"حياة" يستعيد علاقة لزهر حكار بالذاكرة والزمن والمكان

حكار اهتمّ طيلة مسيرته الفنية بالقضايا الإنسانية ومواضيع الهوية والعلاقات الأسرية والأمومة والطفولة وهموم الإنسان المختلفة.
الأربعاء 2024/05/22
رموز ودلالات أفريقية

الجزائر - يتواصلُ حتى الحادي والثلاثين من أغسطس المقبل بالمتحف العمومي الوطني للفنون الجميلة بالجزائر، معرضٌ استعاديٌّ بعنوان "حياة"، يجمع أكثر من 100 عمل فنّيّ للتشكيليّ الجزائري لزهر حكار، تتنوّعُ بين لوحات فنيّة بتقنيات مختلفة، ومنحوتات، ودفاتر، وكلُّها أعمالٌ مفعمةٌ بالحياة، تشي بموهبة نادرة، وإحساس مرهف نابع من ارتباط الفنان لزهر حكار الوثيق بالزمن، والذاكرة، والمكان.

وقد اهتمّ حكار(1945-2013)، طيلة مسيرته الفنيّة، بالقضايا الإنسانية ومواضيع الهوية والعلاقات الأسرية والأمومة والطفولة والحب والزمن وهموم الإنسان المختلفة.

ومن أبرز الأعمال المعروضة، لوحة بعنوان “رقان.. حتى لا ننسى”، وهي منجزة بتقنية الأكرليك على القماش؛ وتتناول المأساة الإنسانية التي انجرّت عن التجارب النووية الفرنسية بالجنوب الجزائري، وما خلّفته من خراب ماديّ ومعنويّ في منطقة رقان (جنوب الجزائر)، زاوج فيها الفنان بين الألوان الباردة والدافئة لتصوير أجساد مصدومة من هول تلك التجارب المدمّرة.

أمّا في لوحته التي تحمل عنوان “حيزية”، يحاولُ حكار تقديم وجهة نظر فنيّة لشخصية “حيزية” التي شغلت الناس، وصارت جزءًا أصيلًا من الموروث الشعبي، تغنّى بها الشعراءُ، واستلهم منها الروائيُّون والكتّاب أعمالا خالدة.

تجربة تمتازُ بالحضور الطاغي للرموز الأمازيغية والنقوش العربية وكذلك الرموز الأفريقية المستمدة من الموروث الثقافي المغاربي
◙ تجربة تمتازُ بالحضور الطاغي للرموز الأمازيغية والنقوش العربية وكذلك الرموز الأفريقية المستمدة من الموروث الثقافي المغاربي

وفي لوحة “ليلة عصيان” المنجزة بتقنية مختلطة على الورق، نقل الفنانُ نظرته عن أفريقيا المكافحة والثائرة على كلّ أشكال العبودية، مُستلهمًا أشكاله من الأقنعة الأفريقية التراثية التي يستعين بها السكان في المناسبات الطقوسية والاجتماعية لتمثيل أرواح الأجداد، وبألوان ترابية ترك الفنان الانطباع للزوار بأنّهم أمام أقنعة صخرية تأبى أن تتحرّك أو تتلاشى.

واحتفى الفنان لزهر حكار بالحياة، بكلّ تجلياتها، كما هو الحال في لوحته “الرقصة الأخيرة”، التي يُغطّي فيها اللّون الأزرق أجساد الراقصين، ولكن سرعان ما يتغيّر مزاجه الفنيُّ في لوحات أخرى، على غرار “ديمقراطية”، و”ألم 9″، و”إشارات أحلام”؛ وهذه الأخيرة يُصوّر فيها الفنانُ أخاديد على رقعة قماش بواسطة سكّينه المتأمّل في خيالات أجساد، وباستعمال حروف تيفيناغ، وأشكال زخرفية تُحيل مُشاهد اللّوحة إلى الأواني الفخارية المشهورة بمنطقة الأوراس (شرق الجزائر).

ويبدو من خلال العناوين التي اختارها لزهر حكار لعدد من أعماله، ميولاتُه الأدبيّة، وثقافته التي تنزعُ إلى الاستفادة من مختلف الفنون لرسم معالم رؤيته الإبداعيّة، وذلك ما يظهر بجلاء عبر لوحات، مثل “ما وراء الكتابة”، و”رفع الستار”، و”مصير اثنين”، و”لحاء الذاكرة”، و”ذاكرة الأطفال”، و”أسطورة نسوية”، و”النصُّ الأخير”، و”إشارات لا تمحى”، و”خيالات متمرّدة”، و”أفق ضبابي”، و”المنسيُّ من الزمن”، و”لا تنسوا الفقراء”.

لزهر حكار الذي درس بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة، قرر منذ العام 1986 أن يكرس نفسه للرسم الزيني. لوحاته تعد بالمئات ولعل أبرزها “شعر” ، “حيزية” ، “أم الحراق” “الوحيد”، “العالم المريض” ” ذاكرة منسية “والتي تعكس ضياع الهوية والتراث إلى جانب عناوين أخرى تتوزع عبر مختلف الأعمال الإبداعية بمواضيع فلسفية متنوعة.

تجربته الفنية مسكونة بالشكل الإنساني الخيالي الذي يتكرر فيها بصفة دائمة. وتمتازُ بالحضور الطاغي للرموز الأمازيغيّة، والنقوش العربية، وكذا الرموز الأفريقية المستمدّة من الموروث الثقافي المغاربي، والأمازيغي، كالأوشام الأوراسيّة، التي استخدمها حكار في عدد من لوحاته للدلالة على الارتباط الوثيق بالموروث الثقافي المحلي، والتي جعل منها أيضا مطيّته لبلوغ العالميّة.

في سنوات التسعينيات من القرن الماضي انتقل حكار إلى تونس ليقيم بضاحية سيدي بوسعيد لمدة عشر سنوات وهناك خلد العديد من المناطق التونسية في أعماله واكتسب شهرة أكبر. معارضه جابت الكثير من الدول كالصين والفيتنام والولايات المتحدة، وروسيا، وألمانيا، وإيطاليا وكذا العديد من الدول العربية، وكان آخر معرض له أقيم بالمتحف العمومي للفن الحديث والمعاصر بالجزائر، بعنوان “عبور الذاكرة” من نوفمبر 2012 إلى فيفري 2013.

14