حملة زراعية موريتانية لدرء مخاطر انعدام الأمن الغذائي

فرضت قضية الأمن الغذائي في موريتانيا نفسها بقوة خلال هذه الفترة التي باتت تضيق أكثر فأكثر على البلاد محدودة الموارد، في ظل المخاوف من تعطل الإمدادات بشكل أكبر لأسباب داخلية تتعلق بالوضع المالي والجفاف وأسباب خارجية تتعلق بتأثيرات الحرب في شرق أوروبا.
تامشكط (موريتانيا) - تتسلح الحكومة الموريتانية بخطة زراعية جديدة تخص الموسم المقبل بهدف مواجهة الأخطار التي تشكل عائقا أمام تأمين غذاء السكان في أحد أفقر بلدان المنطقة العربية.
ولطالما كان تطوير القطاع هاجسا يؤرق صناع القرار السياسي والاقتصادي نظرا لأهميته الكبيرة في مجال التنمية، باعتباره حيويا واستراتيجيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، والحدّ من الاعتماد على الواردات.
ورغم إدراك المسؤولين لأهمية الزراعة وتوفير كل السبل والإمكانيات للنهوض بها وخاصة تحفيز القطاع الخاص، إلا أن نتائج السياسات المتبعة في إطار الخطط الاقتصادية لم ترق إلى مستوى طموحات الأوساط الشعبية.

آدما بوكار سوكو: الحملة تمثل الانطلاقة الفعلية لمبادرة من أجل النهوض بالقطاع
ولذلك تكافح السلطات لزيادة الإنتاج الزراعي من أجل الحد من الاعتماد على الواردات وخاصة الحبوب، وفي مقدمتها القمح والأرز، في ظل تقلب سلاسل الإمدادات العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا، كما أنها تبحث استقطاب الاستثمارات الأجنبية وخاصة العربية للقطاع.
وتهدف الحملة الزراعية للموسم المقبل والتي أطلقها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الخميس الماضي في مدينة تامشكط التابعة لولاية (محافظة) الحوض الغربي بجنوب البلاد إلى تعزيز الإنتاجية عبر زيادة مساحة الأراضي المخصصة للزراعة.
ونسبت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية إلى وزير الزراعة آدما بوكار سوكو قوله إن “إطلاق الحملة يكتسي أهمية خاصة، لما يعلق عليها الموريتانيون من آمال في إنتاج ما يستهلكونه وبإعادة إحياء أراضيهم”.
ولم يذكر الوزير حجم التمويلات المرصودة للحملة، لكنه أكد أنها “تمثل الانطلاقة الفعلية للمبادرة التعبوية الوطنية من أجل النهوض بالقطاع الزراعي”.
وتتنوع الزراعة بالبلاد ما بين الأرز والقمح ومختلف أنواع الحبوب، بالإضافة إلى قصب السكر والخضروات والبقول والحمضيات وأصناف من الفواكه، لكنها غير كافية بسبب الجفاف والتحديات التمويلية التي تواجه توسيعها.
ووضعت الحكومة هدفا أساسيا وهو إدخال ودمج محصول القمح في المنظومة الزراعية في ظل تأثر سلاسل التموين بالأزمة الروسية – الأوكرانية والاعتماد الكلي على الخارج لتوفير حاجياتها.
وبحسب سوكو ستتم زراعة أربعة آلاف هكتار من القمح خلال هذه الحملة. وفي إطار التنويع ستعمل نواكشوط على تطوير زراعة الأعلاف الخضراء استجابة للحاجة الملحة إليها بالنظر إلى الثروة الحيوانية الكبيرة التي تزخر بها البلاد.
وبحسب تقديرات بنك التنمية الأفريقي فإن الزراعة في موريتانيا تساهم بنسبة 14 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تستوعب 38 في المئة من القوة العاملة النشيطة.
وستركز الحملة على محاصيل أخرى من بينها زراعة نحو 300 ألف هكتار، منها أكثر من مئتي هكتار تعتمد على الأمطار لإنتاج الحبوب التقليدية مثل الذرة البيضاء والصفراء والدخن واللوبيا والفستق السوداني.
وسيتم تخصيص حوالي ثمانين ألف هكتار في النظام المروي من محصول الأرز و بإنتاج إجمالي متوقع يقدر بأكثر من 600 ألف طن، منها 150 ألف طن من الحبوب التقليدية والباقي من الأرز الخام.
أبرز مرتكزات الخطة
● زيادة مساحة إنتاج الحبوب والخضروات
● توفير المزيد من كميات البذور من مختلف الأصناف
● الاعتماد أكثر على الزراعات المحمية
● دعم تخزين المنتجات للاستفادة منها أوقات الذروة
● تطوير زراعة الأعلاف الحيوانية
● تعزيز التجهيزات الخاصة بالقطاع بآلات جديدة
وأكد سوكو أن ذلك سيمكن من تغطية حوالي 47 في المئة من الاحتياجات المحلية من الحبوب التقليدية وقرابة 93 في المئة من الأرز.
وتلعب تنمية الزراعة المطرية دورا هاما في الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية. و من أجل دعمها وتطويرها قامت وزارة الزراعة بتوفير أكثر من ألف طن من البذور.
كما تبذل الوزارة جهودا من أجل تطوير عمليات الإنتاج عبر التركيز على المكننة التدريجية للعمليات الزراعية بشراء 600 محراث تقليدي وحوالي 60 محراثا آليا، فيما يجرى شراء 15 جرارا مزودا بالملحقات المختلفة واللازمة لخدمة التربة.
ونظرا لموجة الجفاف الحادة التي تضرب البلد منذ سنوات كما هو الحال مع بقية دول شمال أفريقيا تسعى الحكومة إلى الاستعانة بالزراعات المحمية (الصوب الزراعية أو البيوت الزجاجية) لسد الفجوة في الأمن الغذائي التي تتسع عاما بعد عام.
ومن المخطط إدخال الزراعة المحمية لإنتاج الخضروات على مدار العام. وقال سوكو “سيتم شراء وتركيب أربعين بيتا محميا مجهزا بشكل كامل”.
وأضاف “سنعمل على دعم حفظ وتخزين وتسويق الخضروات وحماية المنتج المحلي في فترات الذروة”.
وتعتمد البيوت الزراعية على الري الشحيح والبذور عالية الإنتاج، كما أن كافة مراحل الإنتاج تحت السيطرة الآلية من خلال أجهزة الكمبيوتر، لتحديد نسبة الرطوبة ورصد الأمراض التي تصيب المحاصيل.
وتؤكد دراسات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن حجم الإنتاج في البيت الزجاجي عالي التكنولوجيا يصل إلى خمسة أمثال الإنتاج في الحقول المكشوفة في بعض الأصناف، ويصل في بعض الأحوال إلى سبعة أمثال.
ومن المتوقع أن تتم مضاعفة المساحة المزروعة بالخضروات في الموسم 2022 - 2023 مقارنة بالحملة الماضية لتصل إلى نحو 8 آلاف هكتار في العروتين الشتوية والصيفية.
كما سيتم توزيع حوالي ألف طن من البذور والتقاوي منها حوالي سبعة أطنان من البذور المحسنة وأخرى هجينة من مختلف أنواع الخضروات والكمية المتبقية من تقاوي البطاطس.
وتتوقع الحكومة أن تحقق إنتاجا يصل إلى 180 ألف طن من الخضروات ستغطي نسبة ستين في المئة من الطلب المحلي، لبلد يبلغ تعداد سكانه نحو 4 ملايين نسمة.
وفي نوفمبر الماضي دخلت الوكالة الوطنية للبحث العلمي والابتكار في شراكة مع المعهد العالي للتعليم التكنولوجي بمدينة روصو لتنفيذ مشروع نموذجي لإنتاج الخضروات المحمية المحلية بقيمة تقدر بـ92.4 ألف دولار.
ويدخل هذا المشروع، الذي يعتبر الأول من نوعه في البلاد، في إطار برنامج التنمية المحلية الذي أطلقته الوكالة في سبتمبر 2021 بهدف تطوير آلية لإنتاج وتخزين الخضروات المحلية بجودة عالية وبكميات كبيرة.
وأكد المدير العام للوكالة أحمد محمدن المنى في ذلك الوقت أن المشروع سيساهم في تطوير إنتاج الخضروات وتوفيرها في السوق وتعميمها على كامل مناطق البلاد مع الحفاظ على صلاحيتها لفترة زمنية طويلة.
وتقدر الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد بأكثر من نصف مليون هكتار، منها أكثر من 135 ألف هكتار من الأراضي القابلة للري على الجانب الموريتاني من نهر السنغال لم يستصلح منها سوى 46 ألف هكتار.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن المساحات المزروعة بلغت قرابة 31 ألف هكتار خلال 2019 ارتفاعا من نحو 16 ألف هكتار قبل ثلاث سنوات.
ويقول رئيس الاتحادية الوطنية للزراعة جا آدم عمار إن لكل منطقة من مناطق البلاد توجها خاصا في الزراعة ولها أيضا أثر قابل للقياس، ولذلك فإن “تنمية هذا التنوع يعتبر مصدرا للثروة والتكامل لبلدنا”.
وفي يناير 2020 أطلق الغزواني برنامجا لاستصلاح الأراضي الزراعية من أجل دعم الفئات الفقيرة، ويستهدف هذا البرنامج مساحة مروية تبلغ 523 هكتارا على ضفة نهر السنغال.
وبدأت أكثر من 700 أسرة فقيرة الاستفادة من المشروع في الربع الثاني من العام الماضي، والذي كلف الحكومة نحو 38 مليون دولار بتمويل من البنك الدولي.