حيرة عمران خان بين الولايات المتحدة والصين

لندن - يسعى رئيس الوزراء الباكستاني الجديد لاكتشاف تجربة السعودية والإمارات في الموازنة بين تحالفهما العميق مع الولايات المتحدة، وإقامة علاقات متنامية مع الصين، بينما تمر باكستان بتعقيدات اقتصادية وجيوسياسية قائمة على تنافس استراتيجي بين واشنطن وبكين في منطقة جنوب آسيا.
وتواجه باكستان أزمة اقتصادية ناتجة عن اتساع عجز ميزان المعاملات التجارية بمقدار 43 بالمئة ليصل إلى 18 مليار دولار، بينما قفز عجز الموازنة إلى 6.6 بالمئة. ودفع ذلك إسلام أباد إلى التفكير في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لاقتراض ما بين 8 و12 مليار دولار ضمن حزمة إنقاذ، مع التراجع السريع في احتياطات باكستان من النقد الأجنبي.
لكن حكومة خان ألمحت أنها قد تتجه إلى مصادر تمويل أخرى، منها الاقتراض من طرف ثالث. وتمثل زيارة خان للسعودية والإمارات استكشافا لإمكانية الحصول على مساعدات وقروض، لكن في نفس الوقت دراسة تنويع باكستان علاقاتها، منذ قطع واشنطن مساعدات عسكرية بأكثر من 250 مليون دولار، بسبب سياسات إسلام أباد، التي قالت واشنطن إنها مزعزعة لاستقرار أفغانستان المجاورة.
وقال خان لقناة العربية في السعودية، الأربعاء، إن بلاده “تقف مع السعودية دائما”، مؤكدا “السعودية ساعدت باكستان عندما احتاجت إلى المساعدة”.
لكن أفغانستان ليست المشكلة الوحيدة في علاقات البلدين، إذ تخشى الولايات المتحدة من نجاح الصين في تطبيق ما تسميه دبلوماسية “حزام الديون” التي عكست خطط استثمار صينية تقدر بنحو 60 مليار دولار لتعزيز البنية التحتية في باكستان، ضمن مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير) التي يتبناها الرئيس شي جين بينغ.
وتخشى الولايات المتحدة من عدم قدرة باكستان على سداد هذه الديون، وهو ما يمنح الصين نفوذا حاسما على مقدرات البلد الاستراتيجية في شبه الجزيرة الهندية.
وتشبه هذه السياسة الصينية سلوك القوى الإمبريالية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي دأبت خلالها على إغراق الدول الفقيرة بالديون، ثم توظيف عدم قدرتها على سداد هذه الديون في السيطرة على هذه الدول واحتلالها، إما عسكريا وإما اقتصاديا.
وخلال زيارته لإسلام أباد في 5 سبتمبر الجاري، طرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مبادرة على خان تشمل مسارين. المحور الأول يتضمن تغيير سياسات باكستان في أفغانستان، خصوصا سلوك الاستخبارات الباكستانية التي تقول واشنطن إنها تدعم حركة طالبان وجماعة حقاني. ويضغط المسار الآخر على مخاوف حكومة خان من الارتهان إلى الصين بشكل حصري، وبدلا من ذلك تنويع مصادر الاستثمار، وهو ما يمنح الولايات المتحدة الفرصة لإبقاء باكستان ضمن محورها الاستراتيجي في المنطقة.
وتقول مصادر إن واشنطن وعدت بإعادة المساعدات العسكرية مرة أخرى إلى باكستان، كما قدمت ضمانات بتشجيع حلفائها في المنطقة من أجل مساعدة إسلام أباد في الأزمة الاقتصادية الحالية، دون اللجوء إلى صندوق النقد.
ويتسق العرض الأميركي مع مخاوف ظهرت في تقرير استراتيجية الدفاع الأميركية لعام 2018، الذي قال إن “الصين تسعى لإقامة قواعد عسكرية في باكستان، ودول أخرى تتمتع بعلاقات وثيقة معها في المنطقة”. وبين عامي 2012 و2016، وقعت الصين صفقات عسكرية مع دول شبه القارة الهندية بقيمة 8 مليارات دولار، ذهب معظمها إلى باكستان.
ويقول تقرير استراتيجية الدفاع إنه “عبر علاقاتها مع باكستان، تمكنت الصين من الحفاظ على موقعها ضمن أكبر خمسة مصدرين للأسلحة في العالم”.
وأحد أكبر هواجس واشنطن تسبب التراجع الحاد في العلاقات مع إسلام أباد في انتقالها إلى مدار الصين وروسيا، وهو ما قد يمثل ضربة حاسمة للاستراتيجية الأميركية تجاه النفوذ الإيراني في المنطقة، ويمنح طهران منفذا استراتيجيا يمكنها من مقاومة عقوبات غير مسبوقة فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد قراره في مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي.
وموقع باكستان هو حجر الزاوية في التنافس الأميركي الصيني على النفوذ، إذ يمثل منصة الانطلاق الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق، بينما ترى فيه الولايات المتحدة عقدة المسارات الاستراتيجية التي يمكن استغلالها لتعطيل مساعي الصين لتحويل المبادرة إلى قاعدة تؤهلها لتكون قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، ومركزا عالميا للتجارة.
وتعمل الصين على تمويل وتنفيذ جزء من البنية التحتية في باكستان خصوصا في مجال النقل، مما يتيح للصين الوصول بريا إلى المحيط الهندي.
ويجادل الأميركيون بأن منح باكستان القروض يعني إعطاء الصين دفعات مالية في خضم حرب تجارية مفتوحة بين الطرفين.
وحتى عام 2013، حافظت الولايات المتحدة على موقعها كأكبر مصدر للبضائع والخدمات في العالم، لكن منذ ذلك الحين تمكنت الصين من كسر الهيمنة الأميركية، وسط احتدام التنافس الذي يتحول إلى مواجهة ستترك أثرها على الاقتصاد العالمي لعقود.
وتتزامن زيارة خان للخليج مع تصاعد الحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن. ويأمل خان في العثور على طوق النجاة من الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلاده في السعودية والإمارات، الحليفتين التاريخيتين لباكستان.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن هذه الزيارة “من الممكن أن تكون نقطة الحسم في وضع باكستان الجيوسياسي في المنطقة، عبر منحها خيارات اقتصادية متعددة، دون أن تصبح مضطرة لإعادة النظر في المشروعات الصينية، كما يضغط وزراء في حكومة خان”.
وأدلى وزير التجارة الباكستاني عبدالرزاق داود بتصريحات اقترح فيها تعليق المشروعات لمدة عام في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الجزء الواقع في باكستان من مبادرة الحزام والطريق.
وعلى الفور أرسل خان قائد الجيش القوي قمر جاويد باجوا للصين، ليكون بذلك أرفع مسؤول باكستاني يزورها منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة، لتهدئة مخاوف المسؤولين الصينيين من تعليقات داود.