حين يتحول الوباء إلى سلاح لتكميم الأفواه

جنيف – في الوقت الذي اتجهت فيه الكثير من الدول الأوروبية ودول أخرى إلى تخفيف تدابير الحجر الصحي التي فرضها وباء كورونا منذ أشهر، تواترت الكثير من التقارير الصادرة عن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، والتي تحذّر من إمكانية أن تستغل بعض الحكومات هذه الإجراءات لتصفية حسابات سياسية مع المعارضين لها وقمع حرية التعبير.
ويقر مراقبون بأن بعض الحكومات حولّت فرصة الوباء إلى سلاح لتكميم الأفواه عبر ترويج خطاب الوحدة الوطنية وأن الوضع الراهن لا يحتمل تقديم نقد لعمل الحكومة أو عبر اتهام المعارضين بترويج أخبار زائفة تخص حصيلة ضحايا كورونا مثلما حصل في إيران.
وعبرت من جهتها، أحزاب معارضة في دول عدة عن مخاوفها من توظيف حكومات بلدانها للوباء لتنفيذ حملة اعتقالات واسعة واتهام الموقوفين بعدم احترام الحجر الصحي.
وبالفعل حصلت مثل هذه الممارسات خاصة في إيران التي انتهجت قيادتها السياسية خطة استهدفت المعارضين للنظام خاصة في شهر مارس الماضي وتحديدا لحظة تفشي الوباء في جل محافظات البلد.
وشنت أجهزة الأمن الإيراني والحرس الثوري حملة اعتقالات طالت صحافيين وناشطين ورياضيين لنشرهم معلومات حول انتشار فايروس كورونا أو انتقادات لأداء السلطات في مكافحة الوباء خلال الأيام الماضية.
ولم يخف جهاز الحرس الثوري الإيراني هذه الأنباء، حيث نقلت عن قيادته وكالة “تسنيم” الإيرانية في شهر مارس تأكيدها أنه تم القبض على 150 شخصا “تم التعرف عليهم” من قبل جهاز الاستخبارات التابع للحرس بتهمة “نشر أخبار مزيفة” و”شائعات” حول الوباء على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي آخر تفاعل مع مثل هذه الممارسات، دعت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان ميشيل باشليه الاثنين الدول إلى احترام دولة القانون رغم فايروس كورونا المستجد عبر الحد زمنيا من التدابير الاستثنائية تفاديا “لكارثة” على حقوق الإنسان.
وأعلنت باشليه في بيان أن “المساس بالحقوق مثل حرية التعبير قد يلحق ضررا كبيرا بالجهود لاحتواء وباء كوفيد – 19 وآثاره الاجتماعية والاقتصادية الجانبية السيئة”.
ويأتي هذا التدخل الأممي، بعد القيام بعملية جرد لمختلف الممارسات التي طبقتها الحكومات على وسائل الإعلام وعلى المعارضين السياسيين. وفي هذا الصدد، أعربت أيضا في تونس بعض الأحزاب المعارضة عن امتعاضها مما ترتكبه الحكومة من ممارسات قمعية ضد الناشطين السياسيين.
وقال الناشط السياسي المعارض والنائب في البرلمان التونسي منجي الرحوي الاثنين في تصريحات إعلامية محلية، “يوجد نوع من التأثير على المعارضة بذريعة أن الوضع الراهن يقتضي الوحدة الوطنية”. وأشار إلى أن الحكومة شنت حملة اعتقالات وصفها بالكبرى قال إنها طالت 6 أو 5 مدونين خاصة في الجهات الداخلية بالبلاد.
وشرح الرحوي أن الحكومة تتّبع تمشيا لا بد من تقييمه ومتابعته، موضحا أن الحكومة لم تتوصل حسب تقييماته إلى طمأنة الناس ومنتقدا نتائج سبر الآراء التي أظهرت رضا المواطن النسبي على الأداء الحكومي.
ويأتي قلق الأمم المتحدة بسبب التدابير والقوانين المطبقة في بعض الدول التي تشير إلى “خروقات غير محددة مصحوبة أحيانا بعقوبات صارمة تغذي المخاوف من استخدامها لإسكات الإعلام وتوقيف المعارضين والمنتقدين”.
وقالت باشليه “نظرا إلى الطبيعة الاستثنائية للأزمة من الواضح أن الدول بحاجة إلى صلاحيات إضافية لمواجهتها. لكن في حال لم تحترم دولة القانون فقد تتحول الأوضاع الصحية الطارئة إلى كارثة على حقوق الإنسان ستتخطى عواقبها السلبية تفشي الوباء لفترة طويلة”.

وحذرت من أن “الحكومات يجب ألاّ تستخدم الصلاحيات الاستثنائية سلاحا لإسكات المعارضة والسيطرة على الشعوب أو حتى البقاء في السلطة”. وأكدت أن الإجراءات الاستثنائية يجب أن تكون “متناسبة وغير تمييزية ومحددة زمنيا” وأن “تخضع لرقابة برلمانية وقضائية مناسبة”.
كما أشارت إلى تلقيها “معلومات” من مناطق مختلفة في العالم مفادها أن الشرطة وقوات الأمن استخدمت القوة المفرطة وأحيانا القاتلة لفرض احترام تدابير العزل وحظر التجول. وتابعت “غالبا ما ارتكبت هذه الانتهاكات بحق أشخاص ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمحرومة في المجتمع”.
وأكدت “من الواضح أن إطلاق النار على شخص خرق حظر التجول بحثا عن طعام أو إيداعه السجن وممارسة العنف بحقه غير مقبول وغير مشروع” من دون أن تذكر اسم البلد الذي حصل فيه ذلك.
ودانت رئيسة تشيلي السابقة التي تعرضت أيضا للاعتقال، “توقيف الآلاف من الأشخاص في بعض الدول لخرقهم حظر التجول” واصفة هذه الخطوة بـ”الخطيرة وغير المجدية” ودعت الدول إلى الإفراج عن المعتقلين الذين يمكن إطلاق سراحهم.
ومنذ بداية الأزمة اعتقل بحسب تقارير دولية حوالي أربعين صحافيا أو تعرضوا للملاحقة لانتقادهم معالجة أزمة تفشي الوباء في بلدانهم أو الحصيلة الرسمية لعدد الوفيات والحالات، كما اختفى صحافيون وأغلقت وسائل إعلام. وانتقدت الأمم المتحدة بعض القادة “الذين ساهموا في تغذية أجواء معادية” للصحافيين ما عرض أمنهم للخطر وساهم في تراجع شروط عملهم.
وفي الولايات المتحدة اتهم روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضة العليا لحقوق الإنسان، الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشن هجمات مباشرة على الصحافيين خلال مؤتمره الصحافي اليومي حول الفايروس. وأعلن الجمعة الماضي خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت “أنها ظاهرة مقلقة أن نرى وسائل إعلام معروفة يشهد لها تتعرض لهجمات على هذا النحو”.