حماية الطبقة المتوسطة دعامة في إصلاح اقتصاد الأردن

تتجلى تداعيات الأزمة الاقتصادية للأردن في العديد من المؤشرات السلبية التي تتمثل في جانب منها في المخاوف التي يسوقها الخبراء من تآكل الطبقة المتوسطة والتي يرون أنها حجر الزاوية في أي خطط إصلاح، خاصة بعد تسجيل تراجع في نصيب دخل الفرد نتيجة الأزمات المتتالية.
عمّان – كثفت أوساط الخبراء في الأردن من ضغوطها على السلطات للأخذ بعين الاعتبار أثناء تنفيذ الإصلاح حماية الطبقة المتوسطة، والذي من خلالها يتم تحقيق التوازن الاقتصادي الذي يمثل ضمانة للاستقرار الاجتماعي.
ويخشى اقتصاديون من أن التقاعس في تقوية هذه الطبقة قد يبطئ من وتيرة الإصلاحات المنشودة لأن تآكلها سيلقي بظلال أكثر قتامة على معدلات النمو والطلب والاستهلاك، ما سينعكس سلبا على إيرادات الخزينة العامة.
ولذلك يرون أنه من الضروري اليوم تبني سياسات تعيد الاقتصاد إلى مساره الصحيح، وتسهم في توسيع شريحة الطبقة الوسطى بحيث تشكل هذه السياسات استراتيجية تنموية إضافة إلى تحسين مداخيل المواطنين وتحسين مستوى الخدمات الأساسية المقدمة لهم.
ويعد البلد أحد نماذج الاقتصاد الهش في المنطقة العربية باعتباره يعتمد على المساعدات الخارجية بشكل مفرط وتلتهم واردات الطاقة أكثر من ثلثي الموازنة السنوية ولذلك فإنه شديد التأثر بالأزمات الخارجية وتقلبات الاقتصاد العالمي.
محمد أبوحمور: تماسك هذه الفئة سيساعد الدولة على مواجهة الصعوبات
وتتزايد ضبابية الخروج من المشكلة في ظل استمرار تعثر جهود السلطات للبحث عن بدائل يمكن عبرها خلق الثورة خاصة وأن البلد ليست له تقاليد في الزراعة كما أن قطاعي السياحة والصناعة تأثرا كثيرا بالأزمة الصحية العالمية.
ويعتقد الخبير الاقتصادي الأردني محمد أبوحمور الذي كان يتولى وزارة المالية في السابق، أن للطبقة المتوسطة دورا أساسيا في تنمية المجتمع وتعزيز تماسكه وقدرته على مواجهة الصعوبات والتحديات.
ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى أبوحمور قوله إن هذه الطبقة “تعتبر محفزا مهما للنمو عبر توفير قاعدة واسعة من المنتجين والمستهلكين ومصدرا للمبادرات التي تشجع الابتكار عبر السعي الحثيث الذي تحرص عليه لتحسين أوضاعها المعيشية”.
وأكد أن هذه الطبقة مصدر رئيسي لتمويل نفقات الدولة، إذ تتحمل أعباء الضرائب والرسوم المختلفة، وفي الوقت ذاته فهي كثيرا ما تعتمد على مصادرها الذاتية للحصول على بعض الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وبذلك تخفف الأعباء عن كاهل الدولة.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد طالب الحكومة قبل أسابيع بوضع “خارطة طريق محكمة للسنوات المقبلة، تضمن إطلاق الإمكانيات لتحقيق النمو الشامل المستدام، الذي يكفل مضاعفة فرص العمل، وتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى معيشة” الناس.
وتتجلى خطورة تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع الأردني في التقديرات التي تشير إلى أنها تراجعت بنحو 29 في المئة إلى 12 في المئة خلال العام الماضي، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى زيادة نسبة شريحة الفقراء لتصل إلى قرابة 80 في المئة.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قد حذرت مرارا من ارتفاع مستوى الفقر في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 10.4 مليون نسمة، بعد أن كان عند خمسة في المئة قبل أكثر من عشر سنوات.
ويقول الخبير الاجتماعي الأردني حسين الخزاعي إنه استنادا لعدة مؤشرات رسمية فإن حوالي 3.5 مليون مواطن كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل الجائحة لكن الأمر اختلف الآن كثيرا.
ووفقا البنك الدولي، فقد كان متوسط نصيب الفرد الأردني من الناتج المحلي الإجمالي نحو 4310 آلاف دولار خلال العام 2020، مقارنة مع نحو 4410 دولارات قبل عام.
وقدم خبراء البنك في تقرير نشر نهاية العام الماضي بعنوان “المرصد الاقتصادي للأردن” تقييما واسع النطاق للثروة الأردنية خلال الفترة الواقعة ما بين عام 1995 إلى عام 2018 استنادا إلى منهجية ثروة الأمم التي وضعها البنك الدولي.
وانتهى التقييم إلى أن فجوة نصيب الفرد في الأردن بالمقارنة مع الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل حسب مستوى الدخل للعام المالي 2021-2022، التي يتراوح بين 4096 و12695 دولارا سنويا للفرد، آخذة في الاتساع.
وبالنظر إلى التحديات القائمة يشدد البنك على حاجة الأردن الذي يحتل المركز الرابع عربيا في نصيب الفرد إلى تنويع محفظة ثروته، وإلى عكس مسار الانخفاض في حصته من رأس المال البشري، وأيضا على حاجته لزيادة رأس ماله المنتج.
12 في المئة نسبة الطبقة الوسطى في 2021 بين 10.4 مليون نسمة نزولا من 29 في المئة
ويحمل التأخر في معالجة بعض السياسات الاقتصادية في طياتها أثرا مباشرا على الطبقة المتوسطة، حيث سيكون وقعها أشد وأكبر لاعتبارات متعددة تتعلق بالتركيبة الاجتماعية ومصادر دخلها وطبيعة إنفاقها.
كما أن مستوى قدرة هذه الفئة على التعامل مع مؤشرات التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الدعم الحكومي للسلع والخدمات نتيجة للإجراءات التقشفية وسياسات الإصلاح المختلفة، سيكون أقل مع مرور الوقت.
ولفت أبوحمور إلى أن معدلات النمو خلال العقد الأخير كانت تقل عن معدل النمو السكاني، ما يعني تراجع مستوى المعيشة بشكل واضح، وتزايد نسب البطالة.
وشكلت قيود الإغلاق سببا مباشرا بوصول البطالة بالبلاد في نهاية المطاف إلى مستوى عال بلغ نحو 24.8 في المئة العام الماضي، ارتفاعا من 19 في المئة فقط قبل تفشي الجائحة.
وأكد أبوحمور أن هذه الظاهرة تعمقت نتيجة لتفشي الجائحة التي تسبب بإغلاقات طالت العديد من القطاعات، وتسببت بفقدان الكثير من الوظائف لفئات واسعة من المواطنين.
وأشار إلى أن بعض السياسات الضريبية التي تم اتباعها خلال فترات ماضية أدت إلى تراجع القدرة الشرائية للكثير من أفراد الطبقة المتوسطة، وتسببت بالمزيد من الضغوط على الخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة للمواطنين.
وتعاني البلاد، التي تستورد أكثر من 90 في المئة من احتياجات الطاقة منذ سنوات ظروفا اقتصادية صعبة وديونا متراكمة، كما أنها تأثرت كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا ولاسيما أزمة اللاجئين.