حماية الحدود الإيرانية دور وظيفي يؤمّن للاتحاد الوطني الكردستاني مكانا بين حلفاء طهران في العراق

حاجة متزايدة لدى الحزب لسند إقليمي في مواجهة تركيا ومنافسيه المحليين.
الثلاثاء 2024/11/19
لقاء مشترك تحت خيمة الولاء لإيران

الحاجة المتزايدة للاتحاد الوطني الكردستاني إلى الدعم في المواجهات السياسية الحامية التي فجّرها ضد منافسيه المحليين والخصومة غير المتكافئة التي فتحها ضدّ تركيا تدفعه بشكل متزايد إلى البحث عن سند له لدى إيران وحلفائها العراقيين، عارضا مشاركته الفاعلة في تأمين الحدود الإيرانية من تحركات المعارضين الأكراد انطلاقا من أراضي كردستان العراق.

السليمانية (إقليم كردستان العراق)- يبحث الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني من خلال انخراطه الفاعل في جهود ضبط حركة المعارضة الإيرانية داخل أراضي إقليم كردستان العراق عن دور وظيفي يؤمّن له مكانا بين حلفاء إيران في العراق في ظل حاجته المتزايدة إلى سند إقليمي بعد أن صعّد خلافاته مع شريكه السياسي الكبير الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، ودخل في مناكفات شديدة مع تركيا بدعمه للمسلّحين الأكراد المعارضين لنظامها.

وتعوّل بغداد وطهران على الاتّحاد لأداء دور رئيسي سياسي وأمني في تنفيذ الاتّفاق الذي أعلنتا في مارس من العام الماضي التوصّل إليه بشأن تعزيز أمن المنطقة الحدودية بين إيران وإقليم كردستان العراق والتي تقول طهران إنّ المعارضين الأكراد المسلحين يتخذونها ملاذا لهم ومنطلقا لتهديد أمنها.

واتّجه قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي العراقي المشرف على تنفيذ الاتّفاق المذكور بعد عودته من إيران إلى السليمانية معقل نفوذ الاتحاد الوطني لوضع قيادة الحزب في صورة ما استجدّ خلال زيارته إلى طهران بشأن ملف تواجد المعارضة الإيرانية داخل الأراضي العراقية.

وينتمي الأعرجي حزبيا إلى منظمة بدر إحدى أقوى الفصائل الشيعية العراقية الموالية لإيران والتي طوّر الاتحاد الوطني الكردستاني علاقات وثيقة معها وأصبح يستعين بها في صراعه ضدّ الحزب الديمقراطي الكردستاني أملا في انتزاع زمام قيادة إقليم كردستان من يده والحلول محلّه كقائد رئيسي لسلطات الحكم الذاتي في الإقليم.

وعقد مستشار الأمن القومي العراقي في داباشان بالسليمانية مباحثات مع زعيم الاتحاد الوطني وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين هناك، وذلك أياما قليلة بعد عودته من الزيارة التي قام بها إلى إيران.

وذكر بيان لمكتب الأعرجي أنّ الأخير قام “بتوجيه من القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني (رئيس الوزراء) برفقة وفد أمني بزيارة إلى السليمانية لمتابعة تنفيذ الاتفاق الأمني بين العراق وإيران”.

وأضاف البيان أنّ الأعرجي وأعضاء الوفد الأمني المرافق له اجتمعوا مع قادة الأجهزة الأمنية بحضور بافل طالباني وناقشوا تنفيذ الاتفاق وجميع التفاصيل الواردة فيه.

وكان الأعرجي قد التقى الأسبوع الماضي في طهران بعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الإيرانيين وناقش معهم التعاون بين البلدين في المجال الأمني، مؤكّدا عزم بغداد على التنفيذ الكامل للاتفاقية الأمنية وتوفير الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية.

ونقلت عنه وسائل إعلام إيرانية قوله إنّ أمن العراق من أمن إيران وإن الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة كردستان العراق ستواجهان أيّ تهديدات أمنية للجمهورية الإسلامية.

من جهتها قالت وسائل إعلام محلية إنّ بافل طالباني بحث خلال استقباله الأعرجي “المستجدات الأمنية والعسكرية في المنطقة وتعزيز التنسيق بين القوات الأمنية في إقليم كردستان والعراق.” وأضافت أنّ المباحثات تطرقت إلى “ضرورة تكثيف التعاون في المجال الأمني والاستخباراتي من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة وحماية المواطنين من أيّ تهديدات إرهابية”.

ونقلت عن طالباني تأكيده على أهمية توحيد الجهود الاستخباراتية والعسكرية لمكافحة الإرهاب، معتبرا أنّه “من واجب الجميع اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفاعلية لحماية الأمن وعدم السماح للإرهابيين بالاستفادة من أيّ ثغرات أمنية.”

◄ إمكانيات أمنية ودراية بملف المعارضين الأكراد لإيران تتيح للاتحاد الوطني أداء دور في تنفيذ الاتفاق الأمني بين إيران والعراق

وأثير خلال اجتماع الأعرجي – طالباني موضوع المخميات التي خصصتها الحكومة العراقية لتجميع عناصر المعارضة الإيرانية بعيدا عن منطقة الحدود.

ويشكّل نزع سلاح تلك المعارضة وإبعادها عن حدود إيران نقطة رئيسية في الاتفاقية الأمنية بين بغداد وطهران والتي تم الكشف عن محتواها في وقت سابق.

ولخّصت مصادر عراقية محتوى الاتفاقية في ثلاثة عناصر رئيسية تمثّلت في منع تسلل المسلحين وتسليم المطلوبين وفقا للقانون، بالإضافة إلى نزع السلاح وإزالة المعسكرات وتجميع من كانوا بداخلها في مخيمات بعيدة عن الحدود.

ويعود تمركز المعارضين الأكراد الإيرانيين في مناطق الحدود بين إيران وكردستان العراق إلى سنوات طويلة سابقة لكنّ قضية الحدود عادت للبروز إلى الواجهة عندما تصاعدت الاحتجاجات التي تفجّرت في الداخل الإيراني بعد مقتل الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني على أيدي عناصر الشرطة الإيرانية واتهمت طهران تلك المعارضة بتأجيجها، وشن الحرس الثوري هجمات صاروخية وأطلق طائرات مسيرة مستهدفا ما قال إنّه تجمّعات لجماعات كردية متمركزة في شمال العراق.

وتسعى بغداد بمحاولتها ضبط تحركات المسلحين الأكراد داخل الأراضي العراقية الموازنة إلى استرضاء طهران وأنقرة المعنيتين على حدّ سواء بالقضية ذاتها.

وسبق لإيران أنّ وجّهت تهديدات صريحة بالتدخل العسكري المباشر داخل العراق إذا لم يبادر الأخير إلى إنهاء وجود المعارضة الإيرانية المسلّحة على أراضيه.

وقالت الخارجية الإيرانية في وقت سابق على لسان ناطق باسمها إنّه “إذا لم ينفذ الاتفاق في موعده فسنقوم بمسؤولياتنا تجاه الجماعات الإرهابية في كردستان العراق.”

وجعلت التهديدات والضغوط الإيرانية السلطات العراقية في سباق ضدّ الساعة للإيفاء بالتزاماتها الأمنية لإيران بنزع سلاح المعارضين الأكراد الإيرانيين المتواجدين على أراضي إقليم كردستان العراق وتفكيك تجمعاتهم هناك. وقال الأعرجي إنّ “بغداد تبذل جهودا كبيرة لتنفيذ بنود الاتفاق الأمني مع إيران.”

ودأبت القوات الإيرانية على توجيه ضربات بالمدفعية والطيران لمواقع تمركز المسلّحين في المناطق الجبلية بشمال العراق، إلاّ أن استعدادات هؤلاء المسلّحين وإتقانهم أساليب التحصّن في المناطق الوعرة جعل من تلك الضربات قليلة الجدوى قياسا على الأقل بالنتائج التي يحققها الجيش التركي في ملاحقته واسعة النطاق لمسلحي حزب العمال في مناطق كردستان العراق وحتى خارجها في بعض الأحيان.

◄ نزع سلاح المعارضة وإبعادها عن حدود إيران يشكّل نقطة رئيسية في الاتفاقية الأمنية بين بغداد وطهران والتي تم الكشف عن محتواها في وقت سابق

ويحذّر عراقيون من أنّ لجوء إيران إلى توسيع عملياتها بالشمال العراقي على غرار ما تقوم به تركيا سيحوّل أراضي كردستان العراق إلى بؤرة توتّر وعدم استقرار وإلى منطلق آخر لموجة نزوح داخلي تضيف أعدادا أخرى لسكان المخيمات البائسة في عدد من المناطق العراقية.

وسبق لإيران أن منحت مهلة قصيرة للعراق لتنفيذ الاتفاق، لكنّ خبراء أمنيين شكّكوا في إمكانية التطبيق الحَرْفي لبنوده نظرا إلى صعوبة المهمّة المتمثّلة في ضبط وإجلاء ما يقارب العشرين ألف فرد من عناصر المعارضة الإيرانية بينهم عدد كبير من المسلّحين المتفرّقين في مناطق جبلية وعرة.

وقارن هؤلاء بين المهمّة الجديدة المطلوبة من السلطات العراقية، وعملية إخلاء معسكر أشرف في محافظة ديالى شرقي بغداد من عناصر مجاهدي خلق المعارضين للنظام الإيراني والذين كانوا لاجئين في العراق منذ عهد الرئيس الأسبق صدام حسين.

فرغم أن عدد هذه العناصر لم يجاوز الأربعة آلاف فرد وكانوا متجمعين داخل معسكر وأسلحتهم تحت السيطرة، فإن عملية إجلائهم لم تخل من صعوبات جعلت العملية تستمر من مطلع سنة 2012 حتى سنة 2014 حيث لم يكن إيجاد موطن جديد لهم خارج العراق أمرا سهلا.

ولا تكشف السلطات العراقية إلى حدّ الآن عن الوجهة التي سيرحّل إليها المقاتلون الأكراد الإيرانيون وعوائلهم في حال بدأ التنفيذ الفعلي للاتّفاق مع إيران.

ومع صعوبة المهمّة تستطيع السلطات العراقية التعويل على خدمات الاتحاد الوطني في تقييد حركة هؤلاء المسلحين نظرا إلى درايته الكبيرة بالملف وامتلاكه أجهزته الأمنية الخاصّة به من بيشمركة وأسايش وغيرهما والتي يستطيع توظيفها في ضبط الأمن ومراقبة الحدود في مناطق نفوذه الواقعة أساسا في تماسّ مع الأراضي الإيرانية.

3