حملة في الأردن لكسب العشائر بالتخويف من المؤامرة الخارجية

الأردنيون يشعرون بأن توترات حرب غزة تهدد استقرارهم الداخلي.
الخميس 2024/06/27
مظاهرات غزة تربك السلطات

عمان – باتت العشائر في قلب الاهتمام الرسمي الأردني، وهو ما تعكسه حملات مكثفة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تشيد بالعشائر وبدورها في حماية الأردن من المؤامرات الخارجية، في الوقت الذي يقول فيه مراقبون إن الأردن يستغل المخاوف الأمنية لإعادة العشائر إلى صف الدولة والأسرة الهاشمية الحاكمة وتجاوز اهتزاز الثقة الذي رافق قضية الفتنة.

ويشعر الأردنيون بأن التوترات التي فرضتها حرب غزة تهدد استقرارهم الداخلي بانقسامات حادة بين ذوي الأصول الأردنية من جهة وذوي الأصول الفلسطينية من جهة أخرى، وأن انحياز العشائر إلى الدولة والأسرة الحاكمة سيقوي الجبهة الداخلية ويؤجل ما ظهر من خلافات ومواقف سلبية خاصة من العشائر التي يعتقد الكثير من أبنائها أن الدولة تهملها ولا تهتم لأوضاعها، وهو ما يفسر انحيازها إلى ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين في انتقاداته لأداء الدولة.

وشغل الحديث عن “إهمال العشائر” حيزا واسعا من النقاش العام منذ أن تعرضت أجهزة الحكم لانتقادات حادة على لسان ولي العهد السابق الأمير حمزة الذي يتمتع بشعبية في أوساط العشائر. ومنذ ذلك الحين ظل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وكبار المسؤولين بحاجة إلى تأكيد اهتمامهم بالعشائر والإشادة بدورها في تأسيس الدولة.

الأردن لا يتحمل أي محاولة من أي جهة لتحريض الأردنيين على القيادة بما يغذي أسباب التوتر التي رافقت قضية الفتنة

ولا يتحمل الأردن أي محاولة من أي جهة تقود إلى تحريض الأردنيين على القيادة والأسرة الحاكمة بما يغذي أسباب التوتر التي رافقت ما بات يعرف بقضية الفتنة، التي شهدت احتجاجات داعمة للأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني.

ويرى متابعون للشأن الأردني أن تكثيف السلطات الأمنيةِ الحديثَ عن المؤامرة الخارجية والكشف عن خلايا نائمة ومخازن سلاح في أكثر من مرة وموقع يهدف إلى إشعار الأردنيين بضرورة الوحدة، وهو موجه بالأساس إلى العشائر لتشعر بأن أمنها من أمن الدولة والأسرة الحاكمة، وأنه لا يمكن الحياد في ملف مصيري بزعم الانحياز إلى غزة وضرورة التحرك لدعمها.

وحث بعض النشطاء في مواقع التواصل العشائر على الخروج من حالة الحياد وتشكيل خلايا مدعومة من جهاز المخابرات لمراقبة ما يجري التحضير له من مؤامرات ودسائس ضد الأردن وأمنه وقياداته ممن يريدون جر عمّان إلى دخول الحرب وفتح الحدود وتسهيل تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، وهي المزايدات التي أربكت السلطات في ظل وجود أعداد كبيرة من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية الذين يريدون التحرك بأي شكل للتخفيف من معاناة سكان القطاع والضفة.

ويشن نشطاء حملة تحريض شديدة على من يسمونهم أردنيي التجنيس (من أصول فلسطينية) في مقابل أردنيي التأسيس (العشائر الأصلية). وتأتي الحملة بشكل مكثف وبمفردات موحدة لتبدو كأنها مدفوعة من جهة نافذة داخل الدولة بهدف الضغط على ذوي الأصول الفلسطينية من أجل السكوت وتخيير هويتهم الأردنية على أصولهم.

وأثار المراقب العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين مراد العضايلة المزيد من التوتر من خلال دعوته العشائر إلى “أن تهب لنجدة أهل غزة”، في مشهد بدا أقرب إلى استثمار معاناة الفلسطينيين في أجندة سياسية على أبواب الانتخابات أو في سياق مزايدات حزبية داخلية، خاصة أن جماعة الإخوان تعيش حالة صراع بين خطين؛ خط يحث على تبني خيار نصرة غزة بأي تكاليف ودون مراعاة وضع الأردن، وخط آخر يميل إلى التهدئة.

pp

وكرد على المزايدات وانتقاد الموقف الرسمي مما يجري في غزة حث نشطاء على وقف العشائر لحملات التبرع لصالح غزة معتبرين أن فقراء العشائر أولى بها، فيما قال آخرون إن العشائر واعية بالمؤامرات التي تحاك ضد المملكة ولا يمكن أن تمر عليها الشعارات والمزايدات والأجندات الخاصة.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في غزة في أكتوبر الماضي تحرص جماعة الإخوان المسلمين على تصدر المشهد في الشارع الأردني، واستغلال الحراك من أجل الضغط على السلطة السياسية، من خلال رفع مطالب محرجة للأخيرة كإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.

وانتقد الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين، قبل حوالي  شهرين من الآن، تصريحات قادة حركة حماس التي تحضّ على كسر الحدود والزحف على إسرائيل، واصفا إياها بالمراهقة السياسية، ومحذرا من مساعيها لتأليب الرأي العام الأردني على القيادة السياسية.

تكثيف السلطات الأمنيةِ الحديثَ عن المؤامرة الخارجية يهدف إلى إشعار الأردنيين بضرورة الوحدة، وهو موجه بالأساس إلى العشائر لتشعر بأن أمنها من أمن الدولة والأسرة الحاكمة

ويعرف الأردن أنه المقصود بالدعوة إلى الزحف التي أطلقها قادة الحركة لأن “دول الطوق” الأخرى لا توجد فيها فرصة لتصعيد الاحتجاجات، وأن حماس تراهن على الأردنيين من أصول فلسطينية لتنفيذ أجندتها والاستجابة لدعوتها، وهو أمر فيه تدخل في شؤون المملكة الهاشمية وتحريض على أمنها القومي وتحد لسلطتها.

وقال مبيضين في أبريل الماضي إن “أيّ محاولات للتحريض على الدولة الأردنية هي محاولات يائسة تريد أن تشتت البوصلة وتشتت تركيزنا”، موجها إلى المسؤولين في حركة حماس نصيحة تتضمن الكثير من النقد بقوله “نتمنى على قادة حماس أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم ودعوة الصمود لأهلنا في قطاع غزة”.

واتهم الحركة بالعمل على كسب الشعبية رغم الدمار الذي حل بقطاع غزة بسبب هجوم السابع من أكتوبر، مؤكدا “أن الأردن بلد له سيادة وله مرجعياته الدستورية وقيادته تسمو على هذه المرجعيات وعندما يكون الملك عبدالله الثاني في مقدمة الموقف العربي لا ننظر إلى بعض المراهقات السياسية، ولا إلى من يريد أن يحصد الشعبية على أنقاض الدمار الذي حل في غزة نتيجة لهذه الحرب الكارثية”.

وتتخوف السلطات الأردنية من أن توظّف المناطقُ التي يقطنها أردنيون من أصول فلسطينية الاحتجاجات المتعلقة بغزة في تنظيم احتجاجات حاشدة ضد السلطة ردا على ما تعتبره سياسة رسمية تُعاملها كمناطق من درجة ثانية بسبب أصولها، وهو ما ظهر خلال الشعارات التي رفعت في الاحتجاجات على رفع أسعار المحروقات في نهاية العام الماضي.

1