حملات أمنية واعتقالات في مصر قبيل قمة المناخ

القاهرة – ضاعفت السلطات المصرية من مجهوداتها لتأمين نجاح قمة المناخ "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة الممتدة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر، باعتبارها مناسبة هامة وتعكس الوجه السياسي والحضاري للقاهرة أمام العالم، من خلال عدة إجراءات، من بينها الإفراج عن معتقلين سياسيين وعقد مؤتمر للحوار جمع كل الأطياف السياسية بهدف تهدئة الشارع والأصوات المعارضة.
ولكن مخاوف السلطات المحلية من احتجاجات مرتقبة دفعتها إلى القيام بحملات أمنية في شوارع القاهرة خصوصا، حيث رصد حقوقيون مصريون ممارسات وتحفظات أمنية طالت مواطنين في الأيام الماضية، خصوصا في القاهرة، على خلفية دعوات مجهولة أطلقت عبر الانترنت إلى الاحتجاج ضد النظام في الحادي عشر من نوفمبر.
ويتزامن يوم الاحتجاج مع مشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة دول أجنبية آخرين في مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب27"، الذي يستضيفه منتجع شرم الشيخ السياحي المطل على البحر الأحمر في شرق مصر، وهو ما يزيد من درجة تأهب سلطات الأمن.
وقال المحامي الحقوقي المصري البارز خالد علي إن الحملة الأمنية بدأت قبل قرابة أسبوعين على خلفية الدعوة إلى الاحتجاج، وشملت توقيف واستدعاء بعض الأشخاص وتفتيش هواتف المارة الجوالة في الشارع.
وأفادت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" بأنّ نيابة أمن الدولة العليا تحقق بشكل يومي مع مقبوض عليهم بسبب دعوات التظاهر المعروفة بـ"11/11"، وتصدر قرارات بحبسهم احتياطيا لمدة 15 يوما، بعد إدراج أسمائهم في قضيتين جديدتين، الأولى تحمل رقم 1691 لسنة 2022، والثانية رقم 1893 لسنة 2022.
ويواجه المعتقلون على ذمة القضيتين الاتهامات نفسها، وهي "نشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية لتحقيق أغراضها".
وكتب علي الجمعة على صفحته الرسمية على شبكة فيسبوك "تقريبا كل يوم في نيابة أمن الدولة ناس تحضر مقبوض عليها للتحقيق معها بزعم الدعوة ليوم الحادي عشر من نوفمبر 2022، وهذا يجري منذ عشرة أيام على الأقل، يعني حملة القبض بدأت مبكرا".
وأضاف "ناس كثر تم استدعاؤهم في محافظاتهم من الأمن الوطني لسؤالهم عن اليوم (الاحتجاج)، ومن دعا له، وهل سيشاركون أم لا، فضلا عن أن تفتيش الهواتف في وسط القاهرة يتصاعد كل يوم عن ذي قبل".
وأطلقت الدعوة إلى الاحتجاج، بينما يمر المصريون بوضع اقتصادي صعب، في ظل غلاء المعيشة مع بلوغ التضخم نسبة 15 في المئة، وفقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته منذ بداية العام الحالي أمام الدولار الأميركي، بعدما قرر البنك المركزي المصري مؤخرا اعتماد سعر صرف مرن.
ويرى محللون أن قرار تعويم العملة المحلية كان شرطا خلال مفاوضات طويلة مع صندوق النقد الدولي، حصلت الحكومة المصرية بموجبها على قرض.
وتبلغ نسبة الفقر، بحسب البيانات الرسمية، 30 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ زهاء 104 ملايين نسمة.
وحتى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال الأسبوع الماضي "لا يمكن لأي شخص يقل دخله عن 10 آلاف جنيه مصري (430 دولارا) شهريا أن يعيش" في مصر، فيما ثلث السكان يعيشون بأقل من 2200 جنيه في الشهر.
ولا تزال المنظمات الحقوقية محليا ودوليا تتهم نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بقمع المعارضة، إذ تقدر هذه المنظمات عدد سجناء الرأي في مصر بـ60 ألف شخص، إلا أن السيسي دائما ما ينفي ذلك.
وعلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تداول المستخدمون وسمين باسم "بعد الماتش (المباراة)" و"بروفه (تجربة أداء)" بشكل واسع، في إشارة إلى حث المصريين على الخروج في تظاهرات عقب مباراة دربي كرة القدم المصري بين الأهلي والزمالك الجمعة الماضي، استعدادا ليوم الحادي عشر من نوفمبر.
وعلى الرغم من عدم استجابة المصريين لدعوات الجمعة، أحكمت السلطات الأمنية قبضتها على وسط القاهرة، وخصوصا منطقة ميدان التحرير الذي شهد احتجاجات 2011 التي أسقطت الرئيس السابق حسني مبارك.
وقال أصحاب مقاه في وسط العاصمة إن الشرطة أمرت الكثير منهم بإغلاق أبواب محالهم بعد ظهر الجمعة.
ونشرت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية الدولية بيانا على صفحتها الرسمية على فيسبوك الجمعة أكدت فيه "رصد قيام جهاز الأمن الوطني وقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية في مصر، بشن حملة اعتقالات موسعة في معظم محافظات الجمهورية".
وأضافت المنظمة "تقوم كمائن الشرطة التابعة لوزارة الداخلية بتوقيف المواطنين بشكل عشوائي على الطرق، وتفتيش هواتفهم وفحص حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مع إلقاء القبض على أي مواطن يتم الاشتباه به سياسيا".
وفي سبتمبر 2019، كانت هناك دعوات مماثلة إلى الاحتجاج بعد مباراة كرة قدم بين الأهلي والزمالك، وقد خرجت عقبها تظاهرات محدودة ونادرة ضد حكم السيسي في وسط القاهرة، وأوقف الكثير من الشباب آنذاك وأفرج عنهم لاحقا.
وكتبت الناشطة والمحامية الحقوقية المصرية ماهينور المصري على صفحتها في العشرين من الشهر الحالي "موضوع استيقاف الناس في وسط البلد أصبح شيئا مستفزا.. ناس تسير في الشارع يتم استيقافها وتفتيش موبايلاتها لماذا؟ أي قانون هذا؟".
وأضافت "يجري ذلك في وقت يقولون (السلطات) إن هناك حوارا وجمهورية جديدة وإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية"، في إشارة إلى حوار وطني دعا إليه السيسي منذ ستة أشهر بمشاركة كل الأحزاب والفصائل السياسية.
وأعاد السيسي تشكيل لجنة العفو الرئاسي في أبريل وتم الإفراج عن العشرات من سجناء الرأي. واجتمعت الأمانة العامة للحوار الوطني مرات عدة، لكن لم يطلق الحوار بعد.
وكانت منظمة العفو الدولية أفادت الجمعة بأن قوات الأمن التركية قامت بتوقيف رئيس التحرير السابق لقناة الشرق ومقدم برنامج "رؤية" حسام الغمري الذي يقيم في تركيا، ولم يستبعد الأدمن الخاص بصفحته على تويتر ترحيله وتسليمه إلى مصر.
وكان حسام الغمري قد دعا على مواقع التواصل الاجتماعي المواطنين إلى التظاهر الجمعة، عقب انتهاء مباراة فريقي الأهلي والزمالك على بطولة كأس السوبر، كبروفة أو تجربة لتظاهرات الحادي عشر من نوفمبر، في وقت زادت فيه أجهزة الأمن المصرية من استنفارها ورفع درجة الاستعداد خوفا من اندلاع تظاهرات مفاجئة.
ونقلت وسائل إعلام مصرية الخبر واصفة الغمري بأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات في مصر وتصنفها إرهابية منذ نهاية 2013، بعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي نتيجة خروج الملايين من المحتجين ضد حكمه.
ووسط الدعوات مجهولة المصدر إلى الاحتجاج ضد نظام السيسي، توقع السياسي المصري وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات، في بيان نشره في التاسع عشر من أكتوبر، أن "يعلن الرئيس في عام 2024 عدم الترشح وأنه اكتفى بما حقق من إنجاز كبير يشهده القاصي والداني".
وأضاف "وسوف نشهد مرة أخرى انتخابات على شاكلة الانتخابات الرئاسية عام 2012، غير معروفة نتائجها سلفا، ويظل الجميع ينتظر ويترقب الفائز حتى لحظة إعلان النتيجة".