حل الحشد الشعبي في العراق بين تحذير من الفوضى وفتوى المرجعية

بغداد – تصاعد الحديث خلال الفترة الماضية، حول حل الحشد الشعبي في العراق، بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، ورغم تأكيدات الحكومة بعدم وجود أي شروط أو إملاءات خارجية حول الموضوع، إلا أن أوساط سياسية قد حذرت من منزلقات خطيرة وفوضى أمنية قد تعصف بالبلاد في حال حل الفصائل، فيما كشفت مصادر سياسية عن رفض المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، إصدار فتوى لحل الحشد بالرغم من الضغوط الغربية التي تتعرض لها بغداد.
وقال القيادي في الإطار التنسيقي عصام الكريطي، لوكالة "بغداد اليوم" إن "الضغوط التي تمارسها بعض العواصم الغربية ومنها الأميركية لحل الحشد الشعبي بدأت بعد 24 ساعة على اعلان تشكيله، أي انها مستمرة منذ 10 سنوات وهناك من يدعم هذا الاتجاه بالداخل لغايات باتت معروفة".
واضاف أن "الحشد الشعبي مؤسسة حكومية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة وقدمت الدماء لتحرير المدن بعد 2014، مؤكدا بان واشنطن وحلفائها في عداء مع الحشد لأنه أفشل مشروع تمزيق العراق، لافتا الى انه لو بقيت بغداد تسير بما يريده الغرب لما تحررت المدن ولو لـ100 سنة أخرى وتحولت بلادنا الى مناطق ممزقة تستنزف دماءً وقدرات مالية كل يوم".
واشار الكريطي إلى أن "حل الحشد الشعبي سيقود العراق الى منزلقات خطيرة ويضعف قدراته الدفاعية وهذا ما تريده واشنطن ضمن مفهوم الشرق الاوسط الجديد الذي تكون فيه كل العواصم ضعيفة امام الاطماع الصهيونية والأميركية، وخاب فألهم في تحقيق هذا الأهداف".
وبين القيادي بالإطار، أن "الحشد الشعبي خط أحمر وهذا رأي كل قادة الإطار التنسيقي دون استثناء ولا يمكن التفريط به فهو قوة رسمية دافعت ولاتزال عن امن واستقرار العراق".
ويرجع تشكيل هيئة الحشد الشعبي في العراق إلى عام 2014 عندما أصدر المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، في النجف فتوى بتشكيل حشود شعبية لمواجهة خطر تنظيم داعش، الذي توغل داخل مدن عراقية وسيطر على ثلث أراضي العراق، ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
وهبت الحشود، وتطوع ما يقارب المليون شخص السلاح وتوجهوا إلى جبهات القتال مع الجيش العراقي، وبعد مرور عامين، أصدر مجلس النواب العراقي عام 2016، بعد طلب رفعه نواب من الكتل الشيعية، قانونا خاصا بالحشد الشعبي في العراق، باعتباره أحد تشكيلات القوات المسلحة العراقية.
وفي السياق ذاته، أكد السياسي المستقل عباس المالكي في تصريح لموقع "المعلومة" العراقي السبت أن "الحشد الشعبي أثبت أنه قوة عسكرية منضبطة، وحقق إنجازات كبيرة في تحرير مساحات واسعة من العراق من سيطرة تنظيم داعش، الذي تدعي الولايات المتحدة أنها تحاربه وتبرر وجودها في البلاد لمواجهته”.
وأشار إلى أن "العراق يرى أن التهديدات المستمرة بعودة داعش تتطلب بقاء الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، كونها القوة الرئيسية التي تصدت لهذا التنظيم الإرهابي”، مؤكداً أنه ” لا يحق للولايات المتحدة من الناحيتين القانونية أو العرفية أن تفرض على العراق قرارات تمس سيادته وأمنه الداخلي".
وأوضح أن "أي محاولة لحل الفصائل أو دمج الحشد الشعبي قد تؤدي إلى انفلات أمني، مستشهدًا بما حدث في سوريا حين فقدت حكومة الأسد الاستقرار بعد حصولها على تطمينات من حلفاء الولايات المتحدة".
وبين أن "العراق لا يمكنه الوثوق بتطمينات أميركية لضمان أمنه واستقراره في حال تم حل الحشد الشعبي وفصائل المقاومة".
وختم المالكي حديثه بالتأكيد على أن "الحفاظ على سيادة العراق واستقلالية قراراته يمثل أولوية قصوى لضمان استقراره وأمنه في مواجهة التحديات الراهنة".
من جهة أخرى، كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية، اليوم السبت، عن رفض المرجع الديني في العراق علي السيستاني، إصدار فتوى لحل الحشد الشعبي بالرغم من الضغوط الغربية التي يتعرض لها العراق.
وقالت الصحيفة نقلا عن مصدر مسؤول، إن "الحكومة العراقية تلقّت، أكثر من مرة، طلبات من أطراف دولية وإقليمية لحلّ الحشد الشعبي وتسليم الفصائل المسلحة سلاحها للدولة".
واضاف أن "الزيارة الثانية لممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، إلى المرجع الديني الأعلى في النجف، علي السيستاني، كانت بهدف الطلب منه إصدار فتوى لتفكيك الحشد الذي تأسس بفتوى منه، أو دمجه مع الوزارات الأمنية، ليرفض الأخير استقباله".
وتابع أن "السوداني، يتعامل مع جميع الأطراف من أجل تخفيف الصراع الأيديولوجي، وخاصة بعد طوفان الأقصى وما تلاه من أحداث في سوريا وسقوط النظام".
واوضح أن "قضية حلّ الحشد وتفكيك الفصائل رغبة غربية ليست جديدة، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة التي دائماً ما تعبّر عن انزعاجها من الفصائل كونها مدعومة إيرانياً أو تنفّذ سياسة طهران في المنطقة".
واشار الى أن "السوداني دائماً ما يشدّد على عدم تدخل الحشد الشعبي في الصراعات الداخلية والإقليمية وحتى عند أحداث غزة ولبنان، أُبعد الحشد عنها تماماً، لكنّ هناك أطرافاً دولية وإقليمية تعتبر أن الفصائل تهدّد مصالحها وتتحكم بها إيران".
وقال مصدر آخر بحسب الصحيفة، إن "السيستاني استقبل الحسان فعلا في زيارة أولى، جرت خلالها مناقشة الأوضاع في المنطقة ومصلحة العراق، بينما في الزيارة الثانية، التي أجريت قبل أيام وبعد نحو شهر على الأولى، لم يستقبله المرجع الأعلى بل ابنه محمد رضا، وهذا ما يبيّن أنه فعلاً كان هناك طلب بخصوص حل الحشد، وعدم استقباله هو بمثابة الرفض لذلك الطلب".
ونفى السوداني، الخميس الماضي، وجود أي شروط أو إملاءات حول موضوعة حل الحشد الشعبي، مضيفاً أن التحالف الدولي انتهت مهمته ومبررات وجوده لكن أحداث 7 أكتوبر وتداعياتها عرقلت ذلك، لكن وصل العراق إلى اتفاق وحدد شكله.
وكانت مصادر سياسية مطلعة في العراق كشفت، في 18 ديسمبر الجاري، عن تلقي الحكومة العراقية رسالة أميركية محرجة تطالبها بحل الحشد الشعبي ومكافحة السلاح المتفلت وإبعاد تأثيرات دول الجوار على قرارها السيادي، مقابل استمرار الدعم للنظام السياسي القائم، فيما ربطها سياسيون بـ"مؤامرات داخلية" تستهدف إضعاف المكون "الأقوى"، وخلخلة الاستقرار الأمني في البلاد.
وأقر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مختار الموسوي، في حينها، بوجود ضغوط أميركية لحل الحشد، داعياً الحكومة إلى عدم الاستجابة لها، مهما كلفها من ثمن، لافتاً إلى أن “الحشد الشعبي يشكل صمام أمام البلاد، ومن ثم الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وأكد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، في 12 من الشهر الحالي، في مؤتمر صحافي من النجف عقب لقائه نجل المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، أنه ناقش "خطوات النأي بالعراق عن أية تجاذبات سلبية لا تخدم أمنه واستقراره”، وألا يتحول البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات، داعيا القوى السياسية العراقية لوضع مصلحة البلد في الصدارة، والتأكيد على أن "أمن العراق والعراقيين غير قابل للمساومة".
وكان المرجع السيستاني، قد أكد في بيان صدر عن مكتبه عقب اللقاء بالحسان في 4 نوفمبر الماضي، على منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد.
ويذكر أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أجرى جولة في المنطقة العربية، وقد هبط في العراق بشكل مفاجئ، في 13 ديسمبر الحالي، والتقى السوداني، وشدد خلال اللقاء، وفقا لما نقلت وكالة "رويترز" على "التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية الأميركية العراقية وبأمن العراق واستقراره وسيادته".