حملة واسعة في العراق لغلق مكاتب وحسينيات الصرخي وملاحقة أتباعه

بغداد - أشعلت دعوة أحد أتباع رجل الدين الشيعي المنشق عن التيار الصدري محمود الصرخي، إلى هدم القبور والمراقد الدينية المقدّسة لدى الشيعة، التوترات في محافظة بابل جنوبي بغداد، فيما بدأت القوات العراقية حملة واسعة، لاعتقال أنصار الصرخي وإغلاق مقراته.
وبدأ التوتر عندما دعا خطيب "حسينية الفتح المبين" التابع للصرخي، في بابل إلى هدم قبور الأئمة الشيعة، باعتبار وجودها مخالفة للدين الإسلامي، وهو ما أثار غضب جهات دينية وأوساط شعبية هناك.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية الأربعاء، في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع"، إغلاق مقار حركة دينية وصفتها بـ"المنحرفة"، دون تسميتها.
وقالت وزارة الداخلية إنها تتابع "بحرص ومسؤولية تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم المجتمعي، الانفعالات الشعبية والتظاهرات التي انطلقت في عدد من المحافظات على خلفية دعوات وخطب مشبوهة تسترت برداء الدين أطلقها نفر ضال ومنحرف وتخريبي".
وأضافت أن تلك الدعوات "تضمنت إساءات لعقائد ومشاعر المواطنين، في منحى هدفه إثارة البغضاء بين صفوف أبناء شعبنا، ولتحقيق أهداف خبيثة غادرها العراقيون إلى غير رجعة".
وأشارت إلى أن "تشكيلات وزارة الداخلية أغلقت وفقا للضوابط القانونية مقار هذه الحركة المنحرفة، واعتقلت بمذكرات قضائية المنحرفين المتجاوزين على المشاعر والعقائد لينالوا جزاءهم العادل أمام القضاء".
ولفتت الداخلية إلى أن "أي ردود فعل فردية أو جماعية غير منضبطة في هذا الشأن تمثل اعتداء مرفوضا على النظام والقانون، ولا تخدم سوى أصحاب الفتنة والمتآمرين على السلم الأهلي".
ودعت الوزارة إلى "تعاون المواطنين في كل المحافظات مع القوى الأمنية لضبط الأمن وحماية السلم"، مشددة على أنها "ستواجه بيد النظام والقانون الساعين إلى خلق الفتن أو الإساءة للعقائد أو المتسببين بأضرار في الأملاك العامة والخاصة".
وأضافت وزارة الداخلية أنها "تحرص على تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم المجتمعي".
وتأتي هذه التطورات في ظل أوضاع سياسية مرتبكة، بسبب تأخر تشكيل الحكومة العراقية واحتدام الخلافات السياسية بين الكتل الكبيرة، فضلا عن التحديات الأمنية التي يواجهها العراق، مثل مخاطر داعش، والمجموعات المسلحة.
وأطلقت قوات الأمن العراقية حملة واسعة لتعقب أتباع الصرخي في عدة محافظات بالبلاد، وأعلنت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في بيان مساء الثلاثاء أنها "ألقت القبض على ستة متهمين من هذه الحركة المتطرفة، التي تحاول بث الفتنة بين أبناء شعبنا العراقي الواحد في محافظات البصرة وكربلاء المقدسة وميسان"، مشيرة إلى "اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم".
كما أعلنت شرطة البصرة، في بيان مساء الثلاثاء، أن "قوة مشتركة من مراكز مديرية شرطة محافظة البصرة ومديرية الأمن الوطني وقيادة عمليات البصرة وقسم الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، نفذت واجب مداهمة وقبض على المتهمين الذين روجوا للفتوى الخاصة بهدم المراقد الشريفة، حيث تم إلقاء القبض على 14 متهما في مناطق مختلفة".
ويتزامن ذلك مع تظاهرات ليلية للعشرات من المواطنين أمام مكاتب "الصرخية" في بابل والناصرية. كما أغلق مواطنون في السماوة والرميثة، مكتبا وجامعا تابعا للصرخي، بعد انتشار مقاطع فيديو يدعو فيها عدد من أتباعه إلى هدم الأضرحة ومراقد آل البيت.
في حين أمر قائد شرطة محافظة بابل اللواء خالد تركي جهاد الشمري بغلق جميع الحسينيات والمكاتب التابعة لأتباع الصرخي.
وأفادت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية بأن الشمري "أمر بغلق جميع الحسينيات والمكاتب التابعة لأتباع الصرخي حفاظا على السلم المجتمعي".
وحسب مقاطع فيديو، فإن العشرات من المواطنين تجمعوا أمام حسينية "الفتح المبين" بمنطقة الحمزة الغربي، احتجاجا على خطبة ألقاها إمام الجامع طالب خلالها بهدم المراقد الدينية، فيما طالب المحتجون بإغلاق الحسينية وتحويلها إلى دائرة حكومية.
وخلفت تلك الأحداث ارتدادات سياسية، من بينها ما قاله زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في بيان بأن "بعض من ينتمون بالتقليد إلى الصرخي، يحاولون إدخال بعض العقائد المنحرفة للمذهب، وآخرها ما صدر من إمام حجة لهم في محافظة بابل، الذي طالب بهدم القبور".
وأكد الصدر ضرورة عدم التغاضي عما يحدث بالمجتمع من انتشار "العقائد الفاسدة"، فيما أمهل محمود الصرخي ثلاثة أيام للتبرؤ من دعاة تهديم المراقد الدينية، وتوعده بأنه في حال لم يتبرأ من ممثله، فإنه سيلجأ إلى الطرق القانونية والشرعية والعرفية.
وقالت قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية في بيان صحافي أصدره عقب اجتماع لقادة كتله، إن "الإطار تدارس المحاولات الخطيرة المشبوهة في نشر الأفكار المنحرفة والمسمومة والتهجم على عقائد الناس والتحريض على السلم المجتمعي، من قبل جماعات مدفوعة لإثارة الطائفية التي قبرها شعبنا بتضحياته ووحدته".
كما دعا رئيس تجمع "السند الوطني" النائب أحمد الأسدي إلى "صولة" من قبل الأجهزة الأمنية ضد المعتدين على المقدسات ومن ينشرون العقائد الباطلة والأفكار الضالة.
وقال في تغريدة له "من جديد يتطاول المنحرفون وأصحاب الدعوات الضالة على مقدسات الأمة ورموز وحدتها، فهم مكلفون ظاهرا وباطنا بنشر العقائد الباطلة والأفكار الضالة المضلة".
وأوضح أن "هذا التجاوز، والاعتداء السافر على المقدسات، لن يمر دون أن يكون سببا في وضع حد لهذه النتوءات ولكل من يتجرأ على نشرها والترويج لها".
والصرخي الذي يمتلك مناصرين في محافظات الجنوب معروف بآرائه الناقدة للأحزاب التي حكمت بعد عام 2003، ولديه مواقف رافضة لجميع مواقف المرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني، الذي يعّد المرجع الديني الأول لشيعة العراق، خصوصا إعلان الجهاد ضد تنظيم "داعش" عام 2014.
وصيف عام 2014 أصدر السيستاني فتوى بالجهاد ضد تنظيم "داعش" بعد سيطرته على ثلث مساحة العراق، لتتشكل بعدها فصائل الحشد الشعبي، التي يتهمها البعض بالقيام بأعمال انتقامية على أسس طائفية في مناطق ذات غالبية سُنية شمال وغرب البلاد، وهو ما تنفيه تلك الفصائل.