حماة تواجه مصير حلب

حماة (سوريا) - تصطدم محاولات هيئة تحرير الشام والتنظيمات المسلحة المتحالفة معها للتقدم في اتجاه مدينة حماة الإستراتيجية بمقاومة شرسة من القوات السورية، التي كانت فقدت قبل أيام قليلة سيطرتها على محافظة حلب، ثاني أكبر محافظة سورية.
ويقول متابعون إن القوات السورية امتصت على ما يبدو صدمة الهجوم المباغت على محافظة حلب، وبدأت تستعيد بعضا من أنفاسها، وهي تحاول اليوم وقف تمدد المجاميع المسلحة الموالية لقطر وتركيا، لكن الأمور تبدو صعبة، خاصة مع فتح قوات مدعومة من الولايات المتحدة جبهة جديدة ضدها في شمال شرق البلاد وتحديدا في دير الزور.
ويشير المتابعون إلى أن الجيش السوري يحاول جاهدا الحفاظ على سيطرته على حماة، هذه المدينة الإستراتيجية التي يعني سقوطها وصول هيئة تحرير الشام وحلفائها إلى محافظة حمص، وبالتالي فتح الباب أمام التمدد صوب العاصمة دمشق، ومدن الساحل السوري.
ولأول مرة منذ عام 2011، باتت حلب خارج سيطرة القوات السورية التي تراجعت قواتها بشكل مفاجئ أمام زحف التنظيمات المسلحة، لتفقد بذلك مساحة جغرافية كبيرة، بعد أن كانت خسرت السيطرة على كامل محافظة إدلب بتمكن هيئة تحرير الشام من السيطرة على مدينة معرة النعمان الإستراتيجية.
هيئة تحرير الشام تخوض الثلاثاء معارك عنيفة ضد القوات الحكومية في مساعيها للتقدم صوب حماة
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن هيئة تحرير الشام تخوض الثلاثاء معارك عنيفة ضد القوات الحكومية في مساعيها للتقدم صوب حماة.
وأفاد المرصد عن “اشتباكات في ريف حماة الشمالي، حيث تمكنت الفصائل خلال الساعات الأخيرة من السيطرة على مدن وبلدات عدة في المنطقة، بينها طيبة الإمام وحلفايا وصوران.” وتزامنت مع “تنفيذ الطيران السوري والروسي العشرات من الضربات على المنطقة.”
وتُعدّ الاشتباكات، وفق المرصد، “الأعنف” بين الطرفين، منذ بدأت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) والفصائل الحليفة لها، هجوما واسعا الأربعاء ضد القوات الحكومية.
وجاءت الاشتباكات بعدما كان الجيش السوري أرسل تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، ساهمت خلال اليومين الماضيين في إبطاء تقدم التنظيمات المسلحة.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن مصدر عسكري الثلاثاء قوله “إن الطيران الحربي السوري – الروسي المشترك يوجه ضربات جوية وصاروخية مركزة على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي ويوقع العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الإرهابيين.”
الطيران الحربي السوري – الروسي المشترك يوجه ضربات جوية وصاروخية مركزة على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي
وشوهد في ريف حماة الشمالي صباح الثلاثاء العشرات من الدبابات والآليات العسكرية التابعة للقوات السورية متروكة على جانبي الطريق المؤدي إلى مدينة حماة.
وقال مقاتل عرّف عن نفسه باسم أبوالهدى الصوراني “نعمل على التقدم باتجاه مدينة حماة بعد تمشيط” البلدات التي تمت السيطرة عليها.
وصرح مدير المرصد رامي عبدالرحمن بأن الفصائل “تسعى للتقدم باتجاه مدينة حماة، بعد تأمين سيطرتها على مدينة حلب.”
وتقع حماة في عمق سوريا، وتربط حلب بدمشق، ومن شأن الاقتراب منها، وفق عبدالرحمن، أن “يشكل تهديدا للحاضنة الشعبية للنظام”، مع تمركز الأقلية العلوية التي يتحدر منها الرئيس بشار الأسد في ريفها الغربي.
ومن شأن أي تصعيد طويل الأمد في سوريا أن يؤدي إلى تفاقم الاضطراب في المنطقة التي تعاني بالفعل من حربين في غزة ولبنان حيث دخل اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ الأسبوع الماضي.
القوات السورية امتصت على ما يبدو صدمة الهجوم المباغت على محافظة حلب، وبدأت تستعيد بعضا من أنفاسها
وأسفرت المعارك والغارات في شمال وشمال غرب البلاد، والتي لم تشهد لها سوريا مثيلا منذ سنوات، عن مقتل 571 شخصا منذ السابع والعشرين من نوفمبر، من بينهم 98 مدنيا، وفقا للمرصد، كما أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان.
وحتى السبت، نزح أكثر من 48500 شخص في منطقة إدلب وشمال حلب، أكثر من نصفهم من الأطفال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
من بين هؤلاء الآلاف من الأكراد السوريين الذين اصطفّت سياراتهم وشاحناتهم أو دراجاتهم النارية المحمّلة بالفرش والبطانيات على طريق حلب – الرقة السريع (شمال)، وفق شهود عيان، وذلك للوصول شرقا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد.
في إدلب التي قصفها الطيران السوري والروسي ردا على الهجوم على حلب، أظهرت صور عناصر إنقاذ بينما كانوا يبحثون بين أنقاض المباني التي دمّرتها الغارات التي استهدفت أيضا مخيّما للنازحين في حرنبوش.
وقال حسين أحمد خضر “لا أستطيع وصف الرعب الذي شاهدناه.”
وفي إدلب يسري منذ السادس من مارس 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته موسكو وأنقرة، وأعقب حينها هجوما واسعا شنّته قوات النظام بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.
وفي حلب، أظهرت صور مسلّحين يقومون بدوريات في شوارع المدينة بالقرب من القلعة التاريخية أو اتخذوا مواقع في المطار الدولي للمدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة. كذلك، أظهرت صور سكانا يقفون في طابور للحصول على الخبز الذي توزعه إحدى الجمعيات.

في مواجهة استئناف الأعمال العدائية على نطاق واسع في سوريا بعد أكثر من عقد على بدء النزاع في البلاد، تزايدت الدعوات الدولية إلى وقف التصعيد.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى “وقف فوري للأعمال العدائية”، حسبما ما نقل عنه المتحدث باسمه.
من جانبها، حضّت واشنطن “كل الدول” على “استخدام نفوذها” لخفض التصعيد في سوريا، كما ندد الاتحاد الأوروبي بالضربات الروسية على المناطق ذات الكثافة السكانية.
واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد في اتصال مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان أنّ “التصعيد الإرهابي” يهدف إلى “إعادة رسم خارطة المنطقة.” فيما تعهّد بزشكيان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي بتقديم “دعم غير مشروط” للأسد.
ووفق الكرملين، أكد الرئيسان أيضا “أهمية تنسيق الجهود… بمشاركة تركيا” التي تدعم المجاميع المسلحة في شمال غرب البلاد.
وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا أودى بأكثر من نصف مليون شخص، ودفع الملايين إلى النزوح وأتى على البنى التحتية والاقتصاد في البلاد.
ومنذ 2015، تمكنت القوات السورية بدعم من إيران وروسيا من استعادة مناطق شكلت معاقل للفصائل المعارضة. وساهم التدخل الجوي الروسي في تعديل كفة الميدان لصالح دمشق. ورغم ذلك، بقيت مناطق واسعة خارجة عن سيطرة القوات الحكومية.
واحتفظت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها بمناطق في محافظة إدلب وأجزاء متاخمة من محافظات حلب وحماة واللاذقية المجاورة، فيما سيطرت القوات الكردية المدعومة من واشنطن على مناطق واسعة في شمال شرق البلاد.
اقرأ أيضاً: