حملة الإصلاحات التونسية تصل إلى الأسواق العشوائية

تترقب الأوساط الاقتصادية التونسية تأثير القرارات التي اتخذتها السلطات بتنظيم الأسواق العشوائية بعد تلكؤ المسؤولين لسنوات في معالجة مظاهر البيع الفوضوي داخل المدن، وخاصة في العاصمة، أملا في تحقيق مكاسب مالية ومنافع اجتماعية وتنموية كبيرة.
تونس - تتطلع تونس إلى اختراق أحد الخطوط المستعصية في حملة إصلاحاتها، والتي طالت هذه المرة الأسواق العشوائية، بغية تنظيمها بعدما عجزت الحكومات السابقة عن معالجة المشكلة، التي أثرت ليس فقط على أصحاب المحلات، بل على الاقتصاد عموما.
ولطالما تعالت الأصوات مطالبة الحكومة بوضع إستراتيجية عاجلة لإدماج اقتصاد الظل ضمن الاقتصاد الرسمي وفق أسس مدروسة لتعزيز معدلات النمو، خاصة وأن الفرصة سانحة الآن لتفادي أي مشكلات أعمق مستقبلا.
وتتخطى الحملة التي تقوم بها السلطات على مظاهر البسطات العشوائية والتجارة الفوضوية في أسواق بالعاصمة كونها ظرفية، لتتسم هذه المرة بعد سنوات من الارتباك في إدارة هذه المشكلة، بالجدية، بحسب ما يراه متابعون.
ويعد تنظيم الأسواق العشوائية إحدى الأولويات التي تعمل عليها الدولة لمواجهة انتشار الباعة المتجولين، واستعادة المشهد الحضاري لولايات (محافظات) البلاد، وكذلك زيادة موارد الخزينة العامة من خلال جعل التجارة الموازية تحت مظلة القانون.
ولسنوات ظل الباعة المتجولون وأصحاب البسطات يحتلون الأرصفة دون رادع من الجهات المعنية، وهم يعرضون أنواعا مختلفة من البضائع والمنتجات المقلدة والمهربة ومجهولة المصدر بأسعار رخيصة، على طوال الشوارع المزدحمة في ساعات الذروة.
وأوجدت هذه الأسواق حالة تنافسية غير عادلة من التجار الخاضعين للتراتيب النظامية، مما تسبب في ركود أعمالهم. ورغم استغاثاتهم على مدار سنوات لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق مطالبهم.
ويجزم اقتصاديون بأن السلطات أمام تركة هائلة من المشكلات تتعلق بالتجارة الموازية والتهريب، وهي تدرك بالفعل أن عليها تحديد خارطة واضحة المعالم للحد من هذه الآفة.
وبعد أيام من الحملة، التي شنتها المصالح البلدية مع الأجهزة الأمنية على الشوارع المحاذية لشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة والشوارع المجاورة للمدينة العتيقة، برزت تفاصيل الخطة التي تنوي السلطات تطبيقها حتى لا يخسر تجار البسطة نشاطهم.
ودعا وزير الداخلية كمال الفقي الذين يسترزقون من البسطات الفوضوية بالعاصمة إلى الإسراع في تقديم طلب الحصول على الأماكن المرصودة لهم في سوق تم تخصيصه لهم بالقرب من جهة المنصف باي حتى يستأنفوا نشاطهم.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن الفقي قوله أثناء زيارة هذا المكان، إن الدولة “تعلم عدد التجار” الذين يعملون في هذا المجال، لكنه لم يذكر الرقم بدقة، بيد أن المعلومات تشير إلى أن عددهم يتراوح بين 800 وألف شخص.
وأضاف “وفرنا في إطار مجهود مشترك بين الحكومة واتحاد الصناعة والتجارة، فضاء لتسوية وضعية هؤلاء”، وكان بديلا بالنسبة لأصحاب سيارات الأجرة في إطار مجهود الحكومة وخاصة وزارة النقل، لإيجاد حالة من التوازن، بما يرضي كل الأطراف.
وتابع وزير الداخلية “نعمل في إطار عملية مجتمعية متماسكة ونريدها متضافرة مع الشباب الذين لا نرضى أن نجدهم في وضعيات غير قانونية وغير محمودة العواقب”.
واعتبر أن هذه الظاهرة غير محمودة ومسيئة للمظهر العام وللتجار العشوائيين أنفسهم، حيث تؤدي إلى ظاهرة اجتماعية نوعا ما غير طبيعية في الأسواق والطرقات، وكذلك في المحلات المجاورة.
وبين أنه لا توجد إمكانية لمقاومة هذه الظاهرة إلا بإيجاد فضاء بديل لهؤلاء من أجل الحفاظ على كرامتهم وعلى موارد رزقهم.
وأكد أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد تتطلب دعم العائلات الضعيفة التي تعاني أوضاعا هشة وليست لهم إمكانية للعمل إلا عن طريق التجارة الحرة البسيطة.
1.6
مليون شخص منخرطون في التجارة الموازية، أي 44.8 في المئة من القوة العاملة النشيطة بالبلاد
ومن المقترحات التي تترافق مع الحملة لإدخال من يعمل في الأسواق العشوائية في سجلات الدولة، فإن على أي تاجر سيستغل السوق الجديد دفع قرابة 20 دينارا (نحو سبعة دولارات) يوميا لتغطية مصاريف السوق ومساهمته الاجتماعية وأعباء استئجار المحل.
وكان نائب مدير الأسواق والشؤون الاقتصادية في بلدية تونس سامي لوصيف قد صرح لإحدى الإذاعات الخاصة في وقت سابق هذا الأسبوع بأن العمل جار لإدماج التجار الفوضويين في الاقتصاد الرسمي.
وقال إن “مصالح البلدية تسلمت فضاء جديدا تمت تهيئته من حيث الإنارة وتقسيمه، بحيث ستكون لكل تاجر مساحة مخصصة تبلغ قرابة ستة أمتار مربعة لممارسة نشاطه”.
وقدم ازدهار الأسواق الموازية وانتشار مستودعات التخزين في الأحياء الشعبية والتي تغذي بدورها تجار البسطة من خلال لوبيات تتحكم بالسوق في ظل غياب هيبة الدولة، دليلا طيلة سنوات على عجز الجهات الرقابية عن مواجهة ظاهرة التهريب.
وترتبط الأسواق العشوائية في العادة بالتهريب، والتي باتت لسنوات آفة تنخر الاقتصاد نتيجة القنوات التجارية الموازية والبضائع غير المطابقة للموصفات والجودة التي يتم تسويقها. ويسبب التهريب خسائر يقدرها خبراء بالملايين من الدولارات سنويا.
ووفق تقرير أصدره الاتحاد الدولي للعدالة الجبائية بالشراكة مع شبكة العدالة الجبائية في نوفمبر 2021، تفقد تونس إيرادات ضريبية تصل إلى نحو 413 مليون دولار كل عام، وهي تشكل واحدا في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتتوزع الخسائر على تهرب ضريبي في حدود 374 مليون دولار، وتهريب ثروة خارج البلاد تقارب 38 مليون دولار سنويا.
وفي مارس 2019، كشفت السلطات التونسية أن حجم التهرب الضريبي بلغ حوالي 8.3 مليار دولار منذ العام 2011، وهي مستويات تنسجم مع تقديرات الخبراء.
وتستهدف تونس التقليص من حجم الاقتصاد الموازي من 50 إلى 20 في المئة، علاوة على تخصيص موارد مالية كبيرة لمكافحة الجريمة المنظمة.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن ثمة الآلاف من العاملين في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات يقومون بنشاطات لا تخضع للقوانين أو الرقابة، كما لا يدفعون الضرائب المستحقة.
وقدرت دراسة لمكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بتونس بالتعاون مع منظمة العمل الدولية نشرت منتصف يوليو الماضي، نسبة التونسيين العاملين في القطاع الموازي إلى القوة العاملة النشيطة بنحو 44.8 في المئة، أي ما يعادل 1.6 مليون شخص.
ويفوق الذكور العاملين في هذا القطاع بكثير نسبة الإناث اللاتي يمثلن 31.9 في المئة من العاملين في السوق الموازية.
وبحسب الدراسة، تبلغ نسبة العمال المستقلين ممن يعملون لحسابهم الخاص 87.6 في المئة من إجمالي الناشطين في القطاع الموازي.