حملة في العراق لمنع سلاح الميليشيات من التأثير في الانتخابات

سلاح الميليشيات الشيعية سيكون عائقا أمام إجراء انتخابات نزيهة في العراق تحقّق الهدف المنشود منها وهو إحداث نقلة سياسية في البلاد تستجيب لمطالب الشارع التي رفعها في انتفاضته الأخيرة، إذ أنّ السلاح والمال كثيرا ما شكّلا عاملي تأثير قوي في تحديد نتائج الاستحقاقات الانتخابية العراقية، ولذلك يُطرح استبعاد الأحزاب والكيانات ذات الأذرع المسلّحة من الانتخابات القادمة كشرط لضمان نجاح هذا الاستحقاق المهمّ.
بغداد– تتزايد المطالبات في العراق بمنع الأحزاب التي تملك أجنحة مسلحة من المشاركة في الانتخابات المقررة صيف العام القادم، للحفاظ على تساوي فرص المتنافسين خلال الاقتراع الذي يُنظر إليه باهتمام بالغ.
وشهدت الانتخابات العامة الأخيرة في 2018، مشاركة العديد من الميليشيات التابعة لإيران عبر قوائم مستقلة أو ضمن قوائم عامة، وحققت العديد من المقاعد في البرلمان العراقي، باستخدام نفوذها المسلح في أطراف المدن، حيث يضعف حضور الدولة.
وعلى سبيل المثال، زادت ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي عدد مقاعدها من مقعد واحد في برلمان 2014 إلى 15 مقعدا في 2018. ويتوقع المراقبون أن تضاعف الميليشيا مقاعدها إذا ما أجريت الانتخابات القادمة خلال هذا الظرف الذي تسجل فيه مؤسسات الدولة مستوى غير مسبوق من الضعف في مواجهة السلاح المنفلت.
وأطلق نشطاء حملة شعبية تطالب الأمم المتحدة بـ”إدراج الكيانات السياسية والأحزاب التي لديها فصائل مسلحة على القائمة السوداء ومنعها من المشاركة في الانتخابات القادمة”.
ومن المنتظر أن تسجل الانتخابات المبكرة التي تحدّد تاريخ إجرائها بالسادس من يونيو القادم مشاركة قياسية للقوى السياسية الجديدة، وذلك لسببين اثنين يتمثل أوّلهما في أن الحراك الاحتجاجي الواسع الذي انطلق في أكتوبر 2019 واستمر عدة شهور في 2020، حفز العديد من الشرائح الاجتماعية على الانفتاح نحو ممارسة السياسة، كما أن الأحزاب الصغيرة قد تحصل على بعض المقاعد في البرلمان بسبب طبيعة النظام الانتخابي نفسه.
أما السبب الثاني فيعود إلى أن الأحزاب الكبيرة ستدفع بقوائم صغيرة تضم مرشحين مستقلين عنها للاستفادة من نظام الاقتراع الفردي والدوائر المتعددة. ويعتقد مراقبون أن هذه الأسباب معا ستزيد من فرص تغيير الوجوه في البرلمان القادم.
أتباع إيران يخشون مشاركة غير مباشرة من مصطفى الكاظمي في الانتخابات عبر دعمه لتيار يحمل اسم "المرحلة"
وأقر البرلمان العراقي آخر أكتوبر الماضي قانونا جديدا ينظم الانتخابات كان أبرز ملامحه تقسيم المحافظات إلى دوائر متعددة بعد أن كانت دائرة واحدة ولمنح فرص للمستقلين بالتمثيل النيابي، حيث كثيرا ما اعتبر اعتماد المحافظة كدائرة موّحدة يصب في خدمة الأحزاب الكبيرة.
لكن متغيرا إضافيا قد يدعم حظوظ التغيير عبر الانتخابات المرتقبة، وهو الحضور السياسي المنتظر لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
وحتى الآن يبدو أن الكاظمي يلتزم بتعهده للقوى السياسية بعدم المشاركة في الانتخابات إذا تم تكليفه بمنصب رئيس الوزراء.
ومع ذلك، يتداول أنصار أحزاب وتيارات وميليشيات تابعة لإيران أنباء عن دعم الكاظمي مجموعتين أو ثلاثة من النشطاء، للمشاركة في الانتخابات المقبلة، عبر أكثر من قائمة.
ويقول الإعلام المرتبط بالأحزاب والتيارات والميليشيات التابعة لإيران، إن هؤلاء النشطاء هم من يطالبون بحظر مشاركة الأطراف التي تملك أجنحة مسلحة في الانتخابات، في مسعى واضح لربط الملف كله بالكاظمي.
ويقول أتباع إيران إن رئيس الوزراء يدعم تيارا يحمل اسم “المرحلة” يضم بعضا من الوجوه النشطة في الحراك الاحتجاجي، بينهم مستشاره كاظم السهلاني والمحلل السياسي المقرب منه عبدالرحمن الجبوري. ويرفض فريق الكاظمي التعليق على هذه الأنباء، مؤكدا أن رئيس الوزراء لم يشكل حزبا أو تيارا سياسيا.
ويتيح حضور كيانات مرتبطة بالميليشيات في البرلمان غطاء سياسيا لتلك الفصائل خصوصا لدى انغماسها في أنشطة خارجة عن القانون وتورطها في انتهاكات وتجاوزات واعتداءات على مصالح مدنية وعسكرية وأملاك عامة وخاصة وبعثات دبلوماسية.
وتريد الميليشيات المحافظة على الغطاء السياسي الذي توفره لها مشاركتها في البرلمان بأي ثمن، لكنها تواجه تحديا قد يخرج عن حدود سيطرتها هذه المرة، وهو الغضب الشعبي الذي عبّرت عنه حركة الاحتجاج غير المسبوقة.
وقد يتحول هذا الأمر إلى كابوس لدى الميليشيات التي تجد نفسها محاصرة شعبيا، ولا تملك حرية الحركة في الشارع، بسبب تراجع شعبيتها على خلفية تراجع شعبية إيران في أوساط شيعة العراق والمنطقة عموما. ففي مدينة الناصرية ذات الثقل الشيعي المهمّ لم يترك المتظاهرون مقرا مفتوحا لأي حزب أو ميليشيا على صلة بإيران. ووصل الغضب بالمتظاهرين إلى درجة أنهم هدموا مقرات بعض الأحزاب والميليشيات باستخدام الجرّافات.
ولهذه الأسباب ستكون مهمّة الميليشيات الشيعية والأحزاب المرتبطة بها خلال الانتخابات المبكّرة أكثر تعقيدا قياسا بالانتخابات الماضية، إذا أجريت وفق معايير النزاهة والشفافية، وهو أمر وارد في حال شاركت الأمم المتحدة وجهات دولية في مراقبتها والإشراف عليها، وسط توقعات بمعركة انتخابية ساخنة بين مرشحين تغطيهم ميليشيات تستخدم السلاح لكسب النفوذ ومرشحين آخرين يتمتعون بغطاء حكومي، يمكن أن تفضي إلى انتصار الفريق الثاني.
وعلى هذه الخلفية لا يستبعد متابعون للشأن العراقي أنّ تعمد الأحزاب المتخوّفة من صعود الكاظمي على حسابها إلى تعطيل إجراء الانتخابات، وهي تمتلك الكثير من الوسائل لذلك بما في فيها مواقعها في السلطة إضافة إلى أذرعها المسلّحة القادرة على خلط الأوراق وإحداث البلبلة في أي وقت.
وحذّر رئيس الوزراء العراقي في وقت سابق من وجود محاولات لعرقلة إجراء الانتخابات في موعدها. ولم يكشف عن الجهات التي تقف وراء تلك المحاولات، لكنّه أكّد على أنّ حكومته انتقالية و”تهدف إلى الوصول إلى انتخابات مبكرة لكن هناك من يحاول وضع العقبات أمامها”.