حملة انتخابية محدودة لقيس سعيد: ثقة بشعبيته أم ضعف منافسيه

تونس – يدخل الرئيس التونسي المنتهية ولايته قيس سعيد الانتخابات المقررة الأحد دون أن يخوض حملة انتخابية قوية ودون إجراء مقابلات تلفزيونية ولم يوجّه كلمة إلى أنصاره لشرح برنامجه، وهو ما أثار تساؤلات حول المغزى من وراء ذلك، وهل أن قيس سعيد واثق من شعبيته وعلاقته المتينة بالناس أم لتقديره أن المرشحين الآخرين لا يقدران على منافسته.
وبالتوازي مع ذلك تدعو أحزاب وشخصيات سياسية وجمعيات إلى مقاطعة التصويت في الانتخابات، محذرة من أن ذلك يخدم شعبية قيس سعيد من خلال زيادة نسبة المشاركة، معتقدة أن النتيجة محسومة سلفا. ولا يبدو أن لهذه الدعوة تأثيرا على الرأي العام، ولا يتجاوز صداها أنصار بعض الأحزاب ونقاشات محدودة على مواقع التواصل.
ويبدو أن قيس سعيد يدرك أن الحملة الانتخابية ليس لها تأثير على الناس، بل ربما يعتبر أنها تأتي بنتائج عكسية، وأن الناخبين يربطون بينها وبين ما سمعوه في مناسبات انتخابية سابقة من شعارات ووعود لم يتحقق منها شيء، وهو لا يريد أن يربط صورته بأي شكل من أشكال الماضي.
وبدلا من حملة إعلامية قائمة على فكرة إطلاق الوعود، كثف قيس سعيد قبل انطلاق الحملة الانتخابية زياراته الميدانية ولقاءاته مع الناس ووقف على الكثير من المشاكل ووعد بحلها، في إشارة واضحة إلى أنه يعرف ما يفكر فيه الناس وما يريدونه، ولا يحتاج إلى شعارات أو تقديم وعود عامة لا تمس الناخب بشكل مباشر، أو تكون دليلا ضده في حال لم يتمكن من تنفيذها لسبب أو لآخر.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني إن “الرئيس سعيد قام بحملة انتخابية عادية دون بهرج، والسنوات الخمس الماضية التي قضاها في السلطة أطلع من خلالها التونسيين على برامجه وتوجهاته”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الحملة شملت تقريبا مختلف الجهات، والرسائل وصلت إلى الناس، والشعب فهم التوجهات منذ البداية بالقطع مع منظومة الإسلام السياسي وتجنب التعامل مع صندوق النقد الدولي والتأكيد على السيادة الوطنية والانفتاح على الشرق نحو روسيا والصين”.
وقادت حملة الرئيس المنتهية ولايته مجموعات من أنصاره كانت تتنقل من منطقة إلى أخرى رافعة صوره وداعية إلى إعادة انتخابه، ومحذرة من خطر عودة ما تسميه “منظومة الفساد”.
ولدى التونسيين حساسية تجاه الوعود خاصة بعد ما تعودوا عليه عقب ثورة 2011 من برامج وتعهدات انتخابية بتشغيل الآلاف من العاطلين عن العمل وتحسين الخدمات وخفض الأسعار وزيادة الرواتب والقضاء على الفوارق بين المناطق.
وأشار الكاتب والمحلل السياسي التونسي باسل الترجمان إلى أن “قيس سعيد لم يقم بحملة انتخابية، بل واصل حملته التفسيرية التي كان قد بدأها في انتخابات 2019، ورأينا كيف رفض تسلم منحة المال العام في 2019 ولم يقم بأي اجتماع شعبي”.
وأكد الترجمان في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس سعيد لا يؤمن بالأجسام الوسيطة ويعتبر نفسه في علاقة مباشرة مع الشعب”.
ويعتقد النشطاء في حملة قيس سعيد أن الناخبين الذين تحدثوا إليهم في الحملة التفسيرية بمختلف مناطق البلاد سيعيدون انتخاب الرئيس سعيد لولاية رئاسية ثانية، وأنه يحظى بثقة الناس بسبب حربه ضد الفساد ومواجهته للمحتكرين والمضاربين، ولا يمكن لأي جهة أخرى أن تغير موقفهم الداعم لقيس سعيد.
وفي مقابل تحمّس أنصار قيس سعيد لإجراء الانتخابات ودعم حظوظ مرشحهم، يدعو طيف من المعارضة إلى مقاطعة التصويت، معتبرا أن المشاركة تخدم قيس سعيد ولن تغير شيئا.
ودعت أحزاب يسارية، الخميس، إلى مقاطعة الانتخابات بدعوى أنها “لن تُجرى في ظروف ديمقراطية”.
لكن الشيباني يعتبر أن “دعوات مقاطعة الاستحقاق الانتخابي ليس لها أي تأثير على توجهات الناخبين، وقيس سعيد سينتصر في الانتخابات”.
ويواجه قيس سعيد الآن مرشحين اثنين؛ الأمين العام لحركة الشعب (قومية) زهير المغزاوي وهو حليف سابق للرئيس سعيد تحول في الآونة إلى منتقد له.
ولم يكن الآخر، العياشي زمال، معروفا قبل الحملة الانتخابية ولكن يبدو أنه اكتسب شعبية مؤخرا بسبب سجنه. وألقي عليه القبض في الشهر الماضي بتهمة تزوير وثائق انتخابية وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 شهرا في 18 سبتمبر. ويوم الثلاثاء حُكم عليه بالسجن لمدة 12 سنة أخرى بالتهم نفسها. وقال محاميه إن هذه الأحكام ذات دوافع سياسية.
ووسط حالة من الفتور وغياب الحماس، وفي ظل الخلاف بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية، دُعي حوالي عشرة ملايين ناخب للاقتراع الذي بدأ في الخارج الجمعة.
وأزاحت هيئة الانتخابات ثلاثة مرشحين يمثلون تيارات سياسية مختلفة من قائمة المرشحين في السباق (عبداللطيف المكي المحسوب على حركة النهضة الإسلامية، والمنذر الزنايدي المحسوب على أنصار الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي مدير مكتب الرئيس الأسبق منصف المرزوقي).
وأمرت المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى الاقتراع لكن هيئة الانتخابات رفضت ذلك. ثم جرد البرلمان، المنتخب بموجب دستور 2022، المحكمة من دورها في الانتخابات.
اقرأ أيضا: