حملات التوعية الدينية تفاقم أزمات الأسر المصرية

القاهرة – أعادت حملة “وعاشروهن بالمعروف” التي أطلقها الأزهر مؤخرا للحد من ارتفاع نسبة الطلاق في مصر، الجدل حول جدوى الحراك الديني الواسع لمحاربة الظواهر الاجتماعية السلبية، والاشتباك مع قضايا لم تكن مطروحة على أجندة الكثير من الهيئات الدينية في مصر بهذه الطريقة من الاهتمام.
ولم تكن حملة الأزهر ضد الطلاق الأولى من نوعها بل سبقتها حملة أخرى للحفاظ على الترابط الأسري باسم “وحدة لم الشمل”. وشاركت وزارة الأوقاف بحملة موازية للتوعية باختيار شريك أو شريكة الحياة تحت اسم “الميثاق الغليظ”.
ودأبت جهات رسمية دينية في مصر مؤخرا على إطلاق حملات وتنظيم ورش عمل وإدارة دورات لمحاربة ما يسمى بـ”الآفات الأسرية” وتدعيم الأنماط الإيجابية التي تتعرض للاندثار.
وفتحت هذه النوعية من المعالجات الاجتماعية بابا للتساؤل عن نتائج الحملات السابقة ومدى تأثيرها على المجتمع، بعد أن ظلت الظواهر التي تحاربها في تصاعد، ولا يزال الكثير من المواطنين يعانون من الأمراض الأسرية.
وتزعم قيادات في الأزهر أن الدخول في مجال التوعية بقضايا الأسرة، نوع من التوافق مع تجديد الخطاب الديني وظروف المجتمع، بعد أن تعرضت هذه المؤسسة الدينية لانتقادات عديدة، واتهامات بالتقاعس وعدم أداء دورها لدحر التطرف وتنقية التراث.ويبرر مسؤولون الحملة الأزهرية “وعاشروهن بالمعروف” بأنها ترمي إلى المزيد من التوعية بمخاطر الطلاق، وجاءت متوافقة مع التخوّف الحكومي من زيادة معدلات الطلاق.
وترى الحكومة أن تصاعد هذه الظاهرة يعرقل خطط التنمية، بعد أن وصلت، حسب إحصائيات رسمية، إلى أكثر من 750 ألف حالة في عام 2017، ومرجح أن تتزايد في الأعوام المقبلة، ما لم تتكاتف جميع الجهات للحد من التفسخ الذي تعاني منه الكثير من الأسر.
ولم يكتف الأزهر بتناول قضية مخاطر الطلاق، فقد جاء ذلك بعد فترة قصيرة من صدور بيان عنه حول ظاهرة التحرش الجنسي، الذي قال إنه “محرم وسلوك منحرف، وتبريره بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط”.
وعكست التداعيات الأسرية للحملات المتتابعة، من قبل الأزهر والأوقاف، سوء إدارة تلك الملفات، وعدم الدقة وغياب التركيز على الفئات المستهدفة، ما أضعف تأثيرها وجعلها أشبه بعمليات شكلية لتجميل وجه الأسر التي تزداد تشوها.
ويقول أحمد الصباغ، الخبير في إدارة الحملات الاجتماعية، إن إطلاق المؤسسات الرسمية حملات عامة يصطدم بقلة خبرة وسوء إدارة القائمين عليها، لأن صناعة أيّ حملة أسرية تحتاج إلى دراسة معمقة للفئة المستهدفة ونوعية الموضوع، وشكل وكيفية تنفيذ الأنشطة وحجم الدعم البشري والمالي فيها.
الاعتماد على مؤسسات دينية وحدها في مواجهة تصاعد معدلات الطلاق، لن يجدي نفعا في ظل تعدد الأسباب
ويضيف لـ”العرب” أن نجاح الحملات الأسرية والتوعوية يحتاج إلى التركيز على الفئات المستهدفة، وينبغي أن تقوم بها جهات لها علاقة مباشرة بالقضية أو الظاهرة، وفي حملة الأزهر الأخيرة ضد الطلاق من المفترض أن يتم توظيف جميع الأدوات الممكنة للوصول إلى أقصى عدد ممكن.
ويرى خبراء إعلام أن جزءا كبيرا من فشل الحملات الرسمية والدينية ضد الأزمات الأسرية سببه عدم إيمان القائمين على هذه الحملات بما يروجون له.
ويربط البعض بين حملة الطلاق التي دشنها الأزهر وبين رفضه القاطع لدعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إلغاء الطلاق الشفوي للتقليل من ارتفاع معدلات الطلاق.
وتكشف الحالة المتناقضة عن عدم قدرة الأزهر على خلق حملة أسرية- توعوية طالما ظلت قيادته غير قادرة على تغيير مفاهيمها واتخاذ خطوات فعلية ومؤثرة في مواجهة الظاهرة، وليس فقط استخدام دعوات النصح والإرشاد.
ويؤكد بركات عبدالعزيز، أستاذ الرأي العام بجامعة القاهرة، أن التوعية بقضايا الأسرة، المتعلقة بالمواريث وحقوق المرأة ومواجهة التحرش الجنسي وزيادة معدلات الطلاق، عندما تنطلق من المؤسسات الدينية يفترض أن تصبح مؤثرة، لأن تأثيرها قوي على عامة الأسر، لكن الدافع الحقيقي إلى تحقيق نتائج جيدة هو الإيمان بالقضية وتعزيز وتطوير سبل الترويج.
وأوضح لـ”العرب” أن الاعتماد على مؤسسات دينية وحدها في مواجهة تصاعد معدلات الطلاق، لن يجدي نفعا في ظل تعدد الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ما يعني أن المواجهة تتطلب دراسة الظاهرة بعمق من مختلف أبعادها.
وتأتي مبادرات الأزهر والأوقاف في مجال التوعية بقضايا الأسرة في إطار الدور التقليدي الذي تقوم به الكثير من المؤسسات الدينية، ولمجرد الإيحاء بأنها تنسجم مع التوجهات الحكومية، لكن دون توافق حقيقي يكون له مردود إيجابي على الأسرة.
وقامت وزارة الأوقاف بتنظيم العديد من الدورات التدريبية لتأهيل المقبلين علي الزواج، ضمن بروتوكول تعاون مع المجلس القومي للمرأة، وتم تسيير قوافل ضمن حملات طرق الأبواب، ولا تزال نتائجها بالنسبة للأسرة غير ملموسة.
وتوضح زينات. خ (رفضت ذكر اسمها كاملا خوفا من المساءلة، وهي واعظة بوزارة الأوقاف) أنها شاركت في حملات طرق الأبواب بمحافظة الإسكندرية، ضمن قافلة دعوية بالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة، وانطلقت الحملة في مناطق ريفية عدة، لكنها فوجئت برفض الكثير من الناس التعامل مع أعوان القافلة الدعوية أو السماح لهم بدخول منازلهم.
وكشفت لـ”العرب” أن حملات طرق الأبواب ركزت علي الجوانب المجتمعية، وربطها بالوازع الديني ومنهج بناء الأسرة، وقامت الواعظات بهذه المهمة، غير أنها افتقدت إلى التنوع في القائمين عليها من خبراء في علم النفس والاجتماع، لتكون أشمل وأكثر إقناعا للمستهدفين بالتوعية في الأسر المختلفة.
ولفت نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إلى أن مواجهة الطلاق أمر ضروري للحفاظ على الأسرة، لأن تصاعد معدلاته يؤدي إلى انتشار جرائم التحرش الجنسي والسرقة وغيرها من الجرائم الأسرية الخطيرة. وتابع في تصريحات لـ”العرب” “التوعية المجتمعية بمخاطر الطلاق ينبغي أن تكون هدفا قوميا، لا تقتصر على المؤسسات الدينية وحدها، ومن الضروري أن تتعاون جميع المؤسسات والجهات المعنية، وتكون توعية شاملة تتم على يد علماء دين وخبراء علم النفس وعلم الاجتماع وعدد من المتخصصين في شؤون الأسرة، فالأمر يتطلب تغييرا في ثقافة الزواج”.