباع كأراض للبناء”.

وأشار إلى أن الإجراءات الحكومية صارمة لكنها قد تتسبب في صراع بين الأفراد والجهات الحكومية، وأن ربحية قطاع التشييد والبناء أكثر من نظيره الزراعي.

وأكد فياض أن إهمال الاهتمام بالقطاع الزراعي تسبب في تحول الكثير من المواطنين من الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي إلى الاقتصاد الريعي بتأجير الأراضي أو بيعها، والدولة تُنفق أموالاً طائلة لاستصلاح الأراضي في الصحراء ولا تقدم إلى المزارعين الدعم الكافي لتحفيزهم.

وأعلنت وزارة الزراعة أكثر من مرة أن الحكومة تولي هذا القطاع اهتماما كبيرا، فالمشروعات القومية الزراعية حولت الكثير من الأفدنة الصحراوية إلى زراعية تدب فيها الحياة، وتعد الدلتا الجديدة وتوشكى مستقبل الزراعة في مصر.

ويسهم القطاع الزراعي بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب أكثر من 25 في المئة من القوى العاملة بالبلاد، ويساعد على تعظيم الاحتياطي النقدي الأجنبي من خلال زيادة الصادرات.

10