حل حزب العمال الكردستاني يؤثر في سياسات تركيا داخليا وخارجيا

حل حزب العمال الكردستاني يتيح لتركيا أن تعيد ترتيب أوراقها. ووقف الحرب سيعني آليا التفرغ لمعالجة وضع الأكراد في الداخل سياسيا وثقافيا، وفتح أبواب التهدئة مع أكراد دول الجوار وخاصة في سوريا. لكن هل تستجيب تركيا لهذه التوقعات وتشجع الأكراد على استكمال خطواتهم أم تستمر في خيار التصعيد.
لندن - بعد توقف الحرب التي دامت لأكثر من أربعة عقود، تدخل تركيا، بعد وقف حزب العمال الكردستاني أنشطته وحل نفسه، مرحلة جديدة داخليا وخارجيا في اتجاه بناء علاقات الثقة مع الأكراد في الداخل وفي الإقليم وحل الخلافات الحدودية مع دول الجوار.
ويرى المحلل والخبير السياسي التركي غالب دالاي أن إعلان حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه)، في الثاني عشر من شهر مايو الجاري حل نفسه وإنهاء الصراع، يعد قرارا تاريخيا. وبلورت القضية الكردية بشكل جوهري شخصية الدولة التركية ومفهومها للتهديد، وكان لها تأثير على سياسة تركيا الداخلية والخارجية أكبر من أيّ قضية أخرى. ومن ثم سوف تكون للسلام الدائم تداعيات واسعة النطاق قد تساعد على سحب تركيا قواتها من العراق ومن سوريا وتشجيع الحوارات الداخلية بين الأكراد والحكومات المعنية.
وإذا لم يرد الأتراك الانسحاب من المناطق الحدودية مع سوريا والعراق، فإن المناخ الذي وفّره حل حزب العمال سيضغط عليها لسحب قواتها. وقال دالاي، وهو زميل استشاري بارز، بمبادرة تركيا، في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس البريطاني إن عملية السلام الجديدة فريدة من نوعها من حيث أنه ليست هناك عناصر خارجية أو أطراف ثالثة. وإنها إضافة إلى ذلك، تبدأ بإنهاء الكفاح المسلح وحل المجموعة المتمردة ولا تنتهي بهما.
ورغم أن الكفاح المسلح قد انتهي، سوف تتطور القضية الكردية الآن إلى مسألة سياسية ومدنية وديمقراطية بشكل أكثر. وهذه بداية عملية جديدة وحسمها سوف يستغرق وقتا. ودرست تركيا لفترة طويلة تجارب دول مثل كولومبيا وإيرلندا وإسبانيا وسريلانكا، وإذا كللت هذه العملية بالنجاح، فإن تركيا والأكراد سوف يتطورون إلى نموذج لحل الصراعات والتعامل مع التعبير المسلح لمسألة هوية قائمة منذ فترة طويلة.
وتأثر نهج أنقرة تجاه الدول المجاورة لها منذ فترة طويلة بصراعها مع حزب بي كيه كيه ووجوده أو فروعه التابعة له في العراق وسوريا وإيران، حيث اعتبرت الطموحات السياسية الكردية تهديدا . وأحيانا، اعتبرت تركيا الأكراد حاجزا بينها وبين بقية الشرق الأوسط نظرا إلى أن المجتمعات التي تعيش على جانبي حدود تركيا مع سوريا والعراق، ذات أغلبية كردية.
وأضاف دالاي أن نجاح السلام الكردي لن يعيد تحديد علاقات تركيا مع الأكراد داخل تركيا فحسب، ولكن مع الأكراد في منطقة الشرق الأوسط الأوسع نطاقا. ولن يتطلب هذا أن تكون للأتراك والأكراد هويات جيوسياسية متعارضة. ومن الناحية العملية، يعنى هذا أنه يجب أن تتطور علاقات تركيا مع الأكراد السوريين لتشبه علاقاتها من الأكراد العراقيين، التي تحوّلت من علاقات حادة إلى ودية (على الأخص بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني).
وسوف تكون سوريا أرض اختبار وعالما صغيرا لشكل جديد من العلاقات بين تركيا والأكراد في المنطقة. وإذا نجحت عملية السلام، فإن هذا يمكن أن يدفع النخب السياسية التركية إلى إعادة تصور منطقة جوارهم على أنها منطقة يصبح فيها الأكراد حليفا طبيعيا لتركيا وجسرا بين أنقرة وبقية الشرق الأوسط.
◙ نجاح السلام الكردي لن يعيد تحديد علاقات تركيا مع الأكراد داخل تركيا فحسب، ولكن مع الأكراد في منطقة الشرق الأوسط
ويمكن أن يكون لعملية السلام تأثير عميق على علاقات تركيا الدولية الأوسع نطاقا. فعلى المستوى الإقليمي تنافست تركيا وإيران لفترة طويلة وأحيانا تعاونتا بشأن القضايا الجيوسياسية الكردية الإقليمية. وإذا حل حزب بي كيه كيه نفسه جديا، سوف يعيد هذا تحديد مكانة تركيا وإيران في الفضاء الجيوسياسي الكردي الإقليمي، ومن المحتمل لصالح تركيا. وبالمثل، يمكن أن يوجه حل حزب بي كيه كيه ضربة لسياسة إسرائيل صوب سوريا وتركيا.
وترغب إسرائيل في استخدام تطلعات ومخاوف الدروز والمجمعات الكردية كأدوات لإبقاء سوريا متشرذمة والحصول على مكاسب في تنافسها مع تركيا. وتابع دالاي أن مستقبل القضية الكردية التركية وعلاقات تركيا مع الأكراد الإقليميين سوف يعيد تشكيل علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا. ولم تسمم أي قضية علاقات الولايات المتحدة وتركيا بنفس القدر الذي تسبب فيه الصراع السوري.
وبالمثل، كانت سوريا هي مهد علاقات أوثق بين تركيا وروسيا، ولكن لم تكن في الحقيقة بشأن سوريا ولكن القضية الجوهرية في كلتا الحالتين كانت القضية الكردية. وكانت شراكة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب الكردية (واي بي جي)، التابعة لحزب بي كيه كيه، والتي تحولت فيما بعد إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هي التي تسببت في حدوث صدع عميق في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
ووصلت العلاقات بين تركيا وروسيا إلى نقطة متدنية في شهر نوفمبر عام 2015 بعدما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية انتهكت مجالها الجوي. وفي ذلك الوقت، كانت روسيا اللاعب الخارجي الرئيسي في شمال غرب سوريا، ولم تتمكن موسكو وأنقرة من إطلاق عمليات عسكرية في هذه المنطقة إلا من خلال اتفاق. ووضع هذا التواصل الأساس لتأسيس منصة أستانا في نهاية عام 2016، وهذه عملية قادتها تركيا وروسيا وإيران أدت إلى تغيير مسار الحرب الأهلية السورية.
وكانت القضية الكردية، والانتهاكات السياسية وتلك المتعلقة بحقوق الإنسان المرتبطة بها، على نحو مستمر عقبة كؤودا في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى ذلك تسببت شراكة فرنسا مع قوات قسد / واي بي جي في سوريا في احتكاك خطير في علاقاتها مع تركيا.
وقد يكون لعملية السلام تأثيرات إيجابية على علاقات تركيا مع الغرب. ويمكن من المحتمل أن يزيل حل حزب بي كيه كيه أكبر العقبات في العلاقات التركية – الأميركية، ما يقلص معارضة أنقرة للوجود الأميركي في سوريا ويحسن المناخ العام للعلاقات الثنائية. ويمكن أن يساعد حل بي كيه كيه أيضا على تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي . وعلى النقيض، سوف يزيل أيّ سلام كردي أحد مصادر نقطة ضعف تركيا في علاقاتها مع روسيا ويمكن أن يقلص اعتماد أنقرة النسبي على موسكو.
وتعد عملية السلام من جانب حزب بي كيه كيه تاريخية وفريدة ولكنها أيضا في مراحلها المبكرة وهشة. ويتعين تعزيزها من خلال إصلاحات قانونية وسياسية ودستورية في تركيا. وبينما هناك دعم واسع النطاق داخل المشهد السياسي الكردي والتركي لإنهاء الكفاح المسلح، هناك الآن حاجة إلى توسيع نطاق هذا الإجماع ليشمل الدعم للإصلاح القانوني.
وأضاف دالاي في تحليله بالقول إن عملية برلمانية شاملة بمشاركة المعارضة تعد أمرا حيويا لتحصين العملية السياسة في المستقبل من التأثيرات الضارة للاستقطاب السياسي في البلاد. وإذا تم تحقيق سلام كردي دائم، فإنه يملك القوة على تحقيق تحول في سياسة تركيا الداخلية ومستقبلها الدولي.