حماس توهم نفسها بأن لديها مستقبلا في سلطة مشتركة مع فتح

مستقبل الحركة قضية شائكة في مرحلة ما بعد الحرب.
الخميس 2024/06/06
شكوك متبادلة

رام الله (الضفة الغربية) – تحرص حركة حماس على المشاركة في أي حوار مع حركة فتح في روسيا أو الصين أو مصر للإيحاء بأن لديها مستقبلا في السلطة كطرف رئيسي، وأنها ستخرج من الحرب الحالية من دون أن تواجه حسابا إسرائيليا وأميركيا شديدا، وأن الفلسطينيين سيحتفون بها “ديمقراطيّا” بالرغم مما خلفته مغامرة الهجوم على غلاف غزة من قتلى وجرحى ومآس إنسانية كبيرة.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين ليس مهما ما إذا كانت حماس ستلتقي فتح في الخارج أو ستنضم إلى منظمة التحرير أو ستنضوي تحت مظلة الرئيس محمود عباس؛ ما يهم هو ما سيقوله الناس بعد توقف الحرب وشروع الفلسطينيين في إحصاء القتلى والجرحى والمفقودين والنازحين والمشردين بلا مأوى، وما إذا كانوا سيهتمون بالحديث عن المصالحة أم بالجدال حول التوافق أم بالحديث عن الانتخابات؟

وتحاول حماس أن تبدو في صورة الضحية وتحميل إسرائيل مسؤولية ما جرى، لكن سكان قطاع غزة لن يستطيعوا التفريق بين من تولى عملية التدمير والتهجير وبين من استدرجه إليها بهدف تسجيل مكاسب سياسية لحركته أو سلطته في القطاع.

ليس مهمّا ما إذا التقت حماس بفتح أو انضمت إلى منظمة التحرير، ما يهم كيف سينظر إليها الفلسطينيون بعد الحرب

ومن الصعب قبول السلطة الفلسطينية بأن تتحول إلى مظلة للتستر على حماس وإخراجها من المأزق تحت أي شعار سواء تجاوز مرحلة الانقسام أو المصالحة، لأن السلطة ذاتها ستجد نفسها في مواجهة عقوبات إسرائيلية وأميركية.

وتشير مقابلات مع خمسة مصادر في حركة فتح وحركة حماس إلى أن الانقسامات العميقة ستعوق إحراز تقدم في محادثات المصالحة المقررة بين الحركتين منتصف هذا الشهر في الصين. وتأتي هذه المحادثات في أعقاب جولتين أجريتا مؤخرا لبحث المصالحة، إحداهما في الصين والأخرى في روسيا.

وسيعقد الاجتماع المقبل وسط محاولات من جانب وسطاء دوليين للتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث تتمثل إحدى النقاط الشائكة الرئيسية ضمن خطة “اليوم التالي” للحرب في: كيف سيتم حكم القطاع؟

وتدرك حماس أنها لا يمكن أن تكون جزءا من أي حكومة جديدة معترف بها دوليا للأراضي الفلسطينية عندما ينتهي القتال في القطاع. وذكر القيادي الكبير في حماس باسم نعيم أن الحركة تريد مع ذلك أن توافق فتح على تشكيل حكومة خبراء (تكنوقراط) جديدة للضفة الغربية وغزة في إطار اتفاق سياسي أوسع.

وقال نعيم، الذي شارك في الجولة السابقة من محادثات المصالحة في الصين، في مقابلة “نتكلم عن مشاركة سياسية وعن مصالحة بالمفهوم السياسي لإعادة نظم الكينونة الفلسطينية”. وأضاف “أن تكون الحركة في الحكومة أو خارجها ليس هذا هو المطلب الأساسي للحركة أو الذي تصدره كشرط لأي مصالحة”. ويعمل نعيم، مثل الكثير من قادة حماس السياسيين، في المنفى خارج غزة.

حح

واحتمال استمرار حماس كلاعب سياسي مؤثر قضية شائكة بالنسبة إلى الدول الغربية. وبالرغم من هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتمثل في القضاء على حماس، يتفق معظم المراقبين على أن الحركة ستتواجد بشكل مّا بعد وقف إطلاق النار.

وتعارض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أي دور لحماس في حكم قطاع غزة بعد الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 36 ألف فلسطيني حتى الآن، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

ومع ذلك عبر بعض المسؤولين الأميركيين في أحاديث خاصة عن تشككهم في قدرة إسرائيل على القضاء على الجماعة. وقال مسؤول أميركي كبير في 14 مايو الماضي إن واشنطن تستبعد أن تتمكن إسرائيل من تحقيق “نصر كامل”.

وقال بيتر ليرنر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن قتل كل عضو في حماس أمر غير واقعي ولم يكن ذلك هدفا للجيش الإسرائيلي، لكن القضاء على حماس كسلطة حاكمة “هدف عسكري يمكن تحقيقه وسهل المنال”.

الانقسامات العميقة ستعوق إحراز تقدم في محادثات المصالحة المقررة بين الحركتين منتصف هذا الشهر في الصين

وتؤيد الدول الغربية فكرة إدارة قطاع غزة بعد الحرب من قبل السلطة الفلسطينية عقب إعادة هيكلتها، وهي السلطة التي يقودها عباس وتتمتع بحكم ذاتي محدود في مناطق بالضفة الغربية.

وهيمنت فتح، بقيادة عباس ومن قبله ياسر عرفات، بلا منازع على أوراق القضية الفلسطينية لعقود من الزمن حتى صعود حماس.

وأدارت السلطة الفلسطينية قطاع غزة حتى عام 2007، عندما طردت حماس فتح من القطاع بعد اقتتال بينهما، وذلك عقب عام من هزيمة فتح في الانتخابات البرلمانية، وهي المرة الأخيرة التي أدلى فيها الفلسطينيون بأصواتهم.

وبالرغم من المحادثات تعني الخصومة والخلافات بين الحركتين أن احتمالات التوصل إلى اتفاق على إعادة توحيد إدارة الأراضي الفلسطينية لا تزال ضعيفة.

وقال يزيد صايغ، وهو باحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، “توقعاتي بالتقارب ضئيلة أو دون ذلك”. ويطمح الفلسطينيون إلى إقامة دولة على جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، عندما استولت على الضفة الغربية -بما في ذلك القدس الشرقية- وقطاع غزة.

ورغم اعتراف 143 دولة بفلسطين، بما في ذلك اعتراف أيرلندا وإسبانيا والنرويج في الأسبوع الماضي، تضاءلت آمال إقامة دولة ذات سيادة منذ سنوات في ظل توسيع إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية ومعارضتها إقامة دولة فلسطينية.

ويزيد الانقسام بين حماس وفتح من صعوبة تحقيق هذا الهدف. والحركتان لديهما وجهات نظر متباينة جدا حيال الإستراتيجية، إذ تلتزم فتح بالمفاوضات مع إسرائيل لإقامة دولة مستقلة بينما تدعم حماس الكفاح المسلح ولا تعترف بإسرائيل.

وخرجت الخلافات إلى العلن خلال القمة العربية التي انعقدت في مايو الماضي عندما اتهم عباس حماس “بتوفير المزيد من الذرائع والمبررات” لإسرائيل لتدمير قطاع غزة من خلال شن هجوم السابع من أكتوبر الماضي. وقالت حماس إن هذا التعليق مؤسف ووصفت السابع من أكتوبر بأنه لحظة حاسمة في النضال الفلسطيني.

oo

وفي مارس الماضي شهد عباس مراسم أداء اليمين الدستورية لحكومة جديدة تابعة للسلطة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى، وهو مساعد مقرّب إلى عباس أشرف على إعادة إعمار غزة عندما كان نائبا لرئيس الوزراء في حكومة سابقة من 2013 إلى 2014. وعلى الرغم من أن الحكومة كانت تتألف من تكنوقراط، أثارت خطوة عباس غضب حماس التي اتهمته بالتصرف بشكل منفرد.

ووصف صبري صيدم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في مقابلة مع رويترز، تشكيل حكومة جديدة بأنه إضاعة للوقت. وقال “نحن بصراحة لسنا معنيين على الإطلاق بإضاعة المزيد من الوقت في تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي سندفع قدما أن تثبت أقدام هذه الحكومة حتى تستمر بعملها”.

وقال مسؤول كبير آخر مطلع على شروط فتح لمحادثات الصين إنها تريد من حماس أن تعترف بدور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وأن تلتزم بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير.

ويشمل ذلك اتفاقيات أوسلو الموقعة قبل 30 عاما والتي اعترفت بموجبها منظمة التحرير بإسرائيل، والتي تعارضها حماس بشدة. وقال المسؤول إن فتح تريد أن تتمتع الحكومة بسيطرة أمنية وإدارية كاملة في غزة، وهو ما يمثل تحديا لنفوذ حماس هناك.

1