حل تونسي مثير للجدل لإعادة ضبط دور البنك المركزي

تونس - اخترقت تونس أحد الخطوط الحمر في حملة إصلاحاتها، والتي طالت هذه المرة البنك المركزي، أملا في تغيير أسلوب نشاطه خلال المرحلة المقبلة، ما يهدد بحسب خبراء بالمزيد من التعقيدات في الطريق نحو تأمين خط إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
وصادق مجلس الوزراء الخميس الماضي على مشروع قانون مثير للجدل يسمح للبنك المركزي بتمويل الخزينة، في خطوة تهدف على الأرجح إلى تمويل عجز الميزانية، مما يعزز الشكوك بشأن استقلالية البنك في المرحلة المقبلة.
ويضع هذا التحول، الذي راجعته هيئة موالية بشكل كبير على ما يبدو للرئيس قيس سعيد، البنك المركزي ضمن قائمة متزايدة من مؤسسات الدولة، التي باتت على رادار الإصلاحات منذ صيف 2021.
وفي سبتمبر الماضي، دعا الرئيس سعيد إلى ضرورة مراجعة القانون للسماح للمركزي بتمويل الميزانية مباشرة عن طريق شراء سندات الدولة، وهي خطوة سبق أن حذر منها محافظ البنك مروان العباسي.
وقال سعيد خلال زيارة إلى مقر البنك المركزي حينها إن “المركزي مؤسسة عامة وليس مستقلا عن الدولة”.
وسترتفع حاجة الحكومة إلى القروض الخارجية في موازنة 2024 إلى نحو خمسة مليارات دولار، منها حوالي 3.2 مليار دولار لم تذكر الحكومة مصادرها.
وقال الخبير الاقتصادي آرام بلحاج لرويترز “من الواضح أن المصدر الرئيسي للحصول على هذا المبلغ (3.2 مليار دولار) من القروض الخارجية المخصصة لدعم الميزانية سيكون البنك المركزي”.
ودار جدل في الأوساط الاقتصادية العام الماضي حول دور المركزي حينما أكد النائب رياض جعيدان أثناء مقابلة مع وكالة بلومبرغ أن إحدى الأفكار هي معالجة “فشل” البنك في إدارة العلاقات مع القطاع المصرفي منذ أن اكتسب استقلالية أكبر قبل سبع سنوات.
وقال جعيدان، وهو مساعد رئيس مجلس النواب المكلف بالإشراف على الإصلاحات الكبرى، “نحن لسنا ضد وجود بنك مركزي قوي يلعب دورا في الاقتصاد الوطني والمالية العامة، لكن يجب أن تكون هناك حدود”.
وأضاف أن الخطوة تأتي في إطار “مرحلة جديدة من التصدي لكل من ساهم في تعطيل الدولة التونسية”.
ويرى اقتصاديون أن موافقة إقرار مشروع القانون هي خطوة أخرى تعزز التكهنات بأن العباسي، الذي يرأس البنك منذ ست سنوات، سيترك منصبه الشهر المقبل على الأرجح مع نهاية فترة ولايته الأولى.
ومن المتوقّع على نطاق واسع أن يوافق البرلمان على مشروع القانون خلال الأسابيع المقبلة، خاصة في ظل غياب معارضة حقيقية قد تؤجل إقراره.
ويعتقد منتقدون أن محاولة تعديل قانون 2016 تشير إلى احتمال تدخل الدولة بشكل أكبر في السياسات النقدية، خاصة في ظل العجز المالي المتزايد وندرة الموارد المالية وصعوبة الاقتراض الخارجي.
وحدّ القانون من تدخل الحكومة في سياسيات المركزي، لكنه ترك لرئيس الوزراء الحق في تشكيل لجنة للتدقيق في حال وجود شبهات فساد.
كما أعطي البنك المركزي السلطة المطلقة في ضبط السياسات النقدية وسياسة الصرف والتحكم في الاحتياطي والتصرف في الذهب.
وحتى يكتسب قوة أكبر في نشاطه تقرر كذلك تأسيس هيئة للرقابة والتصرف في الأزمات تتولى إصدار التوصيات وحماية الاقتصاد من الآثار المحتملة التي قد تترتب على أي اضطرابات في الاقتصاد العالمي.
وحذر العباسي في 2022 من أن خطط الحكومة لمطالبة المركزي بشراء سندات خزانة لها مخاطر حقيقية على الاقتصاد، بما في ذلك المزيد من الضغط على السيولة وارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الدينار.
حاجة الحكومة إلى القروض الخارجية في موازنة 2024 ارتفعت إلى نحو خمسة مليارات دولار، منها حوالي 3.2 مليار دولار لم تذكر الحكومة مصادرها
وقال في ذلك الوقت إن “التمويل المباشر للميزانية من قبل المركزي سيرفع التضخم بشكل لا تمكن السيطرة عليه وقد يصل إلى ثلاثة أرقام”، محذرا من أن ذلك قد يقود إلى “تكرار السيناريو الفنزويلي في تونس”.
وتتفاقم محنة صنّاع السياسات المالية في تونس بين مواجهة ارتفاع التضخم وغليان الأسعار وبين حماية النموّ الاقتصادي الهش، في محاولات شاقة للصمود والابتعاد عن شبح الإفلاس غير المعلن، كما يقول محللون.
ومن المعلوم أن سعيد والعباسي كانا على خلاف حول ضرورة خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي. ووجّه منتقدون اللوم إلى البنك المركزي لدعمه خطة الإنقاذ، التي لم يراجعها بعد للموافقة عليها من مجلس مدراء صندوق النقد.
وكانت خطوة دعم استقلالية المركزي في عام 2016 ساعدت على حصول تونس على مساعدات سابقة من الصندوق بقيمة 2.9 مليار دولار.
كما ساعدت الخطوة السلطة النقدية التي عبرت مرارا عن رفضها لاستنزاف الاحتياطات النقدية من العملة الصعبة من أجل تمويل ميزانية عام 2021 حينما كان هشام المشيشي آنذاك يتولى رئاسة الحكومة.