"حين اختفى النحل" حلّت الكارثة الكبرى

الأديبة النرويجية "مايا لونده" تعد من الناشطات في مجال البيئة، وقد أصابها نفس الهلع المشترك على مصير النحل والإنسان، فكتبت عنه رواية.
الخميس 2018/05/31
النحل سر بقاء الإنسان

“إذا اختفى النحل من على وجه الأرض فلن يكون باقيا أمام الإنسان سوى أربعة أعوام فقط ليعيش”.. تلك الجملة التي تربط بين مصيري الإنسان والنحل منسوبة إلى العالم الشهير ألبرت أينشتاين. ولعل استعادة المقولة وترويجها يرجعان إلى الفزع الذي ينتاب الكثيرين من تنامي الظاهرة المسماة “فوضى انهيار مستعمرات النحل”، أو الاختفاء المفاجئ لخلية النحل، مما أدى إلى تقلص أعداد النحل في مناطق كثيرة من العالم خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهذا الموضوع كان محور رواية الكاتبة النرويجية مايا لونده.

الأديبة النرويجية “مايا لونده” من الناشطات في مجال البيئة، وقد أصابها نفس الهلع المشترك على مصير النحل والإنسان، فكتبت عنه رواية، صدرت طبعتها الأولى في النرويج في العام 2015 بعنوان ”تاريخ للنحلة”، وكان الكتاب الأكثر مبيعا فحصلت عنه على جائزة النرويج لاتحاد بائعي الكتب، والرواية هي أول عمل للكبار لمؤلفتها المتخصصة في الكتابة للأطفال والناشئين، وقد لاقت رواجا واهتماما كبيرين فتعددت طبعاتها وترجماتها، وأخيرا نقلها إلى العربية المترجم الأردني علاء الدين أبوزينة، وصدرت عن “دار المنى” في السويد في 496 صفحة بعنوان “حين اختفى النحل”، حيث توقف بنا عند اللحظة الأكثر رعبا ”حين يختفي النحل” ليبدأ العد التنازلي لاختفاء الإنسان نفسه.

تاريخ للنحلة

تبدأ الكاتبة روايتها من مكان ما في الصين، وتحدد الزمن بأنه عام 2098، وتروي على لسان تاو وهي أم صينية فقدت ابنها، تبدأ حكايتها بتحديد مكانها فوق أحد الأغصان “مثل طيور ضخمة توازنت كل واحدة منا على غصنها، ومع كل منا دلو بلاستيكي في يد، وفرشاة من الريش في الأخرى”، تخبرنا أنها والنسوة يعملن ملقحات صناعيات للزهور، يقمن بعمل النحل المنقرض، ذلك هو الإجراء الذي تتخذه السلطات الصينية لمواجهة شبح الجوع القادم حتما إذا لم يتم تلقيح النباتات، والنسوة يعملن لإثنتي عشرة ساعة يوميا، حتى يضمن قوت يومهن، وهو شحيح إلى درجة أن الأرز يوضع في الأطباق بالحبة، والوجبة قد تكون ثلاث حبات من الأرز، أما الأشجار فهي أيضا على وشك الموت “كانت الأشجار قديمة قدم الحياة، والفروع هشة مثل الزجاج الرقيق، تتصدع تحت ثقلنا” كما تقول بطلة الرواية.

في الرواية يربط النحل وأزيزه بين قصص الشخصيات رغم أن الفاصل الزمني بين أقدمها وأحدثها يصل إلى مئتين وخمسين عاما

 تحكي تاو أن النحل اختفى من منطقتها بفعل التلوث مع ثمانينات القرن العشرين، ففكرت السلطات في التلقيح الصناعي، الذي يحتاج ”عددا هائلا من الناس، وعددا لا يصدق من الأيدي” لكنه حقق نتائج إيجابية خلال مئة عام قبل بدء حكايتها في العام 2098 “كنا أمة رائدة في التلوث وأصبحنا أمة رائدة في التلقيح الاصطناعي باليد، كانت المفارقة التي أنقذتنا” فهم رغم ما يواجهون من صعوبات مازالوا أحياء، بينما في أماكن أخرى من العالم انتهت الحياة.

 وإلى أماكن وأزمنة أخرى تأخذنا الكاتبة مع قصة النحل، ففي الفصل الثاني تعود إلى العام 1852، في إنكلترا حيث وليام الأب لسبعة أبناء، وهو عالم أحياء لكن الأفواه السبعة تدفعه إلى تأجيل طموحاته العلمية، ويفتتح محلا لبيع البذور ثم يعمل مربيا للنحل، ويفتتح مشروعا لبيع العسل، ويظل يبتعد عن حلمه الأصلي فيصاب بالاكتئاب، ويواصل الفصل الثالث طيرانه بين الأزمنة والأمكنة، ويحط في أوهايو الأميركية لنلتقي بجورج، وهو مربي نحل يعاني من آثار الموجة الأولى لظاهرة “فوضى انهيار مستعمرات النحل”. يبذل جهدا كبيرا  للحفاظ على النحل لكنه يرفض اتباع التقنيات الحديثة التي تهدف إلى تبسيط عملية تربية النحل. يصاب كذلك بخيبة أمل في ابنه توم، الذي رفض الالتحاق بمهنة الأب مفضلا الحصول على الدكتوراه.

روابط خفية

هكذا يربط النحل وأزيزه بين القصص الثلاث رغم أن الفاصل الزمني بين أقدمها وأحدثها يصل إلى مئتين وخمسين عاما، وتتواصل الحكايات وتترابط معا، ففي العام 1852 كان النحل مزدهرا ووفيرا، ويستغل وليام إمكاناته العلمية في تصميم صندوق أو خلية جديدة تساعد النحل على التكاثر وزيادة إنتاج العسل، وهو الصندوق الذي تحمله ابنته شارلوت معها حين تهاجر إلى الولايات المتحدة، حيث يعمل أبناؤها وأحفادها جيلا بعد جيل في تربية النحل.

نساء على رؤوس الأشجار يحاولن إنقاذ البشرية
نساء على رؤوس الأشجار يحاولن إنقاذ البشرية

وفي نهايات القرن العشرين يواجهون كارثة فوضى انهيار مستعمرات النحل، ومثلهم جورج  الذي يعود إلى الطرق القديمة في تربية النحل ويبني خلاياه بيده، ويستورد نحلا من الخارج لكن يكتشف أن النحل المستورد غير نقيّ مما يزيد من مشاكله المالية فيقترض من البنوك، ويؤجر النحل وخلاياه للمزارعين الذين يحتاجونه لتلقيح محاصيلهم، فتضاف مخاطر النقل إلى مخاطر التلوث، فيواصل النحل اندثاره.

ربما يكون جورج الأميركي واحدا من أحفاد وليام، لكن المؤكد أن حفيدا آخر له هو توماس يحاول بالعلم مواجهة الكارثة فيؤلف كتابا بعنوان “النحال الأعمى” ينشره في العام 2037، وتقرأه في ما بعد تاو الصينية  فيساعدها في اكتشاف وسيلة لاستعادة النحل.

وأعتقد أن الكاتبة كانت موفقة حين بدأت روايتها بقصة تاو فهي التي تلي الكارثة، وبالتالي تضعنا مباشرة في مواجهة آثارها، ثم ترتد في الزمن باحثة عن الأسباب التي أدت إلى ما حدث، وهي تدين البشرية كلها لذا توزعت قصصها بين أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة، ورغم أن الرواية يمكن أن ندرجها ضمن موجة انتشرت في الغرب مؤخرا، حيث يهتم الأدباء بمعالجة قضايا بيئية ومناخية، إلا أن مايا لونده تميزت بعدم اقتصارها على التحذير من كارثة بيئية وشيكة، فهي لم تهمل العلاقات الإنسانية في القصص الثلاث.

فتاو على العكس من زوجها كوان تحاول توفير فرصة أفضل لتعليم ابنهما وي-ون، لذا تحدث بينهما خلافات كثيرة سرعان ما تتزايد بعد اختفاء الابن ومحاولاتها للعثور عليه، أما وليام فكما وصفه حفيده في كتاب “النحال الأعمى” لا تسمح له أنانيته بالاعتراف بأن “حياة، أفكار، مخاوف، وأحلام شخص واحد لا تعني شيئا إذا لم تنطبق علينا جميعا فالمصلحة الذاتية وحدها يمكن أن تؤدي إلى كل من التدمير الشخصي والعام”.

 كذلك جورج الذي أراد لابنه أن يكون تابعا له وطالبه بأن يترك الجامعة ليتفرغ لمساعدته في تربية النحل، يطالب ابنه بأن يضحي بمصلحته الذاتية من أجل الأب ويشبه الأسرة بالخلية، حيث “كانت كل حشرة صغيرة تابعة للخلية الأكبر”، فعدم تفهمه لطبيعة ابنه تماما كما عدم تفهمه للطرق الحديثة في تربية النحل، كان لهما نفس الأثر التدميري على الخلية وعلى الأسرة معا.

14