حل المجالس البلدية يستهدف تحييد الإدارة التونسية وإبعادها عن تأثير الأحزاب

البرلمان التونسي الجديد يفتتح أشغاله في الثالث عشر من مارس الجاري.
الجمعة 2023/03/10
البلديات في تونس تحولت إلى مربعات نفوذ سياسي

أصدر الرئيس التونسي حزمة جديدة من المراسيم، لعل أهمها حل مجالس البلديات، في خطوة كانت منتظرة وتستهدف، وفق متابعين، تحييد الإدارة التونسية، لاسيما مع تصاعد موجة الانتقادات للمجالس الحالية، واتهامات لها بالتورط في تنفيذ أجندات سياسية.

تونس - أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد الخميس مرسوما يقضي بحلّ المجالس البلدية، التي شارفت على استكمال مدتها النيابية، بالتوازي مع إقرار مرسوم آخر يقضي بافتتاح جلسات البرلمان الجديد الاثنين المقبل.

ويرى متابعون أن خطوة الرئيس بحل المجالس البلدية وتحديد موعد افتتاح البرلمان تأتي استكمالا للمسار الانتقالي الذي أعلنه في الخامس والعشرين من يوليو 2021، والذي يتعرض لحملة تشويش واسعة لاسيما من قبل القوى المشاركة في منظومة الحكم السابقة.

نبيل الرابحي: حل المجالس البلدية ضمن تمشي الخامس والعشرين من يوليو
نبيل الرابحي: حل المجالس البلدية ضمن تمشي الخامس والعشرين من يوليو

ويشير المتابعون إلى أن قرار الرئيس بشأن حل المجالس البلدية الحالية، يعود إلى تحول الأخيرة إلى مناطق نفوذ سياسي لبعض الأحزاب، تنفذ أجنداتها أكثر من تركيزها على خدمة مصالح السكان المحليين.

وأقر المرسوم الرئاسي الذي نشر بالرائد الرسمي الخميس، بتكليف الكتابة العامة للبلدية، بتولي مهمة تسيير الشؤون العامة للبلدية وإدارتها، بإشراف من والي المحافظة. كما صدر مرسوم آخر يتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلّية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم.

وكان سعيّد ذكر في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية فجر الخميس أنه “سيتم النظر في مشروعين يتعلقان بتنقيح قانون انتخاب المجالس البلدية ثم قانون انتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، إلى جانب نص آخر يتعلق بحلّ المجالس البلدية كلّها وتعويضها بنيابات خصوصية”.

والنيابة الخصوصية مجلس غير منتخب تتم تسميته بمقتضى أمر في حالة حلّ المجلس البلدي أو استقالة كافة أعضائه المباشرين أو تعذر تكوين مجلس بلدي. وتقوم النيابة الخصوصية ورئيسها بنفس وظائف المجلس البلدي ورئيسه.

وقال الرئيس التونسي إن المجالس الجديدة ستنتخب، ولكن بموجب قواعد جديدة سيكتبها ضمن قانون معدل للمجالس البلدية. وشدد سعيّد على أن “معركة بالقانون ضد الذين عاثوا في البلاد فسادا ستستمر وبنفس القوة والعزم حتى يستعيد الشعب أمواله وحقوقه”.

وأفاد المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب” بأن “هدف الرئيس قيس سعيّد من حلّ المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية، هو قرار يندرج في نفس التمشي الذي اتخذه منذ الخامس والعشرين من يوليو، ويستهدف تحييد الإدارة التونسية في الاستحقاقات القادمة بعيدا عن تأثير الأحزاب”.

ونظمت في مايو 2018 انتخابات بلدية هي الأولى في البلاد إثر ثورة 2011 وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات آنذاك عن تصدر القوائم المستقلة المشاركة في الانتخابات، والتي حصلت على 2373 مقعدا، يليها حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية مع 2139 مقعدا، ثم حزب “نداء تونس” بـ1600 مقعد.

ولكن إثر ذلك وبسبب الصراعات السياسية دخلت المجالس في خلافات شديدة على خلفية الانتماءات السياسية لأعضائها، انتهت بحل عدد منها وإجراء انتخابات جديدة.

حاتم المليكي: سعيد يعمل على إنهاء العمل مع المنظومة السابقة
حاتم المليكي: سعيد يعمل على إنهاء العمل مع المنظومة السابقة

وقد برزت خلال العامين الماضيين مطالبات بضرورة حل المجالس البلدية بسبب تورط عدد من أعضائها في عمليات تعطيل، بغاية إفشال المسار الانتقالي، وتأليب الرأي العام على رئيس الجمهورية.

وكان سعيّد نفسه وجه في السابق انتقادات للمجالس البلدية، قائلا إن بعضها يسعى إلى أن يكون “دولة داخل دولة” وبعضها الآخر “ليس محايدا”.

وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “القرار كان منتظرا منذ مدّة لأن هناك مطالب بحلّ المجالس البلدية، واليوم تونس على بعد شهرين من نهاية العهدة للمجالس المحلية”.

وأضاف المليكي في تصريحات لـ”العرب” أن “الرسالة السياسية هي أن الرئيس سعيّد ما زال يريد أن يبني مؤسسات الدولة وفقا للطريقة التي يراها مناسبة، كما يعمل على إنهاء العمل مع كل رموز المنظومة السابقة وإعادة تنظيم ما أتت به العشرية السوداء”.

وأُجريت في تونس انتخابات تشريعية مبكرة على دورين، في السابع عشر من ديسمبر والتاسع والعشرين من يناير الماضيين.

وشكلت تلك الانتخابات أحدث حلقة في “سلسلة إجراءات” اتخذها الرئيس سعيّد، شملت أيضا حل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد في الخامس والعشرين من يوليو 2022.

وأقر سعيّد في مرسوم رئاسي جديد الخميس، بانطلاق عمل البرلمان التونسي الجديد في الثالث عشر من مارس الجاري، وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قد أعلنت في وقت سابق أن البرلمان المنتخب سيباشر عمله بـ154 نائبا من أصل 161 بانتظار سد الشواغر في سبع دوائر انتخابية بالخارج.

واعتبر رئيس الجامعة الوطنية للبلديات عدنان بوعصيدة، في وقت لاحق الخميس، أن ما أعلنه رئيس الدولة بخصوص حل المجالس البلدية كان متوقعا وغير مفاجئ للجامعة.

وأفاد بوعصيدة في تصريحات لوسائل إعلام محلية بأن عمل رؤساء البلديات والمجالس سيتواصل في انتظار المرسوم الجديد، مرجحا تعويض أفراد المجالس الحالية بأشخاص آخرين في إطار نيابات خصوصية.

وقال إن هناك عدة قراءات بخصوص ما أعلنه الرئيس سعيّد بشأن هذا الأمر خلال إشرافه على المجلس الوزاري، ولا يمكن الحسم فيه بشأن تفاصيله وإجراءاته. وتوقّع تركيز النيابات الخصوصية إلى حين إجراء انتخابات بلدية.

وعبر بوعصيدة عن أسفه لعدم اقتناع أعلى هرم السلطة بجدوى مسار اللامركزية، الذي تنتهجه الدول المتقدمة وحتى دول الجوار والدول الأفريقية، ومدى فائدته في مجال التنمية.

وتساءل عن القانون الذي سيسيّر النيابات الخصوصية، هل بمجلة الجماعات الخصوصية أو بقانون آخر، أو بتعليمات من الولاة، كما كان معمولا به. كما أكد بوعصيدة أن أعضاء النيابات الخصوصية سيتم تعيينهم من طرف السلطة السياسية أو وزارة الداخلية.

وحاول بوعصيدة الدفاع عن المجالس البلدية الحالية مستشهدا بتقرير صادر من منظمة “مراقبون”، يفيد بتقلّص نسبة الفساد في البلديات إلى 85 في المئة خلال فترة المجالس البلدية.

وقال إن وجود مشاكل في 28 بلدية من أصل 350 على كامل تراب الجمهورية، يمثل نسبة ضئيلة.

4