حول دلالات صعود اليمين المتشدد في السويد وأبعاده

الطروحات اليمينية تتناغم مع المناخ العام السائد في أوروبا وفي العالم. فهناك نزوع قومي متشدد، انعزالي، لا يعول كثيرا على العولمة، وذلك مقارنة بما تفعله الاتجاهات الليبرالية.
الثلاثاء 2019/03/26
إعادة تموضع الأحزاب السويدية

لم يكن اقتداء حزب المحافظين السويدي بتوجه الحزب الديمقراطي المسيحي الانفتاحي على حزب ديمقراطيي السويد بالأمر المفاجئ، لاسيما بالنسبة إلى المتابعين لسياسات السويد الداخلية، والتحولات الجارية على صعيد إعادة تموضع الأحزاب السويدية. فقبل هذه الخطوة تمكّن الحزبان المعنيان من تمرير ميزانية إشكالية في البرلمان بدعم من حزب ديمقراطيي السويد، ولم يكن لديهما أي مانع من الحصول على دعمه في عملية تشكيل الحكومة في مواجهة الخصم التقليدي الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

إلا أن الذي حصل هو أن حزبين من أحزاب التحالف البرجوازي الذي كان بقيادة المحافظين، وهما: الحزب الليبرالي وحزب الوسط/المركز، رفضا بصورة علنية فكرة أي تعاون مع ديمقراطيي السويد، وفضّلا مقابل ذلك التفاهم مع الحزب الاشتراكي وشريكه في الحكم، حزب البيئة، مقابل تنازلات لصالح سياستهما البرجوازية، خاصة في ميادين الضريبة والسكن والخصخصة، وغير ذلك من المسائل المختلف عليها، وهي تلك التي تمكّن الحزبان بفعلها من إقناع أعضائهما بضرورة التفاهم مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وشريكه، وترك التحالف البرجوازي.

وهكذا وجد حزب المحافظين نفسه خارج دائرة التأثير، إذ لم يتمكّن من الوصول إلى الحكومة، ولم يعد التحالف البرجوازي موجوداً على الصعيد العملي. كما أن شعبيته في انحسار ورصيده الانتخابي في حالة انكماش، مقابل تنامي رصيد حزب ديمقراطيي السويد.

وقد كان الحزب الديمقراطي المسيحي بقيادة زعيمته الشابة أيبا بوش أكثر وضوحا، وأقدر على الحسم في موضوع اتخاذ قرار الانفتاح على الحزب اليميني القومي، وكانت الذريعة أنه حزب منتخب، ولا بد من احترام إرادة الناس في المجتمع الديمقراطي. وقد أفسحت هذه الخطوة المجال أمام أولف كريسترسون، زعيم المحافظين، ليعلن توافقه مع الخطوة، واستعداده للسير معها، الأمر الذي يمهّد لتشكيل تحالف يميني قومي متشدد، تشير استطلاعات الرأي منذ الآن إلى إمكانية حصوله على الأغلبية في انتخابات 2020، وحتى في الانتخابات المبكرة، إذا حصلت، وذلك في حال انهيار التوافق الهشّ الحاصل بين حزبيْ الحكومة والأحزاب الثلاثة (حزب الوسط والحزب الليبرالي وحزب اليسار) المساندة لهما بشروط.

الإسهام الأوروبي في حلّ مشكلات تلك البلدان، يكون بمساعدة أهلها على استرجاع أوطانهم ومقدراتهم عبر التخلّص من الزمر الاستبدادية الفاسدة التي تكفلت بمهمة ضبط الأوضاع عبر قمع الناس مقابل نهب الثروات، وتعطيل عملية التنمية في البلدان المعنية

ومن أبرز القضايا التي يتخذها حزب ديمقراطيي السويد، الذي من الواضح أنه سيكون الفاعل المؤثر في التحالف المرتقب، محورا لدعايته الانتخابية قضية اللاجئين، وقضية ارتفاع نسبة الجريمة التي يربطها بارتفاع نسبة المهاجرين. وبالمناسبة لا يعلن هذا الحزب صراحة معاداته للأجانب، ولكنه يرى أن السياسة غير المنضبطة في موضوع الهجرة هي التي أدت إلى جملة مشكلات مزمنة في قطاعات عدة، مثل الصحة والتعليم والسكن. وكل ذلك انعكس سلبا على سوق العمل والمستوى المعيشي للمتقاعدين والوضع الأمني وغير ذلك من الموضوعات التي عادة ما تكون محورا للحملات الإعلامية من قبل مختلف الأطراف السياسية، ويتم تبادل الاتهامات بين الأحزاب حول مسؤولية هذه الجهة أو تلك عن وصول الأمور إلى ما هي عليه راهنا.

غير أن تدقيقا أوليّا في واقع الحال، يبين أن الأمور ليست بتلك السوداوية التي تقدمها الأحزاب اليمينية. فالبطالة في أقل مستوياتها والوضع الاقتصادي قويّ ومتماسك، وهناك حلول جذرية تطرح لمعالجة الأزمات العديدة. ولكن يبدو أن الطروحات اليمينية تتناغم مع المناخ العام السائد في أوروبا وفي العالم. فهناك نزوع قومي متشدّد، انعزالي، لا يعوّل كثيرا على العولمة، وذلك مقارنة بما تفعله الاتجاهات الليبرالية.

وقد أسهمت أطروحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تعزيز هذا التوجه، ولعل هذا ما يفسر اتخاذ العديد من التيارات القومية المتطرفة سواء في أوروبا الغربية أو الشرقية، أو في أميركا اللاتينية، من ترامب مثالا وقدوة لهم في ميدان تجييش الأنصار.

ومن الملاحظ أن هذه الموجة اليمينية المتشدّدة تنتعش كثيرا في مناخات تكامل الأدوار الوظيفية بين التطرف الإسلامي وظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية. وتعلن عن نفسها بمزيد من الوضوح، رغم أن القسم الأعظم منها ما زال متوارياً خلف المجاملات والعبارات العامة.

فالعمليات الإرهابية التي شهدتها العديد من الدول الأوروبية، وأعلن تنظيم داعش تبنيه لها ووقوفه وراءها، أسهمت، وتساهم، في حدوث عمليات مقابلة نفّذها المتطرفون من المناوئين لسياسات التسامح مع العبادات الإسلامية، وهي التي تشكل وفق منطلقاتهم الأيديولوجية تهديدا لصفاء وهوية الحضارة الغربية وقيمها. ورغم الموقف الناضج المسؤول الحازم الذي اتخذته جاسيندا أردرن رئيسة وزراء نيوزيلندا من الجريمة العنصرية التي ارتكبها الإرهابي الأسترالي برنتون تارانت، وكذلك إدانة سكوت موريسون رئيس وزراء أستراليا للجريمة بأقسى العبارات، إلا أن هذه المواقف لا تتجاوز دائرة التعاطف المناسباتي الإسعافي، إذا صح التعبير. وقد شهدنا مثل هذا التعاطف في السويد قبل أيام، إذا شكّل السويدون من مختلف الفعاليات الدينية والسياسية والمجتمعية سورا بشريا حول مسجد ستوكهولم، وذلك في مبادرة كان وراءها ماتياس كايين، وهو شاب يهودي من أنصار السلام والحوار بين الأديان، أقدم على ذلك رداً على المبادرة الإيجابية التي كان المسلمون قد قاموا بها قبل سنوات في النرويج حيث شكلوا سورا بشريا حول سيناغوغ أوسلو، وذلك بعد الهجوم الذي كان على الكنيس اليهودي في كوبنهاغن عام 2015.

ولكن ورغم أهمية هذه المبادرات الرمزية، إلا أنها لن تؤثر كثيرا في تغيير مسارات الأمور، والحد من وتيرة الهواجس والتوترات التي تستند أصلاً إلى تحوّلات اقتصادية، اجتماعية عميقة، تتجلى في صيغة مواقف عقائدية أيديولوجية.

ولعل الحادث الذي كان في الدانمرك قبل أيام يُلقي الضوء على مدى حالة التشنج التي تهيمن على أوروبا، بما فيها الدول الأسكندنافية المعروفة عادة بتسامحها، وقدرتها على استيعاب الآخر المختلف، واحترامه، والاعتراف بحقوقه.

فبالتزامن مع الصلاة التي أداها بعض المسلمين أمام البرلمان الدنماركي، وهذا أمر أثار في حد ذاته الكثير من الاستغراب والتساؤل حول جدوى وصوابية مثل هذه الخطوات، وهي خطوات يعلم منظموها سلفا بأنها ستثير، على الأقل، حفيظة أوساط مجتمعية غير معتادة على هكذا مبادرات. بالتزامن مع هذه الخطوة، أقدم متظاهرون من اليمين المتطرف على حرق نسخ من القرآن الكريم، الأمر الذي أضفى المزيد من التوتر والتعقيد على الوضع المعقّد المتوتّر أصلا.

وجد حزب المحافظين نفسه خارج دائرة التأثير، إذ لم يتمكّن من الوصول إلى الحكومة، ولم يعد التحالف البرجوازي موجوداً على الصعيد العملي

أوروبا اليوم في حاجة ماسّة إلى مكاشفة حقيقية مع نفسها ومع شعوبها التي بات المهاجرون يشكّلون نسبة لافتة مؤثرة منها. وأمر من هذا القبيل يستوجب العمل من أجل معالجة قضايا التهميش والبطالة واتساع الشرخ بين الفقراء والأغنياء. وهذا كله يفرض حوارات معمّقة وخطوات عملية ملموسة تطمئن الجميع.

إلى جانب ذلك، تحتاج أوروبا إلى العودة إلى مجالها الحيوي في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، ولكن وفق أسس جديدة تتناسب مع مصالح شعوب تلك المناطق واحترام تطلّعاتها والحوار البناء معها. فالمناطق المعنية ما زالت تعاني من آثار العقلية الاستعمارية الأوروبية التي تسبّبت في تقسيمها بصورة اعتباطية، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع صراعات مزمنة ما زالت تنتظر الحل، هذا رغم مرور نحو قرن على بداياتها.

فالإسهام الأوروبي في حلّ مشكلات تلك البلدان، يكون بمساعدة أهلها على استرجاع أوطانهم ومقدراتهم عبر التخلّص من الزمر الاستبدادية الفاسدة التي تكفلت بمهمة ضبط الأوضاع عبر قمع الناس مقابل نهب الثروات، وتعطيل عملية التنمية في البلدان المعنية، وكانت الحصيلة تفاقم الأزمات المجتمعية، وانسداد الآفاق أمام الشباب الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين سيئين: إما الهجرة وإما التشدّد بكل أشكاله.

ومع انطلاقة ثورات الربيع العربي، اعتقدنا أن أوروبا قد عقدت العزم على الحل الإستراتيجي البعيد النظر لحل مشكلاتها، ولكنها بكل أسف لم تقدم على المطلوب، وربما كان ذلك نتيجة الموقف الأميركي السلبي المتردّد من الثورات المعنية.

أوروبا، إذا شاءت الحفاظ على إنجازاتها، وأرادت تأمين المقوّمات المطلوبة لمواجهة تحديات العصر، تحتاج إلى جملة مراجعات إصلاحية داخلية. إلا أن العامل الخارجي لا يقلّ أهمية في هذا السياق، لاسيما في أجواء تجدّد الربيع العربي في كل من السودان والجزائر، وتفاقم وضعية القهر في مصر، والجروح المفتوحة في كل من سوريا واليمن وليبيا، وكل ذلك في ظل واقع عدم المعالجة، ستكون ترجمته باللغة الواقعية المزيد من اللاجئين، وارتفاع وتيرة التشدّد، وتفاقم نزعة الإسلاموفوبيا، وتصاعد اليمين المتطرف.

9