حملة تركية لقطع حزب العمال الكردستاني عن حواضنه بشمال العراق قبل الإجهاز عليه عسكريّا

الحملة تشارك فيها جهات كردية عراقية عبر تكثيف تهم الإرهاب للحزب.
السبت 2024/07/20
الشيطان الأكبر في المنظور التركي

تركيا التي باتت معروفة بشراستها الدعائية والإعلامية ضدّ خصومها وأعدائها، دولا كانوا أم أفرادا وجماعات حزبية وغيرها، توجه في الوقت الحالي آلتها الدعائية ضدّ حزب العمال الكردستاني بهدف تشويه صورته ونزع صفة النضالية عنه وقطعه عن أي حاضنة شعبية له، وذلك بالتوازي مع تحريكها آلتها العسكرية في مناطق شمال العراق سعيا لاجتثاث مقاتليه من تلك المناطق.

العراق - تشنّ تركيا بالتوازي مع حملتها العسكرية واسعة النطاق ضدّ عناصر حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال العراق حملة دعائية مكثّفة يشارك فيها كبار مسؤوليها وتسخدم خلالها آلتها الإعلامية القوية بمختلف أذرعها ومنابرها، وذلك بهدف إسقاط الحزب أخلاقيا وقطعه عن حواضنه الشعبية في تلك المناطق تمهيدا للإجهاز عليه عسكريا.

وتقوم الحملة على عنصر ثابت يتمثل في وصم الحزب بالإرهاب والدموية، وآخر مستحدث يقوم على محاولة إقناع العراقيين، بمن في ذلك سكان مناطق إقليم كردستان العراق التي يتواجد فيها عناصر الحزب، بأن الأخير يهدد استقرار تلك المناطق ويعرقل تنميتها ويضر بدورتها الاقتصادية.

ولا تفتقر تلك الحملة إلى مساندة جهات عراقية وتحديدا كردية نمت لديها رغبة في التخلّص من الحزب الذي سهّلت في أوقات سابقة تواجده في مناطق نفوذها على أساس التضامن القومي معه، وباتت تجد مصلحة كبيرة في التقارب مع تركيا وعقد صفقات مربحة معها.

كما أنّ الحملة ذاتها تتوافق مع مصلحة حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية العراقية، وكلتاهما محرجتان من سلبيتهما إزاء توسّع الحملة العسكرية التركية في شمال العراق وتحوّلها إلى احتلال لمساحات شاسعة من محافظة دهوك موضع تركيز تلك الحملة في الوقت الحالي.

وتجد بغداد وأربيل في وصم حزب العمال الكردستاني بالإرهاب وتهديد الاستقرار وعرقلة التنمية مبرّرا مناسبا لعدم اعتراضهما على الحملة التركية.

الدعاية التركية تنسب تهجير سكان قرى بشمال العراق إلى حزب العمال فيما تؤكد تقارير دولية أن الجيش التركي مسؤول عن التهجير

وكان لافتا خلال الفترة القريبة الماضية تعدّد عمليات الكشف عن تورّط الحزب في أعمال إرهابية بالداخل العراقي، ما أثار التساؤل لدى جهات عراقية متابعة للملف: لماذا الآن، ولماذا بدا الأمر وكأنه اكتشاف مفاجئ، فيما حزب العمال الكردستاني متواجد على الأراضي العراقية منذ أكثر من أربعة عقود.

وجاء إعلان السلطات العراقية مؤخّرا عن توقيف شبكة تابعة لحزب العمال الكردستاني، متورطة في إشعال سلسلة من الحرائق في إقليم كردستان العراق وتخطط لإشعال أخرى في بغداد ولاستهداف خط لنقل النفط، متوافقا تماما مع المنظور التركي للحزب الذي تقول أنقرة إنّ خطره لا يقتصر على تركيا وحدها إنما يشمل العراق الذي يوجد مقاتلو الحزب على أراضيه، وتدعو بغداد تبعا لذلك إلى التعاون معها إلى أبعد حدّ في مواجهتها العسكرية ضدّه.

وأتى توقيف عناصر الشبكة المذكورة ليخفف الضغوط عن الحكومتين الاتحادية والمحلية وليوفّر ذريعة لأي تعاون مع تركيا في حربها ضد الحزب.

وسجّل خلال الفترة الأخيرة تقارب بين أنقرة وبغداد في الموقف من وجود عناصر حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية وذلك على وقع تنامي التعاون الاقتصادي والتنموي بين تركيا والعراق ومساعي الأخير لحلّ الخلافات مع الجانب التركي حول تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، وهو موضوع مؤرق على نحو خاص للعراقيين بسبب تناقص المياه في بلدهم بفعل تأثيرات عامل الاحترار المناخي.

وفي مارس الماضي أثمرت اتصالات مكثفة بين المسؤولين الأتراك ونظرائهم العراقيين عن إعلان العراق عن تصنيفه حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا محظورا على أراضيه.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع اتّهمت سلطات إقليم كردستان حزب العمال بمحاولة اغتيال مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي لحكومة الإقليم بتفجير سيارته في منطقة كلار بمحافظة السليمانية.

الحملة ذاتها تتوافق مع مصلحة حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية العراقية، وكلتاهما محرجتان من سلبيتهما إزاء توسّع الحملة العسكرية التركية في شمال العراق

وجاء في بيان لمجلس أمن الإقليم أن “حزب العمال الكردستاني استهدف العديد من المواطنين والقوات الأمنية في حكومة الإقليم خلال السنوات الثلاث الماضية، ويحاول منذ فترة تنفيذ عمليات اغتيال”.

وأضاف البيان أن حزب العمال “هو من يقف خلف استهداف مسؤول الحزب الديمقراطي الكردستاني أكرم صالح”.

كما اتهم المجلس في بيانه حزب العمال الكردستاني “بحرق الأسواق العامة والمحلات، ملحقا الأضرار بالمواطنين”، وبـ”الاتجار بالمخدرات والترويج لها على الصعيد الدولي”، معتبرا أنّه بذلك “يعرّض مستقبل المنطقة للخطر”.

ويكاد ما ورد في البيان يتطابق مع محتوى أخبار وتقارير إعلامية تبثّها وسائل إعلام تركية في نطاق الدعاية ضدّ حزب العمال الكردستاني.

ونقلت وسائل إعلام تركية قبل أيام خبر تعثّر عملية إغلاق  مخيمات النازحين في محافظة دهوك بشمال العراق وإعادة الإيزيديين المقيمين فيها إلى ديارهم في قضاء سنجار منذ أن فروا من القضاء عندما غزاه تنظيم داعش قبل نحو عشر سنوات.

وركز الإعلام التركي على أنّ المانع الوحيد لعودة هؤلاء النازحين هو وجود عناصر حزب العمال في المخيّم، فيما النازحون أنفسهم يقولون إن سلسلة أطول من المشاكل والتعقيدات تحول دون عودتهم إلى ديارهم، من بينها عدم توفر الأمن لوجود صراع بين أكثر من جهة مسلّحة داخل القضاء وعدم اكتمال ترميم بناه التحتية ومرافقه العامة والخاصة وتعثّر إعادة إعماره بعد الدمار الكبير الذي طاله بسبب غزو داعش والحرب التي دارت لإخراجه منه.

ولا تستثني بعض الجهات تركيا نفسها من الوقوف بشكل مباشر وراء عدم الاستقرار في سنجار بسبب عملياتها العسكرية والاستخبارية داخل القضاء، وتحريضها قيادات إيزيدية متعاونة معها على عرقلة عملية العودة واشتراط إخلاء سنجار بشكل كامل من عناصر حزب العمال لإتمام العملية.

بغداد وأربيل تجدان في وصم حزب العمال الكردستاني بالإرهاب وتهديد الاستقرار وعرقلة التنمية مبرّرا مناسبا لعدم اعتراضهما على الحملة التركية

وغير بعيد عن النشاط الدعائي التركي ضدّ حزب العمال الكردستاني تناقلت وسائل إعلام تركية تقريرا يظهر امتعاض سكان محافظة دهوك وغضبهم من وجود عناصر الحزب في المحافظة.

وتمثّل المحافظة المذكورة حاليا موضع عملية عسكرية تركية هي الأوسع نطاقا ضد حزب العمال داخل الأراضي العراقية.

وقد تسببت العملية في متاعب أمنية واقتصادية حقيقية لسكان المحافظة وثّقتها تقارير دولية أظهرت المخاطر التي يتعرّض لها السكان المحليون بسبب القصف التركي العنيف بالمدفعية والطائرات النفاثة والمروحية والمسيرة والدمار الذي يلحقه القصف بالبنى التحتية والممتلكات العامّة والخاصة.

كما وثقت التقارير ما يجده سكان مناطق تابعة لأربيل من صعوبات في مزاولة أنشطتهم الاقتصادية والحياتية اليومية بسبب تقطيع الجيش التركي لأوصال المحافظة بالحواجز ونقاط التفتيش.

وورد في التقارير أن الحملة التركية أصابت النشاط الزراعي الذي يمثل العمود الفقري لاقتصاد المناطق الريفية في دهوك بالشلل، بينما أشعلت عمليات القصف العشوائي حرائق كبيرة أتت على مزارع أشجار مثمرة وغابات في تلك المناطق.

ولم تعرض وسائل الإعلام التركية لكل تلك الأضرار لكنّها ركّزت في المقابل على نقل “شهادات” لأفراد من أربيل قالت إنّهم غاضبون بشدّة من وجود حزب العمال الكردستاني في محافظتهم.

وأوردت وكالة الأناضول التركية في تقرير لها مطالبة شبان يسكنون مركز المحافظة بخروج الحزب من المنطقة “لأنه يضر بالمدنيين والاقتصاد الإقليمي والأمن بسبب أعماله الإرهابية واحتلال القرى”، وفقا لتقرير الوكالة.

الحملة أثارت احتجاجات العديد من الشخصيات والقوى السياسية التي وجّهت انتقادات لاذعة للحكومة العراقية ولحكومة إقليم كردستان العراق بسبب صمتهما

وورد في التقرير أنّ الحزب “استهدف مرارا وتكرارا المدنيين وقوات الأمن والسياسيين في حكومة إقليم كردستان، وكبدهم خسائر مادية كبيرة من خلال حرق المئات من أماكن العمل في الأسواق”.

وأدى “احتلال التنظيم الإرهابي”، حسب وصف الوكالة التركية، “لمئات القرى في المنطقة إلى نزوح السكان من منازلهم ومناطقهم الزراعية، إضافة إلى مشاكل اقتصادية وأمنية”.

كما أورد التقرير أن احتلال حزب العمال لقرى بالمنطقة جعل “الأهالي يخشون الذهاب إلى أرض أجدادهم”، ونقل شهادة مدير دار الشباب في دهوك كافار رسول الذي قال إن نشاط حزب العمال زاد “مؤخرا في قضاء العمادية ما أدى إلى إخلاء تسع قرى هناك من سكّانها”.

ويظل في حكم المؤكّد وبالاستناد إلى تصريحات مسؤولين محليين ونواب عراقيين أن إخلاء قرى العمادية تمّ بسبب العملية العسكرية التركية داخل القضاء.

وبدأت القوات التركية مؤخرا حملة عسكرية في مناطق تواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي توصف بأنها الأعنف والأوسع نطاقا، ويتوقّع أنها جاءت تنفيذا لوعود الرئيس رجب طيب أردوغان بحسم الحرب ضدّ الحزب في أمد منظور.

وأثارت الحملة احتجاجات العديد من الشخصيات والقوى السياسية التي وجّهت انتقادات لاذعة للحكومة العراقية ولحكومة إقليم كردستان العراق بسبب صمتهما على ما تعتبره تلك الشخصيات والقوى انتهاكا تركيا لسيادة العراق وحرمة أراضيه.

وقال غياث سورجي القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إنّ القوات التركية مستمرة في تهجير سكان عدد من القرى في محافظة دهوك. وأشار إلى أنّ “تركيا تواصل عمليات القصف الجوي على قرى شمال العراق، ما تسبب في نزوح أهالي تلك المناطق وإخلائها من سكانها”.

وأكّد أنّ الجيش التركي “طالب سكان عدد من القرى في قضاء العمادية وسط محافظة دهوك بالخروج منها”، موضّحا أنّ القوات التركية “تواصل تعزيز تواجدها الميداني من خلال الدفع بالمزيد من الأرتال العسكرية وزيادة عدد القواعد التابعة لها في مناطق إقليم كردستان”.

3