حنّا تيتيه.. دبلوماسية أفريقية في مهمة تحدي الجمود والفساد في ليبيا

الدبلوماسية الأفريقية المخضرمة تواجه ملفات بالغة التعقيد في ظل صعوبة جمع الفرقاء حول طاولة الحوار.
الأحد 2025/02/16
دبلوماسية يعتد بها

في الخامس والعشرين من يناير 2025 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسميا عن تعيين حنّا سروا تيتيه من غانا ممثلا خاصا له ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وفي أول تعليق منها على القرار، تعهدت بالعمل مع جميع الجهات المعنية والشركاء الرئيسيين في ليبيا على تحقيق الاستقرار في البلاد. ووصفت مهمتها في ليبيا بالصعبة، لكنها أكدت أنها ستعمل، برفقة زملائها في البعثة، بأقصى ما تمتلك من قدرات وإمكانيات لإنجاز الأهداف المنشودة لاستقرار ليبيا.

وتحتل تيتيه المرتبة العاشرة بين المبعوثين الأمميين الذين تولوا إدارة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والثانية في قائمة الأفارقة الذين تولوا هذه المهمة بعد السنغالي عبدالله باتيلي الذي كان قد استقال من منصبه في أبريل الماضي تحت ضغوط من دول غربية نافذة.

ومنذ العام 2011 توافد على ليبيا تسعة مبعوثين أمميين، هم الأردني عبدالإله الخطيب الذي لم يبق في مهمته أكثر من أربعة أشهر، والبريطاني إيان مارتن الذي ظل في منصبه أقل من عام، ثم اللبناني طارق متري الذي تولى المهمة لمدة عامين ثم غادرها بعدما أصبحت مهمته مستحيلة وفشل في إقناع النخب السياسية بالتسوية.

بعد ذلك تسلم الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون مهمته الأممية، وساهم في جمع غالبية الأطراف السياسية في البلاد لتوقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب، ووصفت الفترة التي تولى فيها ليون عمله بأنها الأصعب بين كل المبعوثين؛ إذ كان الاقتتال وتسلّط الميليشيات المسلحة على أشدهما، لكنه غادر منصبه تاركا وراءه حالة من الغضب بسبب ما وصف بالتقسيمات التي أحدثها اتفاق الصخيرات.

من أبرز الناجحات الأفريقيات في مجالهن
من أبرز الناجحات الأفريقيات في مجالهن

أما المبعوث الخامس فهو الألماني مارتن كوبلر الذي كانت مهمته محددة، وهي تطبيق اتفاق الصخيرات، لكن الدبلوماسي الألماني فشل في ذلك، وتلاه غسان سلامة الذي اضطر للاستقالة لتحل محله مؤقتا نائبته الأميركية ستيفاني وليامز، ثم جاء دور السلوفاكي يان كوبيتش الذي استقال من منصبه في ديسمبر 2021 ليتم تعيين الأميركية ستيفاني وليامز مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة معنية بالشأن الليبي، وفي 2 سبتمبر 2022 أعلن عن تعيين عبدالله باتيلي، من السنغال، ممثلا خاصا له ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وخلفته الأميركية ستيفاني خوري بعد ذلك.

وينتظر أن تركز تيتيه اهتمامها خلال الفترة القادمة على عدد من الملفات المهمة المتعلقة بالشأن الليبي من بينها كسر الجمود في الملف السياسي وتهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات، وتوحيد المؤسسات السيادية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وحل الميليشيات وجمع السلاح المنفلت، وتحقيق المصالحة الوطنية.

وبحسب المراقبين، فإن تيتيه ستجد نفسها أمام ملفات بالغة التعقيد في ظل استمرار العجز عن جمع الفرقاء الأساسيين حول طاولة الحوار، وتشكل بوادر انقسام حقيقي في البلاد، وتحول ليبيا إلى ساحة صراع بين القوى الدولية المتنافسة على مد نفوذها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء.

ويرى المراقبون أن تيتيه ستباشر مهمة تحدي الجمود السياسي واتساع دائرة الفساد والتدخلات الخارجية في الشأن الليبي، لاسيما أن التجربة أثبتت أن النساء أكثر جدية وحزما ونزاهة وجرأة في الملفات السياسية وأوسع إلماما بالقضايا، ومن الصعب جرّهن إلى دائرة المحسوبية والمصالح الخاصة كما حدث في تجارب سابقة.

وتعد تيتيه من أبرز السيدات الأفريقيات الناجحات في مجالاتهن، وهي واحدة من أهم المدافعات عن حقوق المرأة الأفريقية ومنزلتها.

فبمناسبة منتدى وجوائز المرأة الأفريقية الجديدة بفندق أنداز في لندن، قالت تيتيه إن “المرأة الأفريقية هي السبب في استمرار أفريقيا في البقاء،” وفسرت ذلك بالقول “أود أن يرى الناس المرأة الأفريقية على حقيقتها الآن. لسنا في حاجة إلى إنشاء امرأة أفريقية رائعة جديدة، أعتقد أن المرأة الأفريقية الرائعة موجودة بالفعل، فهي تحتاج فقط إلى أن تكون مهيأة لاكتشاف جميع جوانبها الرائعة المختلفة. يجب أن يعلم الجميع أن المرأة الأفريقية قوية، ومرنة، ومبتكرة. إنها قادرة على فعل الكثير بموارد قليلة وقليلة جدا”.

النجاح الأفريقي عامل مهم
النجاح الأفريقي عامل مهم

وتقديرا لإسهاماتها البارزة، ضمنت تيتيه مكانها في قائمة أفانس ميديا الخامسة لأكثر 100 امرأة أفريقية تأثيرا في عام 2023 تأكيدا على الاعتراف بتفانيها في الخدمة العامة والدبلوماسية وتقدم القارة على الساحة العالمية.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد بادر بطرح اسم تيتيه كمرشحة للمهمة في مارس 2020 بعد استقالة مفاجئة لرئيس البعثة آنذاك اللبناني – الفرنسي غسان سلامة، لكن الولايات المتحدة عرقلت المقترح بما جعل المهمة تؤول إلى ستيفاني وليامز التي كانت تدير البعثة بالوكالة مع إشرافها على الملف السياسي بالبعثة.

وبحسب البيان الصادر عن الأمم المتحدة، فإن تيتيه تتمتع بعقود من الخبرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، بما في ذلك منصب المبعوثة الخاصة للأمين العام لمنطقة القرن الأفريقي من عام 2022 حتى عام 2024. وقبل ذلك، كانت الممثلة الخاصة للأمين العام لدى الاتحاد الأفريقي ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي من عام 2018 إلى عام 2020، بعد أن شغلت في وقت سابق منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في نيروبي.

وتيتيه من مواليد 31 مايو 1967 بمدينة زيجيد ثالث أكبر مدينة في المجر وعاصمة مقاطعة تشونغراد، من أب غاني وأمّ مجرية. تلقت دراستها الثانوية في مدرسة ويسلي الثانوية للبنات في كيب كوست في المنطقة الوسطى بغانا. ثم درست القانون في جامعة ليغون بغانا حيث حصلت على ليسانس الحقوق، قبل أن تلتحق بدورة القانون المهني كلية الحقوق، لتتخرج بوظيفة محامية مطلع التسعينات من القرن الماضي، ومن هناك اتجهت مباشرة لمزاولة خدمتها الوطنية لمدة عام كمسؤولة قانونية مع الاتحاد الدولي للمحاميات “فيدا”.

وتنتمي تيتيه إلى أسرة تباشر الاهتمام بالشأن العام، ومن ذلك أن شقيقتها جيزيلا تيتيه أغبوتي عضو في حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي، وشغلت كذلك مهمة عضو البرلمان الغاني عن دائرة أوتو سينيا الغربية. بعد إتمام خدمتها الوطنية عملت تيتيه لمدة عامين في الممارسة القانونية الخاصة مع مكتب للمحاماة في أكرا، ثم انضمت إلى لجنة حقوق الإنسان والعدالة الإدارية كمسؤول قانوني، ولكن في وقت لاحق اتجهت إلى العمل كمستشارة قانونية في شركة غانا للأغذية الزراعية “جافكو”، وهي شركة لتصنيع المواد الغذائية وإنتاج دقيق القمح والدواجن والأعلاف الحيوانية وإنتاج السمك والتونة المعلبة، وتقوم بتسويق منتجات غذائية وبيطرية أخرى وكانت موجودة في منطقة الميناء التجاري بمدينة تيما. وظائف عديدة أخرى شغلتها تيتيه في الشركة، من أبرزها الإشراف على إدارة الموارد البشرية والخدمات القانونية، ومنصب نائب المدير العام المكلف بالشؤون المالية والإدارية.

تيتيه ضمنت مكانها في قائمة أفانس ميديا لأكثر 100 امرأة أفريقية تأثيرا في 2023 اعترافا بتفانيها في الدبلوماسية وتقدم القارة على الساحة العالمية

قررت تيتيه خوض غمار السياسة، عندما ترشحت لعضوية البرلمان عن حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي الذي يعتبر أكبر أحزاب المعارضة في غانا ويتزعمه الرئيس الأسبق جيري رولينغز، حيث فازت بمقعد عن دائرة أوتو سينيا الغربية، واقتربت من خلاله أكثر من الشأن العام، وكرست فيه نفسها كناطق رسمي باسم الأقليات في مستوى النوع الاجتماعي والطفولة، وكنائب للمتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقضاء، إضافة إلى عضويتها لجان المالية والتشريعات الفرعية والأمن والدفاع.

تم انتخابها عضوا في المكتب الوطني للحزب، وعيّنت مديرة وطنية للاتصالات في مركز تطوير المؤسسات الأهلية، لتحل محل جون دراماني ماهاما، الذي أصبح مرشح المركز لمنصب نائب رئيس الدولة، وتولت بين عامي 2009 و2013 منصب وزيرة التجارة والصناعة في غانا، وهي الفترة التي كانت خلالها عضوا في فريق الإدارة الاقتصادية للحكومة الغانية، وفي مجلس إدارة هيئة الأهداف الإنمائية للألفية واللجنة الوطنية لتخطيط والتنمية، إضافة إلى توليها رئاسة مجلس المناطق الحرة بغانا.

وبسبب ميولاتها الرياضية، أشرفت تيتيه في تلك الأثناء على إدارة فريق “أكرا هارتس أوف أوك أس سي” لكرة القدم الذي يعد أعرق وأكبر أندية غانا بعد أشانتي كوتوكو، ويمثل البلاد في بطولات أفريقيا للأندية، ومن أبرز إنجازاته في ظل إدارتها حصوله على عدد من الألقاب من بينها بطل دوري أبطال أفريقيا، وبطل كأس الاتحاد الأفريقي، وبطل كأس السوبر الأفريقية.

كانت تيتيه الناطقة باسم الفريق الانتقالي للرئيس جون إيفانز أتا ميلز الذي كان يشغل منصب رئيس جمهورية غانا. وعندما تولى جون دراماني ماهاما الرئاسة المؤقتة خلفا لميلز عيّنها على رأس إدارة حملته الانتخابية، فقررت خوض الانتخابات البرلمانية من جديد عن دائرة أوتو سينيا الغربية المنشأة حديثا، وفازت بالمقعد، وبعد شهر واحد، رشحها الرئيس ماهاما لمنصب وزيرة للخارجية والتعاون الإقليمي بعد موافقة البرلمان.

أثناء توليها لحقيبة الخارجية، اختيرت تيتيه أيضا عضوا في مجلس الأمن القومي ومجلس القوات المسلحة، وعندما أصبح الرئيس ماهاما رئيسا لمجلس رؤساء دول وحكومات الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، أصبحت تيتيه رئيسة لمجلس وزراء تلك المجموعة، في الوقت الذي كانت فيه المنطقة تواجه تحديات الإرهاب وخاصة من جماعة بوكو حرام، وقالت تيتيه آنذاك “لا يزال يتعين علينا الحفاظ على مستوى أكبر من اليقظة. علينا أن نستخدم بنية بناء السلام التي ابتكرناها وأنظمة الإنذار المبكر التي أنشأناها بالفعل في مناطقنا ونستخدم تلك الآليات لحماية مواطنينا.

إن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا هي منطقة متكاملة تسمح بحرية حركة المواطنين، مما يخلق ضرورة أكبر للهياكل الوطنية للاندماج بشكل أكثر فعالية. وبشكل متزايد، ستعمل الاتصالات المنتظمة مع بعضها البعض بشكل طبيعي على تعزيز تبادل المعلومات وتوفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخبارية عند الطلب، مما يسمح لنا بالعمل معا للتعامل مع أيّ تحديات أمنية قد تنشأ”.

هل تقدر تيتيه على استيعاب تعقيدات الأزمة الليبية سريعا
هل تقدر تيتيه على استيعاب تعقيدات الأزمة الليبية سريعا

وبعد تركها مكتبها في عام 2017، عملت تيتيه كزميل ريتشارد فون ويزيسكر في مؤسسة روبرت بوش الألمانية، ومسيّرة مشاركة في المنتدى رفيع المستوى بقيادة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” التي تتخذ من جيبوتي مقرا لها، لتنشيط اتفاقية حل النزاع في جنوب السودان.

وفي نهاية العام 2018 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين تيتيه كممثلة خاصة له لدى الاتحاد الأفريقي، ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي بنيروبي خلفا لساهلي وورك زودي التي كانت قد أصبحت رئيسة لإثيوبيا. وفي فبراير 2022 انتقلت لتتولى مهمة مبعوثة خاصة له لمنطقة القرن الأفريقي خلفا لبارفيت أونانجا أنيانجا من الغابون.

ويعتبر تعيين تيتيه في منصب رئيسة بعثة الدعم الأممية ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا حدثا مهما بالنسبة إلى القارة السمراء وكذلك للنساء الأفريقيات، خصوصا وأن لتيتيه علاقات مهمة على المستويين الإقليمي والدولي، ولديها تجارب سابقة في معالجة الأزمات، ودراية كاملة بالأوضاع في منطقة شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء منذ أن شغلت منصب وزيرة الخارجية الغانية.

وجاء تعيين تيتيه لتكون ثاني شخصية أفريقية تتولى مهمة رئاسة بعثة الأمم إلى ليبيا بعد الدبلوماسي السنغالي المخضرم عبدالله باتيلي الذي اضطر لتقديم استقالته في منتصف أبريل 2023 في ظروف غامضة فسرها البعض بفشله خلال 18 شهرا من العمل في حلحلة الأزمة وتقريب المسافة بين الفرقاء.

ويرى البعض إن طلاقة تيتيه في اللغتين الإنجليزية والمجرية ولغة الفانتي، إلى جانب الخلفية القانونية، تجعلها منارة للتواصل الفعال والتعاون الدولي كما أنها تمثل قوة دافعة للتغيير الإيجابي، وتعزيز السلام والدبلوماسية في جميع أنحاء القرن الأفريقي وخارجه.

7