حل صندوق التآزر بين الصحافيين أحد أوجه أزمة الإعلام في تونس

القطاع المتأزم يتطلع إلى صدور قانون لدعم استقلالية وسائل الإعلام.
الاثنين 2024/04/01
وضعيات هشة

يمثل حل صندوق التآزر بين الصحافيين التونسيين مظهرا جديدا من مظاهر الأخطار التي تهدد القطاع الإعلامي في تونس بسبب عدم انخراط الصحافيين في الصندوق، إضافة إلى عدم استجابة الدولة لمطالب تجديد رخصة نادي الصحافيين كما بقية القطاعات، ما أدى إلى تدهور مداخيل الصندوق وحسرها.

تونس - مع التوجه نحو حل صندوق التآزر بين الصحافيين التونسيين بسبب تخلي جميع الأطراف عنه والأزمة التي يعيشها قطاع الصحافة، تتجه الأنظار نحو صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها الذي طرح مشروعه نواب في البرلمان. وقرر مجلس إدارة صندوق التآزر بين الصحافيين التونسيين السبت، تأجيل جلسته العامة المخصصة لحل الصندوق لعدم اكتمال نصاب الحاضرين على أن تعقد بعد أسبوعين.

وقال رئيس الصندوق الصحافي محسن عبدالرحمن في تصريح لوكالة الأنباء التونسية (وات)، إن أعضاء مجلس الصندوق سيعملون على حله في اجتماع قادم سيلتئم بعد 15 يوما، وفق ما ينص عليه القانون، حتى لا تتحول المصاريف وغيرها على كاهلهم الشخصي. وأوضح أن الصندوق الذي يعمل منذ عشرين عاما على دعم الصحافيين وإسنادهم ماديا واجتماعيا هو تعاونية، والوحيد من نوعه الذي لم يجد سلطة إشراف ينضوي تحتها.

وذكر عبدالرحمن أن مسؤولي الصندوق كانوا توجهوا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية وإلى عدد من السلط والمسؤولين دون أن يجدوا استجابة لمطالبهم ولا حتى الاستماع لمشاغلهم. وكان صندوق التآزر بين الصحافيين التونسيين تأسس بتاريخ الثالث عشر من فبراير 2004 ومثل آلية لدعم جهود الصحافيين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

وتراجعت قروض الصندوق بشكل كبير من إسناد مبلغ يقدر بـ117 ألفا و400 دينار لفائدة الصحافيين سنة 2018 إلى 70 ألف دينار سنة 2020، ثم ألف و600 دينار فقط خلال سنة 2023. وبين عبدالرحمن أن عدم انخراط الصحافيين في الصندوق، إضافة إلى عدم استجابة الدولة لمطالب تجديد رخصة نادي الصحافيين كما بقية القطاعات، أدى إلى تدهور مداخيل الصندوق وحسرها.

◙ الصندوق كان آلية لإسناد ودعم الصحافيين وتقديم المساعدات العاجلة وتمتع بخدماته المئات من الصحافيين ولكن القطاع يعيش أوضاعا صعبة

وأضاف أن الصندوق كان آلية لإسناد ودعم الصحافيين وتقديم المساعدات العاجلة وتمتع بخدماته المئات من الصحافيين و”لكن القطاع يعيش أوضاعا صعبة، تزداد قتامة يوما بعد يوم”. وسيشكل حل صندوق التآزر بين الصحافيين مظهرا جديدا يضاف إلى مظاهر الأخطار التي تهدد القطاع الإعلامي في تونس وخاصة الصحافيين.

وخلافا لمؤسسات الإعلام العمومي وبعض المؤسسات الإعلامية الخاصة، التي تعيش نوعا من الاستقرار المادي والمناخ الاجتماعي المقبول، فإن العديد من مكونات المشهد الإعلامي تعيش أزمات اقتصادية ما فتئت تتراكم، ما حدا بها إلى التنصل من التزاماتها تجاه منظوريها. ولم تتحسن أوضاع الصحافيين الاقتصادية والاجتماعية في تونس خلال الأعوام الماضية بل هي في تدهور مستمر، ذلك ما أكده رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين زياد دبار.

وتفيد إحصائيات نقابة الصحافيين التونسيين بأن أقل من 60 في المئة فقط من الصحافيين المنخرطين بالنقابة مستقرون مهنيا، في حين تتراوح أوضاع البقية بين عقود محددة في الزمن وهشة أو دون عقود. وذكر أن المسح الذي أنجزته النقابة سنة 2020، وشمل 1500 صحافي، يؤكد أن 58 في المئة منهم فقط يتمتعون بأجور تفوق الألف دينار وأن 16.8 في المئة تصلهم أجور مقابل عملهم في الصحافة أقل من ألف دينار و18.7 في المئة أقل من 700 دينار.

وأشار نقيب الصحافيين إلى أن المسح ركز على الظروف الاجتماعية والاقتصادية للصحافيين “ولم تتغير مؤشراته تقريبا إلى اليوم”. كما بين ذات المسح أن 90 في المئة من الصحافيين المعنيين تمثل الصحافة مصدر دخلهم وقوتهم. ويبين تقرير حول الأوضاع الاجتماعية الخاصة بالجسم الصحافي أن التشغيل الهش في قطاع الإعلام مستمر، لاسيما في ظل غياب إطار قانوني ملزم لكافة الأطراف وغياب الدور الرقابي للدولة.

ويشمل التشغيل الهش على وجه الخصوص المراسلين المحليين العاملين بـ”القطعة” والصحافيين المستقلين بعقود لا تضمن لهم الحد الأدنى من الحقوق والتغطية الاجتماعية والاعتراف القانوني من المؤسسة. ويعمل الفريق القانوني لنقابة الصحافيين على عدد هام من الملفات القضائية، التي تكون فيها النقابة طرفا مباشرا أو غير مباشر، عبر مساندة الصحافيين سواء تعلق مركزهم القانوني بصفة الشاكي أو بصفة المشتكى به أو القائم بالحق الشخصي في الملفات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي.

وفرضت الأزمات التي يشهدها قطاع الإعلام عموما، وما تعانيه مؤسسات إعلامية عديدة من صعوبات مادية وهيكلية على الهياكل المهنية والرسمية على وجه الخصوص، اتخاذ جملة من المبادرات والإجراءات سعيا لإيجاد بعض الحلول.

وفي هذا السياق، نجحت المفاوضات والمطالب القطاعية في إتمام ملف إلحاق إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم بالمرفق العمومي في نوفمبر 2021، وكذلك إلحاق الطاقم العامل بإذاعة “شمس أف.أم” المصادرة ( 48 صحافيا) بمؤسسة الإذاعة التونسية، في ظل استحالة ضمان ديمومة هذه المؤسسة بعد سنوات من النزاعات القضائية، التي أدت إلى تأخر صرف أجور العاملين بها. وتعمل هياكل الدولة على مشروع دمج مؤسستي “سنيب لابريس” و”دار الصباح”، سعيا للحفاظ على ديمومة هذين المؤسستين العريقتين في الصحافة المكتوبة.

في المقابل، لم ينطلق العمل على مقترح القانون المتعلق بدعم استقلالية وسائل الإعلام، الذي ينص على إحداث “صندوق دعم استقلالية وسائل الإعلام وجودة مضامينها”، وضبط شروط وطرق تدخله بعد أن أودعه، في الثامن والعشرين من فبراير 2024، 25 نائبا بمكتب الضبط المركزي بالبرلمان. ويهدف إحداث هذا الصندوق وفق نص المبادرة، إلى المساهمة في الدعم المالي لإنتاج مضامين صحفية ذات جودة بمختلف أصنافها، تستجيب لقواعد المهنة الصحفية وأخلاقياتها، وإلى الدعم المالي للأعمال الدرامية الوطنية والمشتركة.

◙ هياكل مهنية تدعو إلى إعادة توزيع الإعلانات العمومية حسب معايير الجودة وخدمة قضايا المجتمع ودعم المؤسسات الإعلامية

كما يهدف الصندوق إلى دعم المشاريع التي تسعى إلى مواكبة التطور التكنولوجي والرقمنة وثقافة الدمج بين مختلف المحامل، إضافة إلى دعم استقلالية وسائل الإعلام ضمانا للجودة والشفافية، وضمانا للشروط الأساسية للاستقرار الاجتماعي بالمؤسسات الإعلامية. ولم تفتح المؤسسة التشريعية ملف الإعلانات العمومية رغم وجود مشروع قانون يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للتصرف في الإعلانات العمومية والاشتراكات، كان حظي بإجماع الهياكل المعنية بالقطاع، وتم إيداعه منذ سنة 2019 بمكتب الضبط بالبرلمان المنحل.

وأدى عدم نشر الاتفاقية الإطارية إلى استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الصحافيون، وذلك رغم صدور قرار من الدوائر التعقيبية بالمحكمة الإدارية في مارس 2023 لم تلتزم الحكومة بتطبيقه. وترمي هذه الاتفاقية، التي تمثل ضمانة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والفكرية بالقطاع، إلى القضاء التام على كل أشكال التشغيل الهش ومحاولات المس من كرامة الصحافيين، لاسيما في القطاع الخاص.

وأطلقت تسعة هياكل مهنية في الثاني من فبراير الماضي “صيحة فزع” بشأن تدهور الأوضاع في الإعلام، وأكدت أن أوضاع جزء واسع من الصحافيين “كارثية ويتهددهم الطرد الجماعي والعشوائي والعمل بالعقود الهشة والحرمان من التغطية الاجتماعية مما يهدد قدرتهم على أداء أدوارهم”. وأضافت في بيان مشترك وقعته بالخصوص نقابة الصحافيين وجامعة الإعلام باتحاد الشغل وجمعية مديري الصحف ونقابات التلفزات والإذاعات الخاصة، أن القطاع يعج بـ”المؤسسات الصحفية الهشة وغير القابلة للحياة، في ظل سوق إشهارية (سوق إعلانات) محدودة وغير منظمة”.

ودعت في هذا الشأن إلى إعادة توزيع الإعلانات العمومية حسب معايير الجودة وخدمة قضايا المجتمع، والمساعدات التي تقدمها الدولة للمؤسسات الإعلامية على غرار المساعدات المالية المباشرة والتخفيضات على القيمة المضافة والإعلان الخاص. وشددت على ضرورة “حماية الصحافيين من سياسات التهميش والتجويع الممنهجة” والدفاع عن مهنة تقوم على مقاربة أساسها القيم الكونية لحرية الصحافة وحق التونسيين في إعلام مهني قوي يقوم بأدواره الحقيقية.

5