حماس كمن يتلمس الأعذار بعد دمار غزة

قطاع غزة (الأراضي الفلسطينية) - بعد ثلاثة أشهر من عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الذي تلاه هجوم إسرائيلي من البر والبحر والجو هو الأعنف على الإطلاق على قطاع غزة المكتظ بالسكان، أصدرت حركة حماس وثيقة توضيحية لسبب وأهداف هجومها في توقيت يثير أسئلة حول دوافعها لإصدار مثل هذه الوثيقة في هذا التوقيت الذي حولت فيه إسرائيل القطاع الفلسطيني إلى كومة من الركام والخراب وقتلت خلاله ما يزيد عن 25 ألف من المدنيين وأصابت فيه عشرات الآلاف ودمرت فيه البنية التحتية والمرافق الصحية بشكل يصعب العيش فيه.
وجاءت الوثيقة في الوقت الذي بدأت فيه ترتيبات معلنة وغير معلنة لإدارة القطاع بعد الحرب وفق عدة سيناريوهات لم تنضج بعد وطروحات أميركية وغربية غابت عنها السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي ومطالبات أميركية بسلطة جديدة بينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمرار الحرب وأكد أن إسرائيل لن تتخلى عن إدارة القطاع أمنيا واستحالة عودة حماس أو سلطة الرئيس محمود عباس.
كما تأتي الوثيقة بعد أن وجهت شخصيات فلسطينية وعربية انتقادات حادة لحماس وحملتها المسؤولية عن مقتل وإصابة عشرات آلاف الفلسطينيين وتدمير القطاع وسط دعوات لمحاسبتها من خلال لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات في ما جرى.
وأكدت حركة حماس في وثيقة طويلة نشرتها الأحد أن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل كان "خطوة ضرورية واستجابة طبيعية" لمواجهة "الاحتلال الإسرائيلي"، مطالبة بـ"وقف فوري للعدوان" الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقالت حماس في الوثيقة التي جاءت بعنوان "هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى" وزعتها باللغتين العربية والانجليزية، إن "معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال والاستعمار لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023 وإنما بدأت قبل ذلك منذ 105 عاما من الاحتلال: 30 عاما تحت الاستعمار البريطاني و75 عاما من الاحتلال الصهيوني".
وأضافت "كانت عملية طوفان الأقصى خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والسيطرة على الأرض وتهويدها وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
وشنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجوما غير مسبوق على الدولة العبرية تسلّل خلاله مقاتلوها إلى داخل إسرائيل مخترقين السياج الفاصل مع قطاع غزة وأطلقوا النار على إسرائيليين وخطفوا العشرات واقتادوهم إلى قطاع غزة. وردّت إسرائيل بهجوم مدمّر على القطاع متواصل منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
ونفت حماس في وثيقتها التقارير الإسرائيلية عن استهدافها مدنيين خلال الهجوم مؤكدة أنها هاجمت فقط مواقع عسكرية. وقالت إن "تجنب استهداف المدنيين وخصوصا النساء والأطفال وكبار السن، هو التزام ديني وأخلاقي يتربّى عليه أبناء حماس"، مضيفة أن "مقاومتنا منضبطة".
إلا أنها أشارت إلى عدم امتلاك الحركة الفلسطينية "أسلحة دقيقة وإن حصل شيء من ذلك طال المدنيين فيكون غير مقصود".
واعتبرت أن ما تحدثت عنه إسرائيل حول استهداف مقاتلي حماس لمدنيين إسرائيليين "محض افتراء وكذب"، مشيرة إلى أن "مصادر المعلومات التي تدعي ذلك هي مصادر إسرائيلية ولا توجد مصادر مستقلة تؤكد صحة مزاعمها".
وأضافت "ربما يكون قد حدث بعض الخلل بسبب انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بشكل كامل وسريع وحدوث بعض الفوضى نتيجة الاختراقات الواسعة في السياج" الفاصل.
وسبق لمصادر في حماس أن قالت إن عددا من سكان قطاع غزة استغلوا الفوضى التي رافقت هجوم السابع من أكتوبر وعبروا إلى إسرائيل في ذلك اليوم.
واتهم مسؤولون ومواطنون إسرائيليون مقاتلي حماس بارتكاب فظاعات خلال الهجوم، بينها اعتداءات جنسية وقتل مدنيين عشوائيا وممارسات تعذيب.
وجاء في وثيقة حماس أن عددا من أشرطة الفيديو التي تم التداول بها بعد الهجوم و"شهادات إسرائيليين" أظهرت أن عددا من المدنيين قتلوا في ذلك اليوم "على يد قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي نتيجة ارتباكهم".
وطالبت بـ"وقف العدوان الإسرائيلي فورا" على قطاع غزة ووقف "الجرائم والإبادة الجماعية"، والعمل على فتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة وإدخال المساعدات.
وانتقدت الدول الغربية الداعمة لإسرائيل. وأشارت الوثيقة إلى أن "كبرى الدول التي تتغنّى بالعدالة وانحازت للاحتلال في عدوانه الأخير"، تريد لإسرائيل "أن تبقى دولة فوق القانون، وأن يفلت مسؤولوها من المساءلة والمحاسبة".
ودعت تلك الدول لا سيما الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وبريطانيا إلى أن "أن تعلن دعمها مسار المحكمة (محكمة العدل الدولية) للتحقيق في كل الجرائم" التي قامت بها إسرائيل.
ورأت أن أحداث السابع "يجب أن توضع في سياقها الأوسع"، معتبرة أن "حالات التحرر من الاستعمار والاحتلال الأجنبي"، لطالما استدعت "مقاومة"، وأن هذا ما تقوم به حماس.
من جهة أخرى رفضت الحركة الفلسطينية الإسلامية في وثيقتها "أي مشاريع دولية وإسرائيلية تسعى لتحديد مستقبل قطاع غزة، بما يتناسب مع معايير الاحتلال ويكرّس استمراره"، مؤكدة على أن "الشعب الفلسطيني يملك القدرة والكفاءة في أن يقرّر مستقبله بنفسه"، و"لا يجوز لأحد أن يفرض الوصاية عليه".
ويرفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "أي سيادة فلسطينية" على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. كما لا يزال يرفض حل الدولتين الذي تدعو إليه الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة.
وقتل في هجوم السابع من أكتوبر 1140 شخصا في إسرائيل، وفق السلطات الإسرائيلية. وتسبب الرد الإسرائيلي على القطاع المحاصر بمقتل 25105 شخص، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس ودمار هائل للمباني والبنى التحتية والمرافق الصحية في القطاع الفلسطيني قد يحتاج فيه سنوات من إعادة الاعمار وتكاليف ضخمة بعشرات مليارات الدولارات.