حماس تتجه لقبول هدنة طويلة مع إسرائيل برعاية مصرية أممية

القاهرة - تشي التحركات المصرية والفلسطينية بأن هناك مرحلة جديدة على وشك أن تدخلها القضية الفلسطينية، إما أن تؤدي إلى تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل وتفتح مجالا للمصالحة الداخلية، وإما أن تنحرف نحو انتكاسة قد تكلف أطرافا عديدة الكثير.
والتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، نظيره الأميركي مايك بومبيو في واشنطن، الأربعاء، وناقشا عددا من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها الملف الفلسطيني.
وصرح السفير أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن المحادثات عكست الرغبة المشتركة لدى البلدين في أن تشهد العلاقات الثنائية قوة دفع جديدة خلال المرحلة المقبلة، وذلك من خلال تكثيف الزيارات الثنائية، وعقد جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي وآلية 2+2 على مستوى وزيري الخارجية والدفاع بين البلدين في أقرب فرصة ممكنة.
وركز شكري خلال لقائه مع بومبيو على الجمود الحاصل في عملية السلام وخطورة استمرار الوضع الحالي الذي تغيب فيه الرؤية الدولية الموحدة لكيفية استئناف المفاوضات.
من جهته أشاد وزير الخارجية الأميركي بالجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مشددا على أن مصر شريك استراتيجي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وأن هناك حرصا من الإدارة الحالية على تعزيز علاقتها مع القاهرة.
وحظيت القضية الفلسطينية بجانب كبير من الاهتمام في نقاشات شكري مع المسؤولين في واشنطن، بما يوحي أن هناك رغبة في تهدئة الجبهة الفلسطينية، وإعادة النظر حيال بعض النقاط الخلافية التي كشفت دوائر أميركية معنية بالشرق الأوسط عن إمكانية تصويبها بصورة تتضمن تسوية سياسية غير منحازة إلى إسرائيل، أو بمعنى أدق تراعي حدا معقولا من حقوق الشعب الفلسطيني.
وأدت تحفظات مصرية وعربية عديدة حول “صفقة القرن” التي كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينوي طرحها إلى التراجع مؤقتا عنها، ونقل إليه مبعوثاه للمنطقة قبل أسابيع، جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، امتعاض القاهرة من الخطوط العريضة التي قدماها للمسؤولين هناك.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ“العرب”، إن القاهرة نجحت في “خلخلة” بعض القناعات الأميركية حيال عملية السلام، وجعلتها تعيد التفكير في رؤيتها بما يضمن نجاحها، في ظل ظروف فلسطينية وإقليمية بالغة التعقيد.
وكان شكري بحث الثلاثاء، مع جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، القضية الفلسطينية وأهمية تجاوز الجمود الذي يعتري عملية التسوية، وأكد بولتون أن واشنطن تريد الحفاظ على الطابع الاستراتيجي للعلاقة مع القاهرة التي قال إنها “تلعب دورا محوريا في دعم الاستقرار والتوازن في منطقة الشرق الأوسط”.
وكشف غرينبلات خلال لقائه مع شكري، قيامه بإجراء اتصالات مع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية (لم يسمها) للتمهيد لطرح الرؤية الأميركية (المؤجلة) لدعم عملية السلام، معربا عن تقدير بلاده لجهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية، واعتبرها “خطوة أساسية لمعالجة الوضع في غزة، وجزءا لا يتجزأ من أي خطة شاملة لتحقيق السلام”.
وتقوم مصر ونيكولاي ميلادينوف مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط بجهود كبيرة لوقف تدهور الأوضاع الاقتصادية في غزة وضمان التوصل لتهدئة طويلة المدى بين حركة حماس وإسرائيل، بدعم من واشنطن، كخطوات لاستئناف الطرق بقوة على باب المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس والتي تقودها مصر.
وتوقع نائب إسرائيلي انفراجة مع حماس بعد مواجهات مستمرة منذ أربعة أشهر فجرت تهديدات متبادلة بالحرب.
وألمح جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إلى وجود قنوات مباحثات سرية، مع حماس حول التهدئة في غزة.
وأطلعت حماس قوى فلسطينية في غزة على طبيعة التهدئة المنتظرة، وتلقت ردود فعل متفاوتة، لكنها تنوي المضي قدما فيها، لأنها تعتبرها نافذة لتطبيع علاقاتها مع واشنطن ودوائر غربية كثيرة، تتردد في التعامل مع الحركة الإسلامية علنا.
وأبدت حركة فتح معارضة لما تقوم به حماس، لافتة إلى أن ما يتم الآن يندرج ضمن صفقة القرن التي تريد طرحها واشنطن.
وقام الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأربعاء بزيارة إلى قطر، أملا في إفشال ما يتم الترتيب له من تهدئة طويلة، تعقبها متغيرات سياسية قد تهدد سلطته.
وقبل الذهاب للدوحة أجرى زيارة للأردن حيث التقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي قال أنه “لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يستند إلى حل الدولتين”.
وأكد العاهل الأردني على “أهمية العمل مع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لإيجاد آفاق سياسية، تخدم المصالح الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني”.
ويستبعد مراقبون أن تعارض الأردن المساعي المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، كذلك الشأن بالنسبة للتهدئة بين حماس وإسرائيل.
وكانت إسرائيل وافقت، بمباركة أميركية، على دخول أعضاء من المكتب السياسي لحماس في الخارج إلى قطاع غزة، بقيادة صالح العاروري، لعقد اجتماع نادر لأعضاء المكتب في الداخل والخارج، لاتخاذ موقف بشأن التهدئة وتسويقها فلسطينيا.
ووصل القاهرة، الأربعاء، وفد من حماس لاستكمال المباحثات بشأن التهدئة، ومناقشة ورقة مصرية ثانية خاصة بالمصالحة، بعد تحفظات أبدتها فتح على الورقة الأولى، في محاولة لتقريب المسافات بين الحركتين، وتمهيد الطريق لمصالحة تعتبرها مصر مدخلا لأي عملية سلام جديدة تتبناها واشنطن.
وحذر شكري في لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين من سلبيات الجمود الذي تمر به عملية السلام وما تنطوي عليه من تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة.
واتسعت المباحثات المصرية الأميركية لما هو أبعد، وشهد لقاء شكري- بومبيو، الأربعاء، اهتماما بالأزمة الليبية، التي بدأت واشنطن تزيد الانخراط فيها، وتتفهم الهواجس المصرية من احتدام التنافس الفرنسي الإيطالي في الأراضي الليبية حاليا.
واتخذت واشنطن جملة من الخطوات للحوار مع قوى مختلفة، بغرض رفع يد الميلشيات عن المؤسسات المتحكمة في القرارات المهمة في ليبيا، والتنبيه إلى ضرورة التوزيع العادل للثروة التي تصب في صالح الغرب على حساب الشرق.
وصرح مصدر مصري مطلع لـ”العرب” أن هناك تعاونا كبيرا مع واشنطن، ساهم في ردع بعض القوى التي ترى أن استمرار الأزمة الليبية يحقق مصالحها.
وتوقع أن تتزايد معالم التنسيق في الفترة المقبلة عقب الوصول لرؤى متقاربة في بعض الملفات الحيوية، مشددا على أن واشنطن جادة هذه المرة في ردع القوى الرافضة أو المعطلة للتسوية السياسية، ولن تترك الأمر لقوى إقليمية أو دولية لتتلاعب بالأزمة وتعطيل محاولات تسويتها، وأن أمر الانتخابات والمصالحة الوطنية في حوزة الشعب الليبي وعلى المجتمع الدولي مساعدته في ذلك.
واستشهد المصدر بالتفاهم الكبير حول أهمية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية الفترة المقبلة، باعتبارها في مقدمة صمامات الأمان السياسي، ملمحا إلى ظهور خطوات عملية في هذا الفضاء قريبا.
وربما تكون لأول مرة التي تناقش فيها واشنطن القاهرة بصورة كبيرة الأزمة السورية، لذلك عرض شكري على المسؤولين الأميركيين استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة لتوسيع نطاق أحزمة التهدئة في الأراضي السورية والتي حققت نجاحا نسبيا تحت رعاية روسيا.
ويرى متابعون أن القاهرة يمكنها أن تصبح طرفا يحظى بتوافق روسي- أميركي لتحقيق المزيد من الهدن، لأنها تلقى قبولا من جانب أطراف عربية وسورية، وربما تصبح البديل المقبول، سوريا وعربيا ودوليا وإسرائيليا، لتحل مكان القوات الإيرانية في سوريا.
ولم تتلق “العرب”، إجابة محددة من المصادر المصرية التي عرضت عليها هذه النتيجة، لكن أحدهم قال “هناك حضور رمزي عسكري مصري على مستوى الخبراء والمستشارين لمساعدة الجيش السوري، تم بعلم جهات إقليمية ودولية، قد يكون مقدمة لتعاون أوسع”.